قررت السلطات المغربية إعلان حالة الطوارئ الصحية منذ 20 مارس الماضي، قرار التباعد الاجتماعي يبدو أنه لم يغير شيئا من نمط حياة سكان القرى، لكنه جلب قلقا ومتاعب ترتبط بحاجتهم إلى التزود بالمؤونة والحصول على أعلاف مواشيهم وبيعها بعد غلق الأسواق الأسبوعية. ملفات تادلة تأخذكم في رحلة إلى دوار القرية التابع لجماعة أرفالة دائرة بزو بإقليم أزيلال للاطلاع على كيف تعيش ساكنة هذه المنطقة فترة الحجر الصحي.
سبعة قرون من التاريخ:
الطريق إلى دوار ’’القرية‘‘ تم تعبيدها قبل سنتين، يمكن الآن الوصول إلى الدوار الذي يقع على مرتفعات الأطلس المتوسط، بارتفاع يناهز 700 متر عن سطح البحر، التجمع الذي يضم 23 بيتا تأوي أسرا كبيرة ومتوسطة، يقع ضمن تجمع من الدواوير المنتشرة في جماعة أرفالة. تفصل هذا التجمع 17 كلم عن بلدية أولاد عياد التابعة لإقليم الفقيه بنصالح، نفس المسافة تفصلها عن مركز أيت عتاب التابع لأزيلال لكن الطريق إليه يمر بمنعرجات ومرتفعات، بينما تبعد ’’القرية‘‘ عن مركز بوعزير، حيث يقع مقر جماعة أرفالة، بمسافة 24 كلم.
التاريخ ترك أثر خطاه هنا، فدوار القرية، جنوب شرق أرفالة، كان معروفا كمركز لتحفيظ القرآن ويوجد به مسجدان يعود بناؤهما إلى سبعة قرون خلت، كان تجمعا سكنيا يضم أزيد من 120 بيتا قبل مرحلة الهجرة الكبرى إبان سنوات الجفاف اوائل الثمانينات، والأسر التي لازالت هنا تقاوم الجفاف والظروف والآن تقاوم في زمن الجائحة.
السكون يعم المكان إلا من صوت الرياح التي تزمجر وتخفت في هذه المرتفعات، هنا يمكنك أن تسمع غثاء حملان من مكان بعيد، كما يمكنك أن تسمع نباح الكلاب المتأهبة التي قد تفاجئك عند أي منعطف. جل المساكن بالقرية مبنية من الحجارة وأسقفها من قصب وطين وهو طراز مغربي منتشر منذ القديم في البوادي المغربية.
بيوت من حجر وأسقف من قصب:
أقرب مدرسة ابتدائية من التجمع الذي يضم خمسة إلى سبعة دواوير تبعد ب 3 كيلمترات يقطعها الأطفال مشيا كل يوم، بينما يتوفر بعض الحظ لزملائهم في المستويات الثانوية حيث يستفيدون من النقل المدرسي ليصلوا إلى مركز آيت عتاب حيث الثانويتين الإعدادية والتأهيلية، أما الطلبة فأغلبهم يتجهون إلى المؤسسات الجامعية ببني ملال حسب التخصصات المتوفرة.
في غرفة سقفها من الخشب والقصب كباقي منازل الدوار، وإلى مائدة على الأرض، تجلس أميمة براش، 22 سنة، طالبة بشعبة علم الاجتماع، بجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، تتصفح كتبها وهي تتحدث إلينا. تبدأ أميمة يومها بالقيام بأشغال البيت قبل أن تفتح كتبها لتتابع دروسها، وتقوم بمجهود لتتابع الدروس عن بعد. ’’الأمر مختلف تماما عن الدراسة الحضورية‘‘ تقول أميمة في حديثها لملفات تادلة وتوضح ’’أن تأخذ المعلومة من الأستاذ وتتفاعل معه ويشرح لك يختلف عن التعامل مع فيديو، وفضلا عن عائق التكلفة التي ترهق كاهل الأسر، فإن تحصيل المعلومة عن بعد يختلف عن التفاعل مع الأستاذ ومناقشته‘‘.
وتجد أميمة أن طلبة التعليم العالي إن توفرت لهم إمكانيات الأجهزة وخدمة الأنترنيت، وضعهم أفضل من تلاميذ المستويات الأساسية والثانوية، ’’الطالب معتاد على البحث والإطلاع على المراجع، لكن التلاميذ متعودون على متابعة أساتذتهم وأخذ المعلومة منهم مباشرة ويكتفون بذلك‘‘ تقول أميمة وتوضح أن مشكل الإمكانيات وعدم وعي أولياء الأمور أهم عائقين يواجهان متابعة أبناء قريتها للدروس عن بعد.
’’لم يتغير أي شيء‘‘:
جملة رددها أغلب من التقتهم ملفات تادلة، فالناس تمارس أنشطتها التي هي غالبا أنشطة فردية هنا. الجملة ذاتها كررها عبد الرحمن غنيم، أستاذ متقاعد وهو يوضح ’’ منذ فرض حالة الطوارئ الصحية، امتثلت ولازمت منزلي، لا أزور أحدا ولا يزورني أحد‘‘. غنيم لا يغادر بيته ولا قريته إلا للتوجه إلى مدينة أولاد عياد من أجل سحب راتب التقاعد من الوكالة البنكية هناك.
القرب من بلدية أولاد عياد وتوفر كل المرافق الضرورية بها يجعلها وجهة مفضلة لسكان ’’القرية‘‘ من أجل قضاء مصالحهم وبشكل خاص في هذه الظرفية من أجل سحب مدخراتهم، مثل حال عبد الرحمن غنيم، لكن الذهاب إليها في ظل حالة الطوارئ ليس محمود العواقب وليس يسيرا، حيث أن ’’القرية‘‘ توجد ضمن المجال الترابي لجماعة وإقليم آخرين.
وجد سكان القرية أنفسهم فجأة ممنوعين من الدخول إلى المدينة التي تعودوا على قضاء كل مصالحهم بها ’’حين تضبط سلطات أولاد عياد أحد سكان القرية فإن أهون ما يمكن أن يحصل معه هو سحب رخصة التنقل التي بحوزته، فأقرب مدينة منا هي أولاد عياد بل من أجل الوصول إلى بزو التي ننتمي إليها إداريا نمر من أولاد عياد وهذا وضع العراقيل أمام الناس الذين يرغبون في الوصول إلى مدخراتهم‘‘ يقول صالح براش.
بالنسبة لأحمد غزة أيضا لم يتغير شيء في نمط حياته سوى توقف العمل، يعمل في الزراعة، وفي هذه الفترة توقف كل شيء، حيث أصبح على كل شخص أن يقوم بالأعمال بمفرده، ’’الفلاح في تمارة والخدام في تمارة‘‘ يقول أحمد.
هنا في دوار ’’القرية‘‘ استغنى السكان عن تجمعاتهم مساء قرب الدكان كالعادة، هذه التجمعات هي النشاط الاجتماعي الوحيد الذي كانوا يداومون عليه، الدكان الآن يغلق أبوابه على الساعة السادسة مساء امتثالا للتوقيت المعلن عنه، وجوابا على سؤالنا عن الاحتياطات التي يتخذها سكان ’’القرية‘‘ رد أحمد ’’لا شيء، كل يذهب بمفرده لجلب الكلأ لماشيته ثم يعود إلى بيته، لا ألتقي أحدا‘‘.
القفة .. في انتظار التعويضات والأعلاف:
’’توصلنا بالقفة‘‘ (مساعدات غذائية) يقول صالح براش رئيس الجمعية الجعفرية للتنمية ’’سهرنا كمجتمع مدني على توزيعها على السكان الذين تقبلوها بصدر رحب وكانوا في حاجة إليها وخففت من آثار الوضع‘‘، لكن قلق سكان القرية لم يتبدد تماما، فهم ينتظرون مساعدات تهم أعلاف الماشية.
الناس هنا يعتمدون على الفلاحة البورية – زراعة تعتمد على مياه الأمطار – لذلك فالقلق يراودهم بشأن مصدر عيشهم، وفي ظل ندرة الكلأ في المراعي بسبب ندرة التساقطات المطرية أصبح السكان يعانون، وزاد من معاناتهم إغلاق الأسواق الأسبوعية. ’’كما تعلمون دخل الناس هنا يأتي من الأسواق الأسبوعية حيث يبيعون ماشيتهم ويحضرون الأعلاف ومؤونتهم الأسبوعية‘‘ يقول براش، ويواصل ’’إغلاق الأسواق الأسبوعية أثر سلبا على أثمنة المواشي، والبيع في عين المكان لا ينصف المربي حيث أن الأثمان انهارت بشكل كبير‘‘.
ندرة الأمطار وتقلص المراعي وإغلاق الأسواق الأسبوعية، جعل سكان ’’القرية‘‘ في وضع انتظار مساعدات الدولة فيما يخص الأعلاف ’’نحن ننتظر المساعدة في تخفيف الآثار السلبية خصوصا فيما يتعلق بأعلاف الماشية، أبلغتنا السلطات أن عملية تسليم الأعلاف المدعمة في مراحلها الأخيرة ونحن ننتظر‘‘ يقول براش.
وإلى جانب انتظارهم للأعلاف المدعمة، ينتظر سكان القرية المخصصات المالية من صندوق جائحة كوفيد-19، يشكل المسجلون في نظام راميد للمساعدة الطبية أغلبية، حرص صالح براش وأعضاء الجمعية على مساعدتهم في إرسال بياناتهم، كما اهتموا بإرسال بيانات غير المسجلين، لكنهم لحد الساعة لم يتوصلوا بشيء.
’’منعنا من السوق، كل شيء كان ثمنه مناسبا‘‘ يقول محفوظ عرّوبي، وهو عامل في أحد مستودعات الآجر، توقف عن العمل بسبب حالة الطوارئ، ويضيف ’’منعنا من الذهاب إلى المدينة التي كنا نجلب منها كل ما نحتاجه – يقصد أولاد عياد – والآن كل شيء نقتنيه بثمن مرتفع من هنا – يقصد الخضر والسلع التي أصبح يجلبها أصحاب الدكاكين – ‘‘.
مصطفى الحلاق، مربي نحل تقليدي، وجد نفسه بعد غلق الأسواق ومنع التنقل بدون مورد رزق، يتفقد مصطفى الخلايا التي هجرها النحل ، وبضعة خلايا تطوف حولها أعداد قليلة. ’’كنا نبيع عسل الخديمة – الجرة – في الأسواق، الآن أغلقت الأسواق وندرة المطر أثرت علينا، فالنحل لا يجد ما يقتات عليه‘‘ يقول مصطفى في حديثه إلينا.
مصطفى كان يبيع حسب ما صرح به لنا 15 إلى 20 لترا من العسل كل سنة، وهو ما كان يساعده في تغطية نفقات البيت، لكن الآن بعد الإغلاق يجد نفسه بدون أي مدخول، وضع دفعه لتقديم طلب الاستفادة من التعويضات المخصصة من صندوق الجائحة ’’أرسلت طلبي وبياناتي ولازلت أنتظر، ربما توصل شخصان من الدوار بعويضات مالية لكننا لم نتوصل بشيء‘‘ يوضح مصطفى الحلاق.
’’أنا لست مسجلا في راميد، وأرسلت بياناتي وتوصلت برسالة تفيد قبول طلبي وأنا أنتظر‘‘ يقول أحمد غزة، في تصريحه لملفات تادلة ويضيف ’’إذا أعطوني شيئا مرحبا وإذا لم يعطوني مرحبا‘‘ ثم لكز دابته وواصل طريقه.