التعليم عن بعد: الصدمة والإقصاء يحكمان سلوكات التلاميذ والأسر (روبورطاج)
’’السلام عليكم، الله يجازيكم بخير، أستاذة اللغة الفرنسية والإنجليزية وجميع المواد، مبقيتوش تسيفطو ليا شي حاجة لـ (أ.م) في هذا الكونط، (أ.م) مسحوه من هاد الجروب، غنصدق مرتكبة جريمة قاتلة ولدي، هاد القراية عن بعد أنا مبقيتش ولدي بغيتو يقرا فيها‘‘.
هذا مضمون تسجيل صوتي تم تداوله بشكل واسع عبر مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي في المغرب، التسجيل لأم تتحدث بنبرة هيستيرية وتوجه كلامها إلى أساتذة ابنها تطلب منهم عدم إرسال أي مادة تفاديا لارتكاب جريمة قتل في حق ابنها، التسجيل يلخص التوتر الذي نشأ داخل الأسر – أسرة هذه السيدة على الأقل – بعد قرار توقيف الدراسة في المؤسسات التعليمية واستئنافها عن بعد في المغرب في إطار مواجهة انتشار فيروس كورونا.
أسر متوترة:
التوتر عنوان عدد من التسجيلات التي تم تداولها بكثافة أيضا، ’’ما باقيش نسمع شي زفت ديال شي أم هضرات هنا أو تدخلات هنا، التلاميذ فقط، ما نسمع تا شي أم تدخلات أو كتبات شي حرف‘‘ هذا نموذج تسجيل أستاذة ترد بنبرة متوترة أيضا على ما يبدو أنه إغراق للمحادثة على تطيبق واتساب بتدخلات الأمهات.
تسجيلات أخرى تم تداولها لتلاميذ يطلبون من الأساتذة عدم إرسال تمارين كثيرة ويشتكون من عدم قدرتهم على المتابعة، وإن كان تداول أغلبها يتم بدافع التندر لكنها تعطي صورة عن الارتباك والتوتر لدى أطراف العملية التعليمية بعد قرار توقيف الدراسة حضوريا واستئنافها عن بعد.
قررت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، توقيف الدراسة بجميع الأقسام والفصول انطلاقا من يوم الاثنين 16 مارس 2020 حتى اشعار آخر، في إطار التدابير الاحترازية الرامية إلى الحد من انتشار “وباء كورونا” (كوفيد 19).
قرار الوزارة خلف ردود أفعال كثير منها طرح نقاشا واسعا، وردود أفعال اعتبرت أن التعليم عن بعد بصيغته الحالية يشكل إقصاء لشرائح واسعة من التلاميذ والطلبة وسيخلف تفاوتا وحتى تمييزا طبقيا بين المتعلمين بالنظر إلى غياب الإمكانات لدى الأسر، كما طرح أساتذة وفاعلون في ميدان التعليم إشكالات بيداغوجية عميقة.
صورة الوزارة .. وردية:
وفي تقييم أولي لعملية التعليم عن بعد تحدث سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية، عن مستويين، ما تم إنجازه من طرف الوزارة كمضمون رقمي ودروس مصورة، ثم استفادة التلاميذ من هذه الموارد. وقال أمزازي في لقاء على القناة الثانية، أن عدد المستفيدين من المنصة الرقمية “تلميذ تيس” بلغ 600 ألف تلميذ يوميا، بينما تطبيق ’’تيمز‘‘ تم إنشاء 90 في المائة من الأقسام الافتراضية.
وأوضح الوزير في نفس اللقاء أن استخدام تطبيق ’’تيمز‘‘ الذي هو تطبيق تفاعلي، لا يعرف إقبالا من طرف التلاميذ، وأرجع سبب عدم الإقبال على التطبيق المذكور إلى أن الوزارة لم تفرض إجبارية استخدامه وتركت الحرية للتلاميذ والأساتذة في استخدامه.
وأشار الوزير في حديثه، إلى النواقص التي وقفت عليها الوزارة في إطار التقييم الأولي، حيث أشار أنه أخذا بعين الاعتبار التلاميذ الذين لا يتوفرون على حواسيب أو يفتقرون إلى خدمة الأنترنيت أو غياب التغطية في العالم القروي، فإن الوزارة لجأت إلى بث الدروس على قنوات تابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، ولفت الوزير الانتباه إلى معطيات المندوبية السامية للتخطيط بشأن توفر الأسر على جهاز التلفاز، كما دعا الأسر التي استفاد أبناؤها من برنامج مليون محفظة إلى فتح المقررات الدراسية والشروع في تدريس أبنائها.
حديث ومعطيات الوزير يرسمان صورة وردية عن التعليم، لكن التفاؤل والإيجابية اللذان يطبعان تصريحاته لا يقدمان إجابات للأسئلة والمشاكل التي يواجهها التلاميذ منذ انطلاق التعليم عن بعد، فحسب الآراء التي استطلعتها ملفات تادلة الوضع على الأرض مختلف تماما.
صورة التلاميذ.. قاتمة:
فاطمة (اسم مستعار) أم تلميذ بالقسم الابتدائي بمجموعة مدارس الرواجح جماعة اولاد بورحمون بإقليم الفقيه بنصالح، تحدثت الأم عن عدم قدرتها على توفير خدمة الأنترنيت، وبالمقابل ابنها لا يستفيد شيئا من الدروس عبر قناة التلفزيون، ’’لا يفهم الدرس ولا يستطيع الكتابة لأن الشرح يمر بسرعة ولا يعطي التلاميذ فرصة كتابة الدروس‘‘، عدد من الأمهات يدرس أبناؤهن بنفس المدرسة يجزمن بأن أبناءهن لا يدرسون وعبرن عن قلقهن من مصير أبنائهن.
ادريس تلميذ بالمستوى السادس أساسي بمدرسة الرشاد بسوق السبت، تحدث لملفات تادلة عن متابعة الدروس عبر القناة المخصصة لذلك ’’في الأسبوع الثاني بدأوا يكررون الدروس السابقة، ولكن رغم ذلك من الصعب المتابعة، فالخط غير واضح والأستاذ الذي يشرح لا أفهم منه شيئا، كما أنني لا استطيع مسايرته وكتابة الدرس‘‘ يقول إدريس.
لمياء شقيقة إدريس، أولى علوم تجريبية، بدأت حديثها لملفات تادلة بالتأكيد على أن التلاميذ هم عمليا في عطلة، ’’مواقع التدريس بالنسبة لنا مجرد إشاعات، نعم الدخول إلى المسطحات مجاني لكنك لا تحصل سوى على عناوين الدروس، المشكلة أن الانترنيت ليس متوفرا والمسطحات كلها تحيل على موقع يوتيوب وهو يحتاج الدفع للمشاهدة‘‘ وتضيف لمياء ’’بين الفينة والأخرى اتمكن من التعبئة لكنه أمر نادر لأنه مكلف‘‘.وأوضحت أن ولوجها إلى المسطحة التي خصصتها وزارة التعليم يتوقف عند الدخول فقط الذي هو مجاني دون أن تتمكن من مشاهدة الدروس التي تتطلب الدفع، وهذا ما يفسر ارتفاع عدد التلاميذ الذين يلجون إلى المسطحة حسب تصريح الوزير أمزازي مع عدم الإقبال على تطبيق ’’تيمز‘‘ الذي يتطلب خدمة مدفوعة.
وأوضحت لمياء التي تدرس بثانوية الخووارزمي بسوق السبت أن بعض الأساتذة يقدمون دروسا عبر تطبيقات للتعليم عن بعد، لكن بظل المشكل دائما هو الانترنيت ’’استاذ العلوم الطبيعية يقدم دروسا عبر تطبيق “زووم” لكنني لم أحضر أيا من دروسه لأن الأمر يستهلك كمية هائلة من البيانات وهو ما لا يمكنني توفيره‘‘.
غياب التفاعل يحول دون اكتساب المهارات:
وبسؤالها عن الدروس على القنوات التلفزية أوضحت لمياء أنها تابعت الأسبوع الأول لكن بعد ذلك بدأ تكرار الدروس، وقالت بهذا الشأن ’’هناك فائدة نسبية لكنها غير كافية، فهناك بعض الدروس تحتاج شرحا أكثر، مع العلم أننا داخل القسم كنا نحتاج لوقت وتركيز وتفاعل مع الاستاذ لنفهم‘‘.
التفاعل هو ما تحدث عنه أسامة، تلميذ بالسنة الثانية باكلوريا علوم الحياة والأرض بثانوية الحسن الثاني ببني ملال، يتوفر لدى أسامة الأنترنيت بالمنزل وهو يعتبره مجرد حظ ’’أنا محظوظ لأن بيتنا يتوفر على اشتراك بالأنترنيت، أفكر في زملائي الذين لا يملكون هذا الحظ‘‘لكن رغم ذلك يواجه بعض الصعوبات ’’الدروس التي نتابعها الآن كانت مجرد دروس تكميلية لتعميق الفهم وتوضيح بعض النقاط فقط‘‘.
ويوضح أسامة ’’في السابق كنت ألجأ للشروحات على موقع يوتيوب بعد أن أكون تابعت الدرس مع الأستاذ في القسم وفهمت الجزء الأكبر منه، وكان دور هذه الشروحات تكميليا فقط، لكن الآن كل الشرح المتوفر هو الذي كنت ألجأ إليه بعد أن استوفي الشرح مع الأستاذ داخل القسم‘‘.
نفس المضمون جاء في تعليق لأحد التلاميذ على الصفحة الرسمية للوزارة على موقع فايسبوك ’’نحن لا نستطيع الدراسة في التلفزيون لانه هناك بعض الأسر ليس لديها تلفاز او لديها تلفاز واحد و في العائلة تجد ثلاثة أو أربعة أشخاص يدرسون و ذلك يخص حتى الانترنت فأريد من وزير التربية أن يأخذ قرار جيد و يغير هذا القرار‘‘.
من هذه الزاوية تحدث إلينا الأستاذ عبد الإله أستاذ التعليم الإبتدائي، بالنسبة إليه إضافة إلى مشكل عدم توفر الإمكانيات، يبقى مشكل عدم التفاعل عائقا، ’’حتى لو توفرت هذه الامكانية فالمنصات والقنوات غير كافية لأنها تفتقد لعنصر التفاعل الشيء الذي يوثر على الوصول للهدف‘‘ يقول عبد الإله، ويوضح ’’العملية التعليمية تعتمد بشكل كبير على الوجدان والاحاسيس وهو ما يغيب في التواصل عن بعد إضافة إلى عدم معرفة مدى انصات وتتبع ما يقدمه الاستاذ للتلميذ‘‘ ليخلص إلى استحالة بناء الدرس وفق المناهج والطرائق البيداغوجية التربوية المعمول بها.
نفس الموقف ذهب إليه الأستاذ عادل، أستاذ مادة الفلسفة ’’ الدروس التي تقدم في القنوات العمومية والمنصات الموضوعة من طرف الوزارة غير كافية، على أهميتها في الشرح واكتساب المعلومات، لأن الأمر يقتضي التفاعل بين المدرس والتلاميذ وبين التلاميذ فيما بينهم داخل جماعة الفصل. غياب التفاعل البيداغوجي بين التلاميذ داخل حجرة الفصل يحول دون اكتساب المهارات والمعارف بشكل جيد‘‘.
بالنسبة لخديجة كنون استاذة فلسفة، الدروس التي تقدم في القنوات العمومية ايجابية نوعا ما ’’ الا ان الامر لا يخلو من النواقص، لكونها لا تحترم البيداغوجيا الفارقية للمتعلمين في فهم واكتساب التعلمات‘‘ فيما اعتبرت إيمان، أستاذة علوم الحياة والأرض، أن الدروس المقدمة في القنوات و المنصات صممت باعتماد طريقة الملخصات و ما هي إلا محتويات معرفية محضة تكميلية لا يمكن الاعتماد عليها بشكل أساسي. وقالت ’’تعتمد العملية التعليمية التعلمية بالأساس على التفاعل المعرفي و الحسي الحركي المستمر بين المتعلمين أنفسهم و المتعلمين و المعلم وهذا ما لا يوفره التعليم عن بعد‘‘ وتحدثت إيمان عن إكراهات أخرى مرتبطة بعدم وجود مساحة خاصة بالمتعلم في جو هادئ يتيح له التعلم و غياب جاهزية الأسر لمثل هذا النمط من التعلم.
ابتسام يعيش، أستاذة اللغة العربية، ترى أن هذه العملية ستبقى مجرد خيط رقيق يربط المتعلم باسم المدرسة فقط، بعيدا عن حقيقتها الفعلية وهي الفهم والإدراك والمشاركة، واعتبرت أنها لا تحقق الأهداف المعرفية والبيداغوجية لأن المتعلم ليس مؤهلا بعد لهذا النوع من التعليم، وقالت ’’تقديم الدرس في القسم ليس هو تقديمه افتراضيا، التعليم الافتراضي هو مجرد تلقين! فأين هو إذا التدريس بالكفايات!؟‘‘.
أما الأستاذ طارق ياسيني، أستاذ مادة الإعلاميات، اعتبر، في حديثه لملفات تادلة، أن التعليم عن بعد مؤهل لتحقيق الكفايات المطلوبة وفق البيداغوجية الفارقية، لكن هذا الأمر إضافة إلى إشكالات ترتبط بقرارات الوزارة والأكاديميات الجهوية ’’يواجه معيقات تتمثل في عدم توفر التلاميذ على الأجهزة المطلوبة، وهذا مشكل مجتمع بأكمله، وغياب الإرادة داخل الأسرة بالنسبة لمراقبة التلميذ، إضافة إلى جودة خدمات الاتصالات وصبيب الأنترنيت‘‘
وإلى ذلك يرى ياسيني أن “السلبية الأساسية هي التعامل الحقيقي مع العالم الحقيقي، كيف نتعامل أثناء حضور الآخرين الفعلي في المؤسسة، هناك قيم نستطيع إيصالها للتلميذ، من خلال سلوكاته في المؤسسة، سلوكاته مع زملائه، سلوكاته باقي المجموعة والقيم ومحيط المؤسسة، وكيفية التعامل المباشر الحقيقي مع الآخر، هذه سلبية في التعلم عن بعد، لا يكون هناك اتصال مباشر حقيقي، وهو الشيء الذي لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن ندمجه في منصات التعلم عن بعد”
الإقصاء وعدم تكافؤ الفرص:
نشرت عدد من القنوات على موقع يوتيوب تصريحات لطلبة وتلاميذ من مناطق نائية يتحدثون فيها عن غياب الإمكانيات لمتابعة دروسهم، وطالبوا بالنظر في هذا الأمر قبل اتخاذ قرارات تؤثر على مستقبلهم الدراسي. هذا الشأن بالنسبة لمجموعة تلاميذ من إقليم أزيلال، حيث أجمع كل من ظهروا في الفيديوهات إلى عدم توفرهم على الحواسيب وخدمة الأنترنيت، أسامة تلميذ في المستوى السادس أساسي طالب الوزارة بإيجاد حل وقال في فيديو ’’نطلب من الجهات المسؤولة بضرورة إيجاد حل لتلامذة العالم القري ولضمان تعليم الجميع وعملا بمبدأ تكافؤ الفرص.
https://www.facebook.com/Boycottsmaroc/videos/327505401554041/
تكافؤ الفرص تعبير تردد كثيرا على لسان من استجوبناهم. بالنسبة لهاجر، طالبة بشعبة الاقتصاد والتسيير بجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، فإن الطلبة واجهوا عددا كبيرا من العراقيل ’’شخصيا واجهت صعوبة في توفير الأنترنيت، وهذا ما يمنعني من المواكبة‘‘ وأكدت هاجر بالقول ’’لا يستفيد الجميع نعم هناك من يستفيد من الدروس، لكن عددا كبيرا جدا لا يستفيد‘‘. ‘‘ لتخلص بالقول ’’يعني هناك انتفاء لتكافؤ الفرص‘‘.
أما نورة، طالبة بشعبة الاقتصاد والتسيير بجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، فتجمل المعيقات في الحصول على الأنترنيت وجودة الشبكة، تقول نورة ’’بالنسبة لنا نحن الذين نتابع الدروس عبر تطبيق Theams فالمشكل هو تكلفة الأنترنيت، مثلا 10 دراهم قد تغطي يوما واحدا أو في الأحسن الأحوال يومين إن كنت حريصا على عدم متابعة الدروس المباشرة كلها‘‘ وتضيف ’’إجمالا المشكل بالنسبة لي هو تكلفة الأنترنيت وضعف الشبكة في بعض المناطق‘‘.
دعاء طالبة بنفس الشعبة أشارت إلى أن المشكلة الكبرى هي تكلفة الأنترنيت، ’’ربما من يتوفرون على اشتراك بخط adsl بخدمة “الويفي” يستفيدون من هذه الدروس أما بالنسبة لنا نحن الذين نستخدم البطاقات المسبقة الدفع فالأمر مكلف جدا ولا يمكننا توفيره‘‘ دعاء أشارت بدورها إلى زملائها في المناطق النائية ومشكل الشبكة، حيث قالت ’’أفكر أيضا بالذين يسكنون في “الجبل” فحتى وإن توفرت الخدمة بالمجان لن يكون بإمكانهم الاستفادة منها‘‘.
فتيحة طالبة بالسنة الثانية بشعبة الاقتصاد والتسيير بجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، أكدت بدورها على مشكل كلفة الأنترنيت وأضافت إلى ذلك مشكل جودة الفيديوهات المباشرة، تقول فتيحة ’’أنا من الطلبة المتضررين من الدراسة عن بعد حيث أن الظروف المادية لا تسمح لي بالتعبئة كل يوم لأن الدروس المباشرة تستهلك كميات هائلة من البيانات، ولكن إضافة إلى ذلك فجودة الفيديوهات سيئة تفقدنا التركيز وأحيانا لا نسمع ماذا يقول الأستاذ‘‘.
عدم استفادة الجميع، بل الأغلبية هو ما تحدثت عنه الأستاذة يعيش ’’بالنسبة لتجربتي مع التعليم عن بعد، أدرس خمسة أقسام توصلت لحدود الآن إلى عشرة تلاميذ -تقريبا- في كل قسم، مع العلم أن في كل قسم ما يقارب 40 تلميذا. تنقص العدة الديداكتيكية للمتعلم، فهناك الكثير من المتعلمين خاصة بالعالم القروي لا يتوفرون على الأجهزة الإلكترونية لكي يواصلوا دراستهم الافتراضية‘‘.
أما الأستاذ عادل فيرى أن الأمر هو مظهر من مظاهر الفوارق الطبقية لكن الاستمرار فيه على هذا النحو وعدم إيجاد إجابات ناجعة سيكون تكريسا لها بشكل سيكون له انعكاس على نفسية التلاميذ وأدائهم في المستقبل رغم تجاوز الوضع الذي نعيشه الآن.
وفي سؤال عن مدى ضمان “التعليم عن بعد” مبدأ الحق والمساواة، تساءل الأستاذ السيد الغزواني سيربو الكاتب الجهوي لجمعية مفتشي التعليم الثانوي بجهة بني ملال خنيفرة، وإلى أي حد يضمن التعليم الحضوري ذاته هذه المبادئ ؟؟ وقال المتحدث في حوار مع ملفات تادلة ’’إن التكافؤ والمساواة في الأصل ليست رقمية ولا ورقية فهي مساواة مادية واجتماعية أولا وأخيرا ، وإن كان التعليم عن بعد كما يقول فيليب ميريو يعمق اللاتكافؤ واللامساواة .فلا يمكن ” للبعيد” أن يحقق ما لم يحققه “الحاضر القريب ” إذ كيف بإمكان “التعلم عن بعد “أن يضمن تكافؤا في فرص يعجز الواقع الاجتماعي والاقتصادي عن تحقيقها بل تزداد معه الهوة والشرخ اتساعا‘‘.
الصدمة:
في سياق إعلان حالة الطوارئ الصحية أعلنت عدة جامعات مغربية إطلاق خلايا للاستماع والدعم النفسي والتربوي عن بعد، في مبادرة تهدف إلى تقديم الإرشادات والتوجيهات الضرورية التي تساعد المتعلمين وأولياء الأمور على فهم الوضع وإنتاج آليات التجاوز، وسبل تحقيق المنفعة والتميز سواء الدراسي أو التوافق الداخلي الأسري.
من بين هذه الجامعات جامعة محمد الخامس بالرباط، وجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، وجامعة القاضي عياض بمراكش وجامعة محمد بن عبد الله بفاس، بإشراف من أساتذة ومشاركة طلبة ماستر علم النفس بهذه الجامعات.
’’الأسر تمر بفترة صدمة بعد قرار إعلان حالة الطوارئ وفرض الحجر الصحي، وهذا وضع لم يتعود عليه المغاربة، لذلك من الطبيعي أن يؤثر ذلك على سلوكات وانفعالات التلاميذ وأولياء أمورهم‘‘ تقول إحدى طالبات الماستر التي تعمل في خلية للاستماع التابعة لإحدى الجامعات.
وحسب ملاحظة نفس المصدر تعرف الأسر مجموعة من الانفعالات والسلوكات عنوانها التوتر نتيجة للضغط النفسي، ’’وبسبب أن أولياء الأمور والتلاميذ ليسوا متعودين على وضع كهذا، فالناس لم يتعودوا على الحد من حريتهم ويواجهون صعوبة في التأقلم مع هذا القرار، وهذه الأمور تتفاقم حين يكون أولياء أمور التلاميذ غير ممدرسين أو تعليمهم لا يؤهلهم لمواكبة أبنائهم، كما أن التلاميذ الأصغر سنا يجدون أنفسهم محرومين من اللعب الذي نعلم جيدا دوره الأساسي في بناء نفسية ومعارف الطفل‘‘.
وسجلت خلايا الاستماع حالات اكتئاب وحتى محاولات انتحار بين التلاميذ الذين وجدوا أنفسهم تحت ضغط نفسي إما بسبب عدم تكيفهم مع الحجر الصحي أو عدم قدرتهم على مواكبة التعلم عن بعد، كما رصدت حالات عنف داخل المنزل.
وفي ظل التوتر الذي يخيم على الأسر جراء الصدمة النفسية التي خلفها قرار الحجر الصحي، وعدم وضوح ما يمكن أن ينتجه المستقبل بناء على تطور الحالة الوبائية، تتشبث الوزارة بإتمام السنة الدراسية محكومة بهاجس البرمجة والتخطيط، ولا ينفك وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، يؤكد في كل فرصة إعلامية تتاح له أن الدراسة مستمرة وأنه لا مجال لإعلان سنة بيضاء ردا على شرائح واسعة من التلاميذ التي تطالب بذلك سواء بسبب عدم توفر إمكانيات مواكبة التعلم أو بسبب التأثير النفسي للوضع الذي تمر منه البلاد.