كورونا من الوباء إلى الجائحة! حين تغيب استراتيجية دولية موحدة وتحضر النرجسية!! بقلم عبد الله أطويل

عبد الله أطويل

يبدو أن العالم بأسره فاعلا ومفعولا به يسير اليوم بخطى بعيدة كل البعد عن سبيل الثبات، فلا بوصلة واضحة عادت دليله، ولا متكهن أضحى بإمكانه أن يتكهن لنقطة مستقبلية ولو على مداها القريب قبل المتوسط، كل هذا التيه والتشتت الكوني ليس مرده لتوقف الأرض عن الدوران بخلل في النظام الكوني أو إيعاز ذلك لحرب عالمية ضارية تعلَّق عليها الشماعة، بل السبب في ذلك أصبح جليا غير خفي عن أي بشر من شرق الأرض إلى أقصى غربها بعربها وعجمها.
في بادئ الأمر كانت تأتي اخبار من الصين عن بؤرة لتفشي فيروس تمت تسميته باسم كورونا، وهي صنف تضم عدة فيروسات معروفة لدى السادة البيولوجيون، ثم تمت تسميته بإسم فيه تدقيق أكثر وهو سارس2. سليط لعين دي أبعاد نانومترية، رؤيته تحتاج تكبيره ملايين المراة. ابرز صماته هو قدرته الرهيبة على الإنتشار بسرعة غاية في الأهمية بين بني البشر، مسببا مرض covid19، أو كورونا فيروس ديسايس 9-1.

في بداية الأمر انطلق هذا الفيروس من الصين وكأنه اختار له أرض واحدة من أقوى قوتين اقتصاديتين في العالم كمعترك لبثه التجريبي، ربما يتبنى في ذلك من المقولة العسكرية التي مفادها أن نصف النصر في الحرب أن تعرف عدوك أكثر من معرفتك بنفسك، وبذلك يكون في تجريب قواه أمام أقوى قوى العالم على جميع المستويات والاصعدة قبل أن يشد رحلاته نحو كل البقاع. من سبق وقال بأن الصين لو أرادت أن تجر حوت البحر لقمم جبال الهملايا لفعلت ذلك فانه قد أصاب في ذلك قولا بل هذا كبد الصواب وقلبه، أظهرت لنا الصين ما في جعبتها في مواجهة مثل هذه الأزمات ولعل أبرز مثال حي على ذلك هو تشييدها لمشفى بكل تجهيزاته الحديثة في ظرف أيام معدودات، في وقت أدار العالم ظهره عنها، ثم تبين أن سارس2 لا يعرف الجغرافيا ولايؤمن بسياسة الحدود والتأشيرة، ليس في قواميسه اختصاصٌ في الملل والنِّحل ولا يراعي في ذلك إلاًّ ولا ذمة، حل بأوربا واعلنته منظمة الصحة العالمية وباء Épidémie ، وتم اعتماد هذه التسمية بعد انتشاره في قارتين على الأقل، ثم ما فتئ ان تفشى في أوربا وألم بأمريكا ودخل حدود افريقيا دون استئدان فأقرته المنظمة الدولية للصحة جائحة كونية Pandémie، وتأكد أنها تسمية مكتملة الأركان نظرا لاجتياحه كل القارات، حتى أصبح المهتمون بشأنه يذكرون فقط البلدان التي لم يحل بها بعد عوض عن البلدان الموبوءة به.

تفرملت معه عجلات الإقتصاد العالمي، وتوقفت الملاحة بشكليها الجوي والبحري من بقاع عدة وإلى أصقاع متعددة، تنحَّت أخبار الرياضة جانبا وتوارت عن الانظار أحاديث الثقافة، شُمِّعت المساجد والكنائس وأُخلِيت الكاتدرائيات، توقفت عقارب البورصات وتهاوت أسهم الاقتصادات، صار برميل النفط يحطم ارقاما قياسية في الانحدار.

غابت الاستراتيجيات الموحدة على المستوى الدولي في مواجهة هذه الجائحة، وتبين أن كل دولة تغني على هواها، إيطاليا وإسبانيا استخفتا بالأمر في أوله فتبين أن الفيروس اعتبره أمرا فيه استصغار له، فيبدو انه في هذه الآونة يقوم بتصفية حسابه مع هذين البلدين، فإيطاليا بالرغم من توفرها على واحد من أجود الأنظمة الصحية في العالم رفقة إسبانيا ومع ذلك فعل بهما الوباء ما فعل، فيكفيك رقم 400 حالة وفاة فقط خلال 24 ساعة ولك ان تتخيل معاناة البلد.

إذا ما أمعنا النظر نحواً وإعراباً في الاستراتيجيات المتبعة والمتبناة من كل دولة في مواجهة تفشي هذا الوباء، سيتبين لنا أن هذه الجائحة وإن كانت لا تميز بين بلد وآخر في التفشي، فمواجهتها لحد الساعة أظهرت لنا من الأنانية ما أظهرت والتعامل مع الأمر ظاهره مواجهة جائحة وباطنه همس ودندنات ذات أبعاد سياسية، ولعل قطبي أمريكا والصين وما تأرجح بينهما من الكيل بمكيالين، فكلما حاولت واشنطن التنقيب على حجج لاتهام بكين، يرد أبناء ماو بقرع الحجة بالحجة في تحويل أصابع الاتهام نحو ترامب، وثاني الأمثلة في ذلك هو العقوبات والحصار المفروض على إيران كواحد من أكثر البلدان تضرراً من هذه الجائحة التي كسرت ظهر الفرس شعبا وحكومة، دون أدنى شفقة من كبار العالم على الأقل ما باتت تفرضه المرحلة من إنسانية مطلوبة.

لو أردنا التأكيد على شيء في هذا المقال، لحاولنا التأكيد على غياب استراتيجية دولية موحدة، وهنا نتسائل كما يتساءل العام والخاص عن سلطة أي مؤسسة كونية في ذلك، وأين دور منظمة الأمم المتحدة وما محلها من الإعراب في مواجهة مثل هكذا أوبئة وجوائح، كما يجدر بنا أن نستقصي في ما إن كانت المنظمة العالمية للصحة تتمتع بسلطة، لوضع إستراتيجيات يتم الالتزام بها دوليا وليس إجراءات حكومية مرة مبتكرة وتارة أخرى مستنسخة حسب مقومات وقوى كل بلد. فحيث ما ظل التعامل مع الأوبئة والجوائح بالنرجسية السياسية، والتقلبات المزاجية التي تفرضها الأجندات الديبلوماسية، فإنه شأن من شأنه كبح وإضعاف الطاقات في مواجهة الأزمات، وهي أفاعيل تأجج انتشار الوباء أكثر من محاصرته. وهذه أبرز أسباب تطوره من وباء إلى جائحة.

لو تم مبكرا التعامل مع الوباء في أوله وبإلتزام تام لكل الدول، مع نكران تام لتبعات الإقتصاد والتجارة، واستحضار للمبادئ الانسانية السامية، لكانت عشرات الطرق معبدة وبأقل الجهود وأخف الخسائر لمواجهة الأوبئة وحصرها دون ان تستفحل في ظل الأزمات الديبلوماسية والنظرات والرؤى حسب المصالح، فما كان لكل وباء أن يتحول لجائحة تدخل في لعبة تهشيم العظام مع كبريات الدول، ولنا أن نتخيل دول من العالم الثالث تتلظى بين مطرقة الفقر وسندان الضعف التنموي كيف سيكون حالها؟.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...