– ملفات تادلة –
انشغل العالم خلال الفترة الأخيرة بتفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن انتشاره جائحة عالمية بعد أن تمكن من الوصول إلى كل القارات والنفاذ إلى أكثر من 140 دولة، متجاوزا عدد 155 ألف مصاب إلى حدود منتصف شهر مارس 2020.
ورغم أن تفشي الفيروس في الصين بدأ ينحسر إلا أن ذلك لم يبعث برسائل الارتياح لباقي الدول، بسبب وضع إيطاليا التي تسجل يوميا آلاف المصابين ومئات الوفيات، وضع دفع بعدد من الدول إلى غلق حدودها وأجوائها بشكل جزئي أو كلي، وتعليق الدراسة وإغلاق المدارس ومطالبة مواطنيها بالتقليل من التنقل والابتعاد عن الازدحام.
إن من الطبيعي أن يخلف الإعلان عن اكتشاف 10 حالات جديدة، بينها وزير النقل والتجهيز، دفعة واحدة وفي يوم واحد بالمغرب، إضافة إلى 10 حالات أخرى في اليوم الموالي، (أن يخلف) حالة من الارتباك إن لم نقل الهلع في صفوف المواطنين الذين أصابت بعضهم في عدة مدن ’’هيستيريا‘‘ اقتناء المؤونة وتخزينها، هذا الإعلان الذي سبقه قرار بتعليق الدراسة رفع من مستوى التشكيك في شفافية المعطيات التي تدلي بها وزارة الصحة حول الموضوع، كما أن اللقاء التلفزيوني مع رئيس الحكومة قوبل بالتندر من طرف مستخدمي مواقع التوصل الاجتماعي ما يغني عن القول أن خطاب الحكومة يفتقد فعالية طمأنة المواطنين.
ومنذ بدء تفشي الوباء عالميا، نشط خطاب غيبي يرافقه صعود ملحوظ لمن يسمون أنفسهم بدعاة الطب البديل، والأخطر هو أن تفتح لهم منابر إعلامية تحصل على الدعم العمومي كاميراتها وميكروفوناتها لتمرير خرافاتهم وخلطاتهم، فيما على مواقع التواصل الاجتماعي تنشط تسجيلات صوتية تعج بخلطات ونصائح لا ترتكز على أي أساس علمي، بل من شأن معظمها أن يهدد صحة وحياة المصابين أو ذوي أمراض معينة.
وغني عن القول أن قرار تعليق الدراسة، واغلاق الملاعب أمام الجماهير، والتوجيه بمنع التجمعات خطوات استباقية مهمة لعدم توفير بيئة لانتشار الفيروس القاتل، أو للحد من انتشاره إن كان قد وجد طريقه إلى رئات الضحايا، لكنها ستبقى دون فعالية إن لم تنكب الحكومة على معالجة الازدحام في وسائل النقل والأسواق والحمامات الشعبية والمساجد، بينما يلزم إصدار قرار إلزامي وصارم وواضح بشأن المواسم والزيارات والمهرجانات.
وعلى الدولة أن تنتبه للتجمعات القسرية للمواطنين، والمقصود هنا المركبات الحبسية والسجون والاصلاحيات ودور الأيتام ومآوي العجزة أو المشردين، على المسؤولين الحرص على توفر هذه الأماكن ونزلائها على أعلى درجات النظافة والحماية من الفيروسات، حتى لا نفاجأ ذات صباح بانفجار بؤرة لم نضعها في الحسبان.
ومن الطبيعي أن تتناسل الأسئلة في أذهان المواطنين وبشكل خاص بالنسبة للطلبة وأولياء الأمور بشأن بدائل الحكومة التي ظل خطابها الرسمي يؤكد أن توقيف الدراسة ليس عطلة للتلاميذ والاساتذة، حيث أكد رئيس الحكومة وبلاغات الوزارة الوصية أنها ستلجأ إلى التعليم عن بعد. ويعد هذا البديل جيدا، بل ممتازا في دولة أدمجت ضمن بنياتها تحديث آليات التعلم، لكننا لا نستطيع تخيل الأمر في بنية تعليمية لم تتمكن حتى من تجهيز مختبرات العلوم والفيزياء التي تعد اليوم من الوسائل التقليدية، وبدل التجارب يسمع التلاميذ من المدرس حكايات عن التفاعلات الكيميائية ويشاهدون رسوما عن دروس الكهرباء وتأثير الأجسام.
ليس غريبا أن يكشف قرار تعليق الدراسة مزيدا من هشاشة النموذج التنموي الذي انتقدته أعلى سلطة في البلاد، حين سيطلب من التلاميذ فجأة الاتصال بالأنترنيت للبحث عن مسطحة ترفع عليها الدروس بينما لم يتمكن النظام التعليمي من إدماج الوسائل التقنية في تعليمهم بل ربما كن يكرس في أذهانهم أنها لا تصلح سوى للعب وأنها آخر شيء يمكن الاستفادة منه. أما بالنسبة للأساتذة فلنا أن نتخيل هذا الكم الهائل من الأطر التي لازالت تعاني مع منظومة ’’مسار‘‘، وهي تحاول أن توصل للتلاميذ الشرح اللازم للدروس عبر وسائط لم تستوعبها العملية التعليمية.
منذ سنوات يحاول متطوعون تقديم المساعدة للتلاميذ على الأنترنيت، عبر مواقع الكترونية وقنوات على موقع يوتيوب، تعرف انتشارا بين التلاميذ خصوصا في المستويات الإشهادية، تم انشاؤها غالبا من طرف أساتذة عاملين أو متطوعين مهتمين، ولعل من الجيد أن تنكب الوزارة على تمحيص هذا المحتوى وتنقيحه، والنظر في إمكانية تطوير هذه التجارب الذاتية.
لقد انشغلت الحكومة خلال الفترة الأخيرة بالتأكيد على عدم الترويج للأخبار الزائفة، بينما لم تنتبه لخطاب لا يقل خطورة، حيث يجد المواطنون أنفسهم نهبا للدجالين من مدعي ’’الطب‘‘ والذين يروجون وصفاتهم وخلطاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى عبر منابر إعلامية تحظى بالدعم العمومي، إن التصدي لهؤلاء الدجالين وحماية الناس من خطر ’’بضاعتهم‘‘ مسؤولية الدولة، مسؤوليتها في الأمن الصحي وتفادي كوارث تنضاف إلى الجائحة.
ومن شأن تفشي الفيروس عالميا أن يفتح عيون القائمين بالأمر على مدى هشاشة النظام الصحي ببلادنا، من شأنه أن يؤكد لهم بما لا يدع مجالا للتردد أن الصحة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون سلعة ولا أن تخضع لمنطق السوق، من شأنه أن يجعل مجانية الخدمات العمومية وعلى رأسها الصحة، وسهولة الولوج إاليها، الأساس الصلب للمشروع التنموي الجديد الذي يتنادى الجميع لتركيب أجزائه.
لقد ظلت الدولة المغربية تتبجح طيلة 20 سنة بنموذجها التنموي، وبينما كانت البلاد تغرق في الديون، مما أثر على الخدمات العمومية أولا، ثم على طبقات اجتماعية بشكل مباشر، لم توفر السلطة جهدها في إسكات كل الأصوات التي حاولت أن تضع أصابعها على الجرح. وإن كان من دروس نتعلمها من هذه الجائحة التي تحيق بالعالم، فهي أن نظاما تعليميا قويا ونظاما صحيا فعالا هما الأساس الذي يحصن الدول ويضمن سلامتها في حالات الطوارئ.
قبل ثلاث سنوات، وبالضبط مساء الأحد 5 مارس 2017، احتشد آلاف المواطنين بساحة الشهداء بالحسيمة، آلاف القلوب كانت تنبض وهي تتابع ناصر الزفزافي يتلو عليها الملف المطلبي للمنطقة، وبجانبه نبيل احمجيق وآخرين، آلاف من أهلنا وإخوتنا بالريف رفعوا أيديهم تلك الليلة للتصويت بالموافقة على نقاط الملف المطلبي، ولم يكن في جوهره سوى مستشفى وجامعة، طالبوا بالتعليم وبالصحة، بما يقيهم إن عم وباء، ثم ها هم بعد 3 سنوات قلوبهم معلقة بناصر الزفزافي ونبيل أحمجيق ورفاقهما مضربين عن الطعام داخل المعتقل، يصارعون من أجل البقاء ويتشبثون بنفس المطالب.. حتى لا تعم الجائحة.