جوانب من السيرة الذاتية للأستاذ محمد الحجام تكريما لشخصه واعترافا بجهوده وتقديرا لها
-مصطفى عربوش-
لَبَّى الأستاذ محمد الحجام داعي ربه صباح يوم الثلاثاء 24 فبراير 2020 ودفن بمقبرة أولاد ضريض ( أولاد دُرَيْد ) بعد ظهر الغد الأربعاء . وبهذه المناسبة الأليمة نعيد نشر الحلقة الأولى من أعلام منطقة تادلا / أزيلال التي افتتح بها الدكتور عربوش سلسلته حول أعلام المنطقة.
الميلاد والنسب:
ولد محمد نجيب الحجام ببني ملال في 16 دجنبر عام 1956 م بعد شهر واحد من إعلان استقلال المغرب. من والده المرحوم المعروف في محيط بني ملال بَالَمْعَلَّمْ الكبير، ووالدته: السيدة شريفة بنت عمر. وسط إخوته الثمانية ( خمسة ذكور وثلاث بنات) .
وقد سماه والده بمحمد نجيب تَيَمُّناً بالجنرال المصري، أول رئيس لجمهورية مصر بعد الإطاحة بالملك فاروق. وبقي الطفل يَعرِفُ نفسه كما يعرفه أصدقائه باسم نجيب. إلى حين اجتياز الشهادة الابتدائية، حيث احتاج إلى كناش الحالة المدنية، فاكتشف أن اسمه مركب من اسمين هما محمد نجيب.
صورة محمد الحجام الطفل
والده المعلم الكبير
كان والده واعيا بالظروف السياسية والوطنية التي كانت تعيشها البلاد. فدفعه وعيه السياسي وحِسُّه الوطني إلى أن ينخرط في السياسة. فوجد آنذاك أن حزب الشورى والاستقلال هو الأقرب إلى نفسه وميولاته. فكان بفضل وعيه مسؤولا عن تسيير هذا الحزب ببني ملال فامتُحِن بالاعتقال والنفي إلى جبال أَنَرْكِي ( إقليم أزيلال حاليا) من العام 1952 حتى العام 1954 م. وأثناء هذا الاعتقال سقط المعلم الكبير من فوق ربوة فأصيب بزمانة مرض لزمه حتى وفاته في العام 1975 م
المسار الدراسي :
دخل الطفل نجيب إلى المدرسة الابتدائية في العام 1962 م . بحي باب فتوح ( مدرسة باب فتوح ) وبعد حصوله على الشهادة الابتدائية العام 1966 م، التحق التلميذ محمد نجيب بثانوية الحسن الثاني ببني ملال في أكتوبر من العام 1966 م، غير أنه في العام الموالي 1967 م تزعم إضرابا للتلاميذ فطُرد من الثانوية. وبقي محمد نجيب خارج الدراسة النظامية الرسمية حتى الموسم 75/ 76 حيث وجد فرصة سانحة لتلبية طموحه العلمي بالعودة إلى الدراسة في مؤسسة للتعليم الحر. غير أنه لم يُوفق في الحصول على البكالوريا في هذا الموسم . مما جعله يغتنم فرصة التوجه إلى العراق في الموسم الموالي 76/77 .
وفي بداية الموسم الدراسي 1976 / 77 كان على رأس البعثة الطلابية المغربية إلى العراق، حيث أدلى عند وصوله للتلفزة العراقية بتصريح بصفته رئيسا للوفد الطلابي.
وفي نهاية الموسم 76ـ1977 م حصل على شهادة البكالوريا بالعراق شعبة الآداب العصرية .. وكان هذا الموسم حافلا بالأنشطة الحزبية والسياسية التي كانت في غالبها تتعارض وتوجهات حزب البعث العراقي. كما أن شَغَبَه السياسي، وشغفه بالسياسة واستقلاليته الفكرية عن حزب البعث بالعراق، جعله بالنسبة إليهم شخصا غير مرغوب به في العراق، مما أرغمه على العودة إلى المغرب.
وفي نفس الموسم الذي قضَّاه الطالب الحجام بالعراق اغتنم الفرصة فَزَارَ كُلًّا من إيران وباكستان والهند. وكان رفيقا له في هذه الجولات السيد عبد اللطيف الجواهري، شقيق الشاعر عبد الرفيع.
محمد الحجام أمام فرع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ببغداد سنة 1977
عاد الطالب محمد الحجام إلى المغرب في الموسم التالي 77 ـ 1978 م فتسجل بكلية الآداب ” ظهر المهراز” بفاس شعبة الفلسفة. وهنا اشتدت خِصاله القيادية ، وبرز مناضلا شَرِساً . ومُمانِعاً قوِياً. ومُناظِراً مُفْحِماً. فأهَّلَه ذلك لأن يصبح رئيسا للمكتب الجهوي للاتحاد الوطني لطلبة المغرب. ومسؤولا عن تسيير كل تعاضيات ومجالس القاطنين بكليات ومعاهد التعليم العالي بجهة فاس. كما أهَّلتْه وضعيتُه النضالية إلى اقتراحه لرئاسة المؤتمر الوطني السابع عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
وفي هذه الظروف القيادية تعرض للاختطاف والتعذيب ثلاث مرات في بني ملال والناظور ووجدة.
وفي العام 1984 م عاش الطالب محمد الحجام تجربة مريرة أخرى ـ كانت نتيجة حتمية لنضاله الذي لا يتوقف ـ وهي اعتقاله بفاس والحكم عليه بسنة ونصف سِجنا ــ وفي السجن عاش المناضل الحجام حياة أخرى عَرف فيها الحياة على حقيقتها، وألوانا من قصص المعاناة البائسة لكثير من البائسين. كما استغل الوقت الطويل للانكباب على المطالعة وقراءة الكثير من كتب الأدب والفلسفة والتاريخ. ومن السِّجن اجتاز الامتحانات النهائية رفقة جماعة من زملائه. ولم تقف محنة السجن معه عند هذا الحد، بل تمت محاكمته غيابيا بمحكمة تطوان التي قضت بسجنه مدة ثلاثين عاما. غير أن الألطاف الإلاهية والعناية الربانية شملته بالعفو الملكي في العام 1986 م .
محمد الحجام رفقة نبير الاموي سنة 1990
المسار الاجتماعي :
فتح الطفل نجيب عينيه في زنقة ” امْغَالَة ” على حركة دائبة للتِّجارة. وسكان المدينة الصغيرة الذين كانوا يَحُجون يوميا إلى زنقة الْهَرْيَا لاقتناء ما يلزمهم في حياتهم اليومية باعتبار هذه الزنقة هي القلب النابض في المدينة كلها ، وإليها يحج جميع سكان المدينة لاقتناء النفيس والرخيص .
في هذه الزنقة ابْتُلي الطفل محمد نجيب بممارسة التجارة لتلبية حاجياته، في غياب الوالد المتوفى. ثم انتقل إلى ممارسة التجارة في الأسواق الأسبوعية. ثم غادر بني ملال إلى الدار البيضاء ليشتغل بالمَرْسَى . ثم بائعا للحلوى أما المدارس مما أكسبه بعض الخبرة والتجربة التجارية، فعاد إلى زنقة الهريا ببني ملال، واشترى محلا لبيع السلع الصغيرة المختلفة.
ولما فتحت مؤسسة أبي بكر الصديق أبوابها كمؤسسة حرة للتعليم، التحق بها محمد نجيب لاستكمال دراسته الثانوية، قبل توجهه إلى دولة العراق … وبعد عودته من العراق. والتحاقه بكلية ظهر المهراز بفاس. وامتحانه بالسجن بها. وخروجه منه .. عاد المناضل محمد الحجام إلى بني ملال. غير أنه وجد رئيس الاستعلامات في انتظاره، فاعتقله لِلَيْلة واحدة بتهمة الماضي النضالي. ومن أجل المساومة على التخابر، الشيء الذي رفضه محمد الحجام رفضا باتا. وبعد إخلاء سبيله عاد إلى الناظور ليؤسس محلا لبيع المأكولات والمشروبات بشاطئ قرية أَرُكْمَانْ .. وعند انصرام الصيف شرع في اشتراء الأحذية الرياضية من الناظور وبيعها ببني ملال. وبعد مدة تم توقيفه من طرف درك تاوريرت بتهمة حيازة سلعة بدون فاتورة. ونقل من تاوريرت إلى مكناس ومنها أُحِيل على خنيفرة، حيث مكث بمخفر الشرطة ثلاثة أسابيع إلى حين أداء الكفالة من طرف أهله. فخرج إلى المجتمع مُفلِساً تارةً أخرى.
بعد ذلك ترك الطالب محمد الحجام الاشتغال بالتجارة، وتحول إلى الانخراط بالعمل السياسي والحزبي، ثم الصحافي بعد تأسيس جريدة ملفات تادلة في العام 1991.
زواجــــــه :
تزوج الأستاذ محمد الحجام بالسيدة الفاضلة نعيمة خلفاوي. بتاريخ 18 شتنبر 2006 وبتاريخ 4 يناير2012 استقبل البيت بِغامِر الفرح والسرور المولودة الجديدة سَارَة محمد الحجام .
جريدة ملفات تادلة
التأسيس: تأسست جريدة ملفات تادلة سنة 1991 بملف رقم 3431 وترقيم دولي تحت عدد: 1113013. فكان صدور العدد الأول منها في 16 نونبر من العام 1991. وما فتئت الجريدة أن تحولت في العام 2001 إلى شركة مقاولة تصدر عن مؤسسة ملفات تادلة للتواصل والإشهار.
ظروف التأسيس: فقد كانت بني ملال تعيش إرهاصات ثقافية، ومخاضات علمية، وحركة تثقيفية دراسية جعلت الكثيرين من أبناء المدينة يحاولون استدراك ما ضاع بانكبابهم على الدراسة والتحصيل ـ رغم توظيفهم ـ لرفع مستواهم والحصول على شهادات عُليا. يُضاف إلى ذلك افتتاح كلية للآداب بالمدينة وظهور جماعات من الطلبة الجامعيين مما جعل الحاجة إلى جريدة محلية أو جهوية تعبر عن آمال وطموحات أبناء الجهة أمراً ملحاً وضروريا، فانْبَرى الأستاذ محمد الحجام إلى محاولة تحقيق هذا الطموح بجمع ثُلَّة ٍمن مناضلي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والنقابة الوطنية للتعليم، وبعض مناضلي حزب الاستقلال، والتقدم والاشتراكية، ومنظمة العمل الديموقراطي. إضافة إلى فاعلين جمعيين، ومقاومين، ومقاولين. وأساتذة، وجامعيين .. إلى تنظيم لقاء في سطح بيته الكائن بزنقة امغالة ( زنقة الهريا ) مساء الجمعة 8 نونبر 1991 م. وكان من بين الحاضرين محمد الحجام والأستاذ محمد البرهومي والمصطفى عربوش وعبد القادر لوطفي ومحمد صالحي ومحمد أبحار ومحمد حميمش. والأستاذة ثريا التناني وزوجها لمرابط. وعبد الكريم الجويطي والحاج رضوان من التجار وكذا مصطفى شكيب. ومحمد بلحساك والدكتورعبد الإلاه بلقزيز. ومحمد فاضيل. ومحمد زكريا. وزعيم المقاومة المغربية سعيد بونعيلات. وآخرون ..
مواضيع واهتمامات ملفات تادلة
سميت الجريدة بملفات تادلة لأن الأستاذ الحجام وجماعة المؤسسين كانوا يهدفون إلى نشر ملفات موسعة عن جهة تادلا / أزيلال في الميدان الفلاحي والزراعي والثقافي والاجتماعي إلى غيرها من مجالات الحياة والمعرفة. وكذلك كانت البداية. ثم انفتحت الجريدة على الحياة الاجتماعية بكل أشكالها وعلى الحياة السياسية والنقابية ثم الأدبية بكل ألوانها. ثم انفتحت على جميع الأعمار . ثم على جميع الفئات وجميع المستويات العلمية .
وكان من مواد العدد الأول :
الصفحة الأولى: * افتتاحية كتبها د. محمد البرهومي ( رئيس التحرير آنذاك ) وهي هوسنا في ملفات تادلة .
* مقومات وهياكل الصناعة السكرية بسهل تادلة من إعداد محمد بلحساك .
الصفحة الثانية :* ليلة عرس ميلاد الجريدة مساء الجمعة 8 نونبر 1991 تقرير عن مؤتمر تأسيس الجريدة . لكاتب لم يذكر اسمه .
* قطعة شعرية نثرية لمشروحي الذهبي .
* دعوة للاشتراك بالجريدة. ونموذج للبطاقة الشرفية.
الصفحة الثالثة:* توازن جديد ـ مقالة للدكتور عبد الإلاه بلقزيز .
الصفحة الرابعة والخامسة: ( موضوع العدد)* المواطن : وقائع موت معلن ـ عمر الزيدي .
الصفحة السادسة: * منوعات قصيرة ( تعزية وتهنئة وإعلانات )
الصفحة السابعة: * تتمات ، وإعلانان عن صدور كتابين .
الصفحة الثامنة والتاسعة والعاشرة * مقومات وهياكل الصناعة السكرية بسهل تادلة ( تتمة ) للأستاذ محمد بلحساك .
الصفحة الحادية عشرة: * سلسلة منطقة إقليم تادلا وهذه الجريدة . للأستاذ المصطفى عربوش .
الصفحة الثانية عشرة والثالثة عشرة: * رواية ليل الشمس لعبد الكريم الجويطي ” الكينونة عبر الأرض ، العشق والكلام “. دراسة وتحليل الأستاذ حسان بورقية .
الصفحة الرابعة عشرة:* حوار مع أحمد نجاح مدرب رجاء بني ملال . إنجاز عبد الكريم الجويطي .
الصفحة الخامسة عشرة:* رياضة ومتابعات ثقافية
الصفحة السادسة عشرة: ( الأخيرة )* لماذا ملفات تادلة ؟ للأستاذ محمد الحجام .
محمد الحجام بمعية الثائر القائد التهامي البشير سنة 2010
إصدار مجوعة من المؤلفات :
ثم خطت مؤسسة الجريدة خطوة أخرى بإقدامها على نشر الكتب باسم مؤسسة ملفات تادلة . وهكذا تم إصدار مجموعة من الكتب.
ـــ figures de la marginalite العدد الأول :
par hassan ismaili 2edition 2010
ـــcite metaphore par kacem loubay edition 2010 العدد الثاني : _cavites souterraines de la medina de beni mellal par abdassamad najine_العدد الثالث :
mustapha filahi_ mohammed jaffal _ lahcen bahi …édition 2010
العدد الرابع : الإنسان الصفر ( مجموعة قصصية ) للدكتور المصكفى بن خليفى عربوش . طبعة 2011
__reflets extérueurs de l’intériorité par hassan Ismaili 2 édition 2012 العدد الخامس:
العدد السادس : ومضات من تاريخ جهة تادلا / ازيلال . ( خمسون وثيقة عن تادلا / أزيلال ) للدكتور المصطفى عربوش . طبعة 2012
__ Le maroc Independant( 1956_1960) par : abdelkader ABBADI é2dition : 2012 العدد السابع :
__Guide pratique du notariat au maroc . par oukili nadia . édition 2012 العدد الثامن :
__cosmologue par CHAKROUN bouzakri 2dition 2012 العدد التاسع :
العدد العاشر : ديوان خواطر امرأة . محجوبة الدمناتي . طبعة 2013
العدد الحادي عشر : التشوف في رجال سادات التصوف . لأبي زيد عبد الرحمان الصومعي . تحقيق د . المصطفى بن خليفة عربوش .
علاقاته الواسعة :
تنوعت علاقات الأستاذ محمد الحجام بين الطالب والأستاذ والمثقف والمناضل والسياسي والوزير والفنان والمقاوم إلى جميع الفئات العمرية ، والفئات الاجتماعية .
وهكذا نجده قد ربط علاقات مع زملائه الطلبة بالعراق سواء ممن شاركه البعثة إلى العراق أم من أبناء العراق أنفسهم.
كما ربط علاقات قوية مع زملائه الطلبة بكلية ظهر المهراز بفاس. أصبح اليوم الكثير منهم يحتل مراتب عليا في مكاتب الدولة.
كما ربط علاقات متينة مع رموز وطنية كبيرة من بينهم: عبد الرحمان اليوسفي. المقاوم سعيد بونعيلات الركيبي، والد رئيس جبهة البوليساريو …
محمد الحجام رفقة الحبيب الفرقاني سنة 1990
أما علاقاته من خلال ” ملفات تادلة ” فهي علاقات واسعة وعريضة تنوعت بين جمعيات حقوقية ، وجمعيات اجتماعية ومجتمعية ، ومناضلين ، ودكاترة باحثين وطلبة جامعيين . وأساتذة محامين وقضاة . وتلاميذ ومؤسسات تعليمية وغير تعليمية. ومظلومين ، ومهمشين . وأموات بتخصيص صفحة خاصة ودائمة لنعي أموات أبناء المنطقة، وذكر تواريخ وفاتهم ومن حضر لتأبينهم. إلى غير ذلك من أصناف المجتمع المغربي بكل مكوناته ..
عسى أن نكون قد رسمنا صورة قريبة من واقع الحياة التي عاشها الأستاذ محمد الحجام . وجزءٍ يسير من نضالاته . ومعاناته الطويلة مع القهر والحرمان والتهميش ..