موحى فنان مغربي يقارع النسيان على أرض الغربة

 

 

 

بورتريه من إعداد: محمد لغريب

 

“هو فنان عصامي يسعى دائما أن يكون صوتا لمن لا صوت لهم من ضحايا الظلم في هذا العالم، استطاع أن يقول بفنه ما لم يستطع الآخرون قوله”. هو “إنسان ملتزم بالعدالة ومدافع عن حرية الإنسان، وبالتحديد المهاجرين واللاجئين من مختلف بقاع المعمور”.

 

 

 

بهذه العبارات وسمت الفنانة العاملة بالصليب الأحمر الإسباني Silvia Garcia Moraga الفنان المغربي محمد اليونسي أو “موحى” كما يناديه معارفه.

 

 

 

قضى “موحى” قرابة ثلاثة عقود بالديار الإسبانية باحثا ومهتما بالفن بكل أصنافه: مسرح، موسيقى، سينما… وسفيرا للمغرب وللمهاجرين ممن اختاروا الإقامة قسرا أو طواعية خارج الحدود، لكنه يبقى سفيرا بدون أوراق اعتماد.

 


 

 

 

هناك بإسبانيا يحضر اسم اليونسي بقوة في المشهد الثقافي والفني والإعلامي، بينما يطويه النسيان كليا هنا بمسقط رأسه المغرب، ولا أحد يتحدث عن أعماله وآثاره الفنية التي تجاوزت كل الآفاق.

 

 

 

راكم محمد اليونسي تجربة فنية محترمة بهذا البلد الإبيري. هي تجربة، أغناها بالتزامه الفني والثقافي وانفتاحه على جنسيات مختلفة من المهاجرين واللاجئين ممن قذفتهم قضايا بلدانهم المتعددة والشائكة نحو جنوب أوربا. لكنها تجربة كبيرة تظل مفعمة بالتناقضات والمفاجآت، جلبت له الكثير من الشهرة كما جلبت له الكثير من المتاعب أيضا.

 

 

 

“إن الفن بكل أصنافه هو صراع حقيقي من أجل تغيير العالم الذي يسود فيه الظلم، هو مركب للعبور نحو الإنسانية، نحو الحب، نحو السلام، نحو عالم يحترم الناس -مهما كانت جنسيتهم أو لونهم أو دينهم- بَعضَهم البعض دون تمييز أو احتقار أو دونية، لأن الإنسانية توحد الجميع.” هكذا إذاً يلخص محمد اليونسي جدوائية الفن.

 


 

 

 

هو فنان يراقص الريشة بعفوية وبحس رهيف، ويكسر بالألوان القوية رتابة الغربة الموحشة على أرض الجارة إسبانيا، هناك مزج الألوان، وصال وجال على ركح المسرح، وصارع من أجل تحقيق حلم طالما راوده منذ أن وطأت قدماه أرض الأندلس، إنه حلم الدفاع عن فكرة التعايش والحب والسلام. كيف لا؟ وهو الذي عاش وعايش مختلف مظاهر العنصرية عن قرب، ووقف على معاناة المهاجرين السريين الوافدين من القارة السمراء ومن دول آسيا وأمريكيا اللاتينية، فكان الفن بالنسبة له وسيلة ناجعة لتحقيق التقارب بين مختلف الجنسيات.

 

 

 

هناك ببلد “بابلو بيكاسو” و”سلفادور دالي” و”فرانسيسكو باتشيكو”، تخلص “موحى” من كل القيود التي كانت سببا في مغادرته لبني وجين (سوق السبت) في بداية التسعينات من القرن الماضي، حيث كان يشتغل خطاطا بمصلحة جوازات السفر بعمالة بني ملال. هناك، اخترقت أعماله حدود اسبانيا لتصل إلى بريطانيا وألمانيا وفرنسا، حيث فتحت شهية النقاد لدراسة موحى “الظاهرة”. وهو يستعد الآن لتنظيم معرض لأعماله الفنية بالعاصمة باريس في شتنبر المقبل.

 

 

 

برصيده الفني المهم، يحاول موحى اختيار أنسب الطرق للوصول إلى الجمهور، مستغلا دفءه الإنساني وعلاقاته بمجموعة من الفنانين والمثقفين الإسبان، حيث انخرط في العديد من المشاريع الثقافية والفنية والسياسية مع شخصيات معروفة بالحقل الفني والإعلامي الإسباني، وكالعادة من موقع المساهم المتواضع المتشبع بثقافة الحوار والتسامح.

 


 

 

 

هناك، بغرناطة ومدريد وسان سيباستيان ومورسيا وبرشلونة… شغلت قضايا المهاجرين بال “موحى” وأصر على النضال من أجل مطلب إدماج المهاجرين وتسوية أوضاعهم، نضال كلفه تجريده من أوراق إقامته مدة قاربت ثمان سنوات، عانى فيها كافة أنواع التضييق والتهميش، وهي سنوات أضافت له الشيء الكثير، يقول لنا موحى بنوع من الأسف لكنها “مرحلة لابد منها لمواصلة المشوار”.

 

 

 

تحمل أعمال موحى في مضامينها أفكارا متجددة، طموحة، متطلعة نحو أفق مشرق، وهو ما شكل دافعا أساسيا له من أجل سبر أغوار الفن بعفوية، لكنها عفوية دالة ومؤثرة تعكس روح فنان أصيل شرف بلاده ودافع عنها في مختلف المحافل الدولية.

 

 

 

سأله Manuel Herrero Carcelén الصحافي  بجريدة La verdad  ذات مرة “لماذا ترسم يا موحى؟” أجابه بعفويته المعهودة “إني أعبر عن قناعاتي، لقد كان الخط بالنسبة لي منذ الصغر حافزا كي أبحر إلى شواطئ الفن الأخرى، وتحديدا الرسم والمسرح والسينما. وأضاف “إن لوحاتي حبلى بالهدوء والحركة والغضب والضعف والقوة، تجد فيها كل هذه المتناقضات التي تعكس الواقع بكل تجلياته، إنه واقعنا المشترك “.

 

 

 

يظل التعايش والسلام والعدالة الاجتماعية من القضايا الأساسية التي هيمنت على أعمال محمد اليونسي الفنية طيلة إقامته بإسبانيا. يقول “إن الناس سواسية في كل شيء لكن الفرق بينهم صنعه السياسيون والحكام المتحكمون في كل دواليب الحياة، هم الذين جعلوا الحدود في أذهان الناس وغذوا الاختلافات البسيطة بينهم”.

 


 

 

 

تظل البساطة والتجريد هي السمة الأساسية التي تطبع أعماله، لكنها بساطة ذات حمولة رمزية قوية تكشف عما يختلج موحى من أفكار وانطباعات عن واقع يختلف عن واقع بلده الأصلي حضاريا وثقافيا. لكنه وضع للفن مهمة واحدة تتجسد في الربط بين الشعوب من أجل إيقاظ الصرخة الإنسانية لصالح المحرومين. 

 

 

 

 حين تجالس ” موحى” يأخذك إلى عالم كله أحلام ومشاريع وعلاقات إنسانية تمتد إلى أبسط التفاصيل في الحياة. “كل شيء له قيمة وله رمزية مطلقة رغم اختلاف السياقات.” هكذا وصف صديقُه محمد شخصية موحى المرحة والهادئة والقوية في نفس الآن.

 

 

 

محمد اليونسي راكم رصيدا فنيا محترما بإسبانيا يكاد لا يُذكَر ببلده الأم، في الرسم والغرافيك والمسرح والسينما والإشهار والتأليف وغيرها من الميادين الفنية والثقافية التي برز اسمه فيها إما منتجا أو مساهما أو مشاركا أو مديرا.

 

 

 

وتبقى تجربته التليفزيونية والسينمائية غنية جدا، حيث شارك في العشرات من الإنتاجات السينمائية الذائعة الصيت، أهمها فيلم حول قضية ” الكتب الرصاصية” بعنوان El enigma de los libros plúmbeos للمخرج Oscar berdullas وفي السلسلة المتلفزة الشهيرة Cuéntame cómo pasó de Televisión Española ، التي بثت منذ عام 2001، كما شارك في الفيلم القصير Pirilampos  سنة 2010 للمخرج   Alex Amara. وفي الفيلم القصير Attahaddi  للمخرج Óscar  Berdullas  سنة 2009، وفي سنة 1999 شارك في الفيلم الوثائقي El otro lado للمخرج المصري بازل رمسيس، وغيرها من الأعمال التلفزية والسينمائية.

 

 

 

وفي المسرح ترك موحى بصمات بارزة في العديد من الأعمال المسرحية الناجحة، حيث عمل سنة 1997 مصمما لأعمال El umbral del Arrabal، لمسرح شركة نجمة، بطليطلة. كما عمل سنة 2005 موجها ومصمما لمجموعة من أعمال El inmigrante ، بمهرجان بديل ، Sala Triangulo. وسنة 2008  عمل مستشارا للممثلين في العمل “الجزائري”  لمسرح Teatro Animalario y el Teatro La Abadía وهو العمل الذي فاز بأربع جوائز سنة 2009، كما عمل سنة 2015 مساعدا للعمل المسرحي المتميز La estación del destino للمخرج F.J.Motos.

 

 

 

وفي مجال الرسم  والديكور برز اسم موحى في الكثير من المعارض الفنية، أهمها مشاركته في معرض الربيع العربي للرسم ب Kunststation Kleinsassen بألمانيا ومشاركته في معرض Plúmbeos في قصر Madraza بالتعاون مع جامعة غرناطة، ونال جائزة التصوير بمناسبة يوم البيئة ب Tolosaldea, San Sebastián. سنة 2002 كما شارك في الحملة من أجل التشجيع على القراءة التي أطلقتها وزارة الثقافة الإسبانية سنة 2005 من خلال ملصق دعائي، بالإضافة إلى تأليف كلمات أغنية “بنتي جميلة” الصادرة بألبوم  Ni la plata ni el oro ل Lole Montoya.

 

 

 




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...