صحافة المواطن: بديل إعلامي أم ظاهرة إعلامية جديدة؟ (بحث) 4/4

محمد لغريب

-ملفات تادلة24

بعد  أن نشرنا في وقت سابق الأجزاء الثلاثة  من الدراسة التي أعدها الزميل محمد لغريب، عضو هيئة تحرير جريدتنا الإليكترونية ملفات تادلة 24، حول صحافة المواطن، وذلك في إطار بحث تخرجه من سلك الإجازة المهنية في الصحافة المكتوبة، ننشر في هذه الحلقة الجزء الرابع والأخير من هذه الدراسة.

الفصل الرابع

صحافة المواطن بالعالم العربي، المغرب نموذجا

سنحاول في هذا الفصل إعطاء لمحة عن صحافة المواطن في العالم العربي،أيضا في المغرب، على اعتبار أن صحافة المواطن بالمغرب تحظى باحترام كبير بالداخل والخارج، نظرا لإثارتها قضايا سياسية واجتماعية، شكلت بحق إحراجا للسلطات العمومية في أكثر من مناسبة ، وكان لها الفضل في تعرية الكثير من القضايا وإخراجها للرأي العام، وهي قضايا لم تتجرأ بعض وسائل الإعلام الأخرى على عرضها على الجمهور لحساسيتها أو لملامستها الخطوط الحمراء، سنتطرق لبعضها فيما سيأتي.

أولا: لمحة عن صحافة المواطن بالعالم العربي

يسود اعتقاد وسط الإعلاميين،أن صحافة المواطن انطلقت مع ما سمي ب “ثورات الربيع العربي” سنة 2011،وهو اعتقاد يخالف الحقيقة، لأن صحافة المواطن بدأت مع انتشار المدونات – كشكل من أشكال صحافة المواطن-  في العديد  من البلدان، وعلى رأسها مصر والعراق والبحرين ولبنان والمغرب،مع تمكن فئات كثيرة من الولوج لخدمات الإنترنيت خاصة من فئة الشباب، الذين شكلوا طليعة الحركات الاحتجاجية، الداعية إلى قيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية     .

   لقد شكلت مجموعة من الأحداث التي عرفتها المنطقة العربية، قبل ما يسمى بالربيع العربي، فرصة للصحافيين المواطنين للانخراط في هذه الأحداث ونقلها للجمهور، الذي تفاعل معها بشكل كبير، كما حصل سنة 2005 بلبنان، خلال ثورة الأرز التي أجبرت الجيش السوري على الخروج من لبنان، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أوفي سنة 2006 خلال حرب يوليوز التي خاضها حزب الله ضد الإسرائيليين، إذ لعب المواطنون الصحفيون أدوارا طلائعية في إخبار الجمهور بما يقع على الجبهات.

وفي مصر أيضا، لعب المدونون المصريون أدوارا مهمة في انطلاق حركة “كفاية”[1]سنة 2004، والدعاية لمشروعها الرامي إلى التغيير والحرية والديمقراطية على عهد الرئيس محمد حسني مبارك.

لكن مع انطلاق ثورات الربيع العربي، ستعرف صحافة المواطن تحولا نوعيا وكميا، من خلال مواكبة المدونين العرب للأحداث التي كانت تجري في أكثر من ساحة بالبلدان العربية، وساهموا بشكل كبير في توجيه سير الأحداث ونقلها بالصوت والصورة والتقارير للجمهور، الذي فقد كامل الثقة في الإعلام الرسمي، مستغلين الإمكانات الكبيرة التي إتاحتها لهم مواقع التواصل الاجتماعي.

ثانيا: صحافة المواطن بالمغرب

أما في المغرب، فقد عرفت حركة المدونين نشاطا ملحوظا مع ولوج قطاع مهم من الشباب لخدمات الانترنيت، سيرا على نهج باقي المدونين العرب والأوربيين، مستفيدين من هامش الحرية الذي سمحت به الدولة بعد إطلاق مسلسل الإنصاف والمصالحة، ومحاولة ترتيب أوراقها بعد رحيل الملك الحسن الثاني، ومن انتشار الجيل الثالث من تكنولوجيا الإنترنيت ” 3G”، التي تمكن بفضلها العديد من المغاربة من الولوج لهذه الخدمات.

لكن موجة الاحتجاجات الاجتماعية التي عرفها المغرب خلال سنتي 2006  و 2007، و ما تلاها من حملات القمع والاعتقالات، جعلت المواطنين الصحافيين في قلب هذه الأحداث، من خلال نقل وقائعها بشكل مباشر للجمهور، وكان لهم فضل كبير في فضح العنف الكبير الذي واجهت به القوات العمومية المتظاهرين في أحداث سيدي افني في يونيو سنة 2008، وأيضا خلال أحداث مدينة صفرو في شتنبر من نفس السنة، مما جعل البعض يشكك في كل الخطابات التي كانت تسوق لدخول المغرب عهدا جديدا.

ولعب المواطن الصحافي في المغرب دورا بارزا، في كشف بعض مظاهر الفساد المستشري في العديد من القطاعات، ويمكن أن نقدم في هذا الصدد مثال “قناص تاركيست” الذي صور أشرطة فيديو لدركيين يتلقون رشاوى من مواطنين بإحدى المحاور الطرقية بمنطقة تاركيست شمال المغرب، وهو الحدث الذي كان له وقع كبير داخل مؤسسة الدرك الملكي، وجعل المتلقي يثق فيما يقدمه هؤلاء الصحافيين من أخبار ومعلومات على مدوناتهم، وصفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

كما يمكن أن نسوق مثالا آخر، عن الأدوار البارزة التي قام بها المواطنون الصحافيون، في التعريف بالقضايا التي تفضح مظاهر الفساد بالإدارات العمومية، و الظلم الذي يتعرض له المواطنون على يد من يحضون بنفوذ وحماية من السلطة، شريط فيديو وثق به صحافي مواطن صرخة امرأة أمام المحكمة الابتدائية بمدينة تزنيت عنونه ب “صرخة “إبا إجو”،[2]وهو يحكي مأساة أسرة تعرضت للنصب والاحتيال، من طرف مافيا العقارات التي سطت على أملاكها بتواطؤ مع جهات نافذة في الجهاز القضائي والإداري بمنطقة “الخصاص” بتزنيت.وهو الشريط الذي انتشر بشكل واسع على صفحات الانترنيت وبعدد من المواقع الالكترونية وبنتها القناة الثانية في إحدى نشراتها الإخبارية، مما أعاد القضية من جديد إلى مربعها الأول، وأطاح برؤوس كثيرة من مافيات العقار بمنطقة سوس، وأعاد لهذه الأسرة الاعتبار بفضل ما تم نشره على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.

لقد لعب هؤلاء المواطنون الصحفيون دورا مهما، خلال حراك 20 فبراير، في التبليغ عن انتهاكات حقوق الإنسان والتدخلات العنيفةالتي تعرض لها المتظاهرون بمجرد وقوعها، عبر صور وفيديوهات وتقارير تنقل الحدث بصورة حصرية، كما حصل بمدينة صفرو[3] والحسيمة وبني ملال وغيرها من المدن والقرى المغربية، التي عرفت احتجاجات عارمة مطالبة بمحاربة الفساد والاستبداد والحرية والعدالة الاجتماعية . وانتشرت المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي  والمدونات حيث وثق الصحفيون المواطنون لأهم محطات حركة 20فبراير، وساهموا في بروزها وانطلاقتها.

 إن هذه الإنجازات التي حققتها صحافة المواطن بالمغرب، من خلال عرضها لقضايا أكثر حساسية، جعلت السلطات تتعامل معها بنوع من التضييق والترهيب، وأحيانا باعتقال عدد من الصحافيين المواطنين،كما حصل معا لمدون”مصطفى الحسناوي” و”حسن برهون” “محمد الراجي”وغيرهم. وهو ما جعل منظمات حقوقية دولية ووطنية، تدعو لحماية المواطن الصحافي من خلال المطالبة بتشريع خاص بهذه الفئة من الصحافيين، بناء على التزامات المغرب الدولية في مجال حرية الرأي والتعبير، وتقديم توصيات في هذا الباب للجهات المسؤولة.كمنظمة مراسلون بلا حدود التي طالبت غير ما مرة السلطات بالمغرب بالكف عن التضييق على النشطاء والمدونين، وعلى ضرورة احترام المغرب لحرية الصحافة بشكل عام [4] .أو المنظمات الحقوقية الوطنية، التي طالبت هي الأخرى بضرورة توسيع القواعد المطبقة على الصحافيين المهنيين، لتشمل هذه الفئة، سواء على مستوى حرية الصحافة أو على مستوى قواعد المسؤولية الخاصة بالصحافيين وحمايتهم،بحيث ينبغي أن تكون هذه الحماية مقرونة بالمسؤولية، حتى يتمكن الصحافيون غير المهنيين من الاستفادة من نفس الإطار الحمائي الخاص بالصحفيين المهنيين،مع ما يتطلب ذلك من واجب احترام مبادئ أخلاقيات المهنة والخضوع لنفس المسؤوليات القانونية[5].

أما بالنسبة للمدونين/ات، فإنهم يلعبون دورا شبيها بالصحفيين عندما يثيرون مواضيع وقضايا على مدوناتهم،والتي لاينكن مراقبة محتواها كما هو الشأن في هيئة للتحرير،لذلك قد يتعرضون لمضايقات والسجن من طرف السلطات،كما حصل في حالة المدون مصطفى الحسناوي. وهذا ما يطرح إشكالية حماية الصحفيين خلال مزاولتهم لمهامهم. كما تطرح هذه التطورات الجديدة إشكالية جودة المعلومات المنشورة من طرف أشخاص لم يتابعوا تكوينا مهنيا.

خاتمة:

شكلت صحافة المواطن إفرازا موضوعيا للتطورات الحاصلة في مجال المعلوميات والاتصال، وقد أدت إلى إبراز قضايا أساسية في المجتمع لم تكن تدخل في اهتمامات الصحافة التقليدية، مما عزز الثقة لدى الجمهور فيها. فتزايد ممارسو هذا الإعلام الجديد عبر العالم،مكن المواطن من التواجد في قلب الأحداث ونقل وقائعها إلى باقي الجمهور،خاصة في بلدان العالم الثالث، التي اقترن فيها اسم صحافة المواطن بالإعلام البديل، وبالسعي نحو مواجهة سلطة الإعلام التقليدي،لكن في خضم هذه الممارسة الإعلامية تعرض المواطن الصحافي إلى مضايقات كثيرة، عندما أصبح يتطرق إلى قضايا حساسة من قبيل محاربة الفساد والتحريض على التظاهر وحرية التعبير وحقوق الإنسان وغيرها.

ويبدو أن النقاش سيظل مفتوحا حول مستقبل هذه الصحافة والإشكالات التي تطرحها خاصة مع اتساع رقعة الممارسين لهذا النوع الجديد من الصحافة، التي تطرح نفسها كبديل إعلامي،يركزعلى قضايا اجتماعية وسياسية، بدل الاهتمام بالربح والدعاية للسلطة ورأس المال، حيث أصبح المواطن الصحافي فاعلا اجتماعيا له مسؤولية في كل القضايا السياسية والاجتماعية التي تهم البلد.

من هنا يمكن القول أن هذه الصحافة الجديدة، هي صحافة مناضلة بامتياز، لأنها تدافع على قيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان الشيء الذي أعطاها هوية خاصة بها، لذلك فإن السلطات تنظر لها دائما على أنها إعلام معارض خارج عن دائرة التحكم والضبط. لكنها بالرغم من هذا الحضور المهم في الساحة الإعلامية والسياسية، فإنها لن تشكل إعلاما بديلا عن الصحافة التقليدية، التي لازالت تلعب دورا رياديا في المجتمعات الغربية، وفي بعض بلدان العالم الثالث للدفاع عن القضايا الإنسانية بشكل عام، وأيضا لأنها تفتقر للقواعد والمبادئ التي تؤطر العمل الصحافي، ونعني بذلك أخلاقية مهنة الصحافة، وهي إحدى الإشكالات التي تتخبط فيها صحافة المواطن، لأنه لا مصداقية للصحافة بدون أخلاقيات المهنة.



[1]– تشكلت حركة كفاية المصرية من مجموعة من القوى السياسية التي عارضت نظام مبارك، وركزت في تحركاتها على رفض تجديد انتخاب حسني مبارك لفترة رئاسية خامسة، وأيضا رفضها لمناورات سياسية وتشريعية كانت ترمي للتمهيد لابنه جمال مبارك، لتولي رئاسة مصر بعد والده، ورفعت شعارات  “لا للتمديد”  “لا للتوريث”.

[2]– شريط فيديو التقطه صحافي مواطن عنونه ب صرخة إباإجو منشور على موقع يوتيوب على الرابط :https://www.youtube.com/watch?v=Pqpets_Zj9o

[3]– حالة الشاب كريم الشايب الذي  قتل بطريقة بشعة بأحد أزقة مدينة صفرو، خلال تدخل القوات العمومية لتفريق المتظاهرين يوم 20 فبراير 2011  الشريط منشور على الرابط:

 https://www.youtube.com /watch?v=0mGgaszV1zY 

[4]– طالبت مراسلون بلاحدود السلطات المغربية في تقاريرها بالكف عن مضايقة المدونيين المغاربة الذين يفضحون فساد الإدارات وموظفي الدولة.

[5]– مشروع “بايت بلا حدود”ل لدفاع وحماية وتشجيعا لفضاء الرقمي بالمغرب، مشروع مذكرة ترافعية حول حماية حرية التعبير في الفضاء الرقمي بالمغرب بدعم من صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية نظمته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الرباط 04 يونيو 2016، وهي نفس التوصيات التي تضمنها التقرير التركيبي في محور خاص بالتوصيات المتعلقة بالصحافة المواطنة وحمايتها.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...