صحافة المواطن: بديل إعلامي أم ظاهرة إعلامية جديدة؟ (بحث) 3/4

محمد لغريب

الفصل الثالث

التحديات التي تواجه صحافة المواطن

سنقتصر في هذا الفصل على بعض التحديات التي تواجه صحافة المواطن، وتعيق تطورها أو استمرارها،وهي تحديات مرتبطة بالمحيط العام الذي تشتغل فيه، وهي تحديات متداخلة فيما بينها تشكل أساس وجود هذه الظاهرة الإعلامية الجديدة. لكن سنقتصر على التحديات الديمقراطية التي تواجه صحافة المواطن وأيضا تلك المتعلقة بأخلاقيات المهنة باعتبارهما تحديات تحدد الملامح العامة لمستقبل صحافة المواطن.

أولا: المسألة الديمقراطية

     إن الحديث عن صحافة المواطن أو عن الصحافة بشكل عام، على النحو الذي رأيناه سابقا، يطرح سؤالا جوهريا حول مسألة الديمقراطية كفضاء لا يمكن أن تتطور الصحافة بدونه. فوجود صحافة حرة ومستقلة يعتبر مؤشرا حقيقيا على وجود ديمقراطية في بلد ما، وغيابها يثبت أن هذا البلد يعيش حكما استبداديا يقمع أو يضيق على عمل الصحافة في تأدية رسالتها الإنسانية. 

إذا كانت الصحافة التقليدية تعاني من التضييق والحصار والمنع في أحيان كثيرة، فكيف سيكون حال صحافة المواطن، وهي صحافة لا تحظى بحماية قانونية، وغير معترف بها في العديد من الدول؟

لقد أدت حاجة المجتمعات للتغيير إلى تبني أساليب كثيرة للوصول إلى ديمقراطية يتعايش فيها الجميع، في إطار مشاركة أوسع لفئات المجتمع في اتخاذ القرار، ومن بين هذه الأساليب، اختيار وسائل الإعلام كآلية لمراقبة عمل السلطة وتوجهاتها. لكن انزياح الصحافة التقليدية عن هذه المهمة جعل صحافة المواطن توجه نقدها لهذه الوسائل، مما جعل البعض يقرن هذا النقد بنقد الديمقراطية في حد ذاتها، مادام أن غالبية وسائل الإعلام صارت في يد الأنظمة الحاكمة، توجهها كيفما تريد للدفاع عن استمرارها ووجودها.[1]

لذلك تكمن قوة صحافة المواطن في هذا السياق النقدي، في تلازم البعد الإعلامي بالممارسة الديمقراطية، وهو ما تطلب منها الدفاع عن هذا التوجه خدمة للرسالة الإعلامية والديمقراطية معا، في إطار ما يسمى بالجدلية الثنائية: الإعلام والديمقراطية القائمة على وحدة وسلامة المجتمع، تكمن في صحة العلاقة القائمة بين كل وسائل الإعلام والمؤسسات الديمقراطية.

    فهذا التوجه الذي حددته صحافة المواطن، والمتمثل في الدفاع عن فضاء أرحب لممارسة الديمقراطية  – وهو أيضا هدف العديد من الصحف التقليدية خاصة منها الصحف الحزبية التقدمية-، قد جعل السلطات تنظر بنوع من الحذر لهذا النوع من الصحافة، وهذا ما يعكس عدم الاعتراف بها كصحافة جديدة، داخل القوانين والتشريعات التي (تنظم) ممارسة مهنة الصحافة، في مجموعة من بلدان العالم الثالث، رغم إلحاح المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية المدافعة عن حرية الرأي والتعبير، على ضرورة أن تتضمن هذه القوانين بنودا تدعو لحماية ممارسي هذا النوع الجديد من الصحافة.[2]

فتزايد حجم مستخدمي الإنترنيت بشكل واسع، رافقه تضييق وقمع وانتهاكات للحق في حرية الرأي والتعبير، الذي تقره مختلف المواثيق والعهود الدولية ذات الصلة بهذا الشأن، وهي انتهاكات طالت مجموعة من النشطاء والمواطنين الصحافيين،الذين كشفوا الطبيعة غير الديمقراطية للسلطات وازدواجية خطابها المبني على التضليل وإخفاء الحقيقة عن المواطن، باعتباره المعني أولا بالممارسة الديمقراطية.

فالمواطن الصحافي، يعيش دائما تحت رقابة الأجهزة الأمنية، التي تتابع بشكل يومي كل ما يكتب أو ينشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أو على المدونات الشخصية، لأنه خارج دائرة مقص الرقيب، مادام يستفيد من هامش الحرية الذي توفره له فضاءات الإنترنيت، لذلك تبقى المقاربة التي تتعامل بها السلطات مع الصحافي المواطن، مقاربة أمنية تهدف للحد من جرأة الشباب  في ملامسته للقضايا الساخنة، التي تعري عن واقع سياسي أو اجتماعي أو ثقافي معين.[3]وهنا يمكن أن نستشهد بقولة أحد الصحافيين في هذا السياق،يقول هشام ساق الله : ” يتحمل الصحافي المواطن نتائج نشاطه الإعلامي، فيعاقب اجتماعيا ومهنيا وماديا، ويوضع في دائرة الاستهداف من الجميع، حتى أخبرني أصدقائي أنهم حائرون في تحديد من يقف وراء بعض الاعتداءات عليهم حال حدوثها”.

وهكذا يمكن القول، إن صحافة المواطن هي تجلي من تجليات التعبير الحر عن الرأي، انبثقت من رحم الممارسة الديمقراطية في البلدان الغربية، خاصة الولاية المتحدة الأمريكية، لتجد نفسها في مقدمة الدفاع عن القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ببلدان العالم الثالث، لكن نتيجة لهذا التبني أدى المواطن الصحافي الثمن غاليا كلفه حريته في الكثير من البلدان ومنها المغرب.

ثانيا: مسألة أخلاقيات المهنة

رغم كل الانجازات التي حققتها صحافة المواطن، على أكثر من صعيد في كشف العديد من الحقائق والقضايا المتصلة بالشأن العام، فإن هذا النوع الجديد من الصحافة تعرض لانتقادات شديدة من طرف الإعلاميين والصحافيين على حد سواء، خاصة في الشق المتعلق بأخلاقيات المهنة، وهي النقطة التي جعلت الكثيرين ينطلقون منها لشن هجومهم عليها.

وإذا كانت أخلاقيات مهنة الصحافة، تشكل أحد الأسس التي تنبني عليها الممارسة الصحافية، لأن من خلالها يراقب الصحافيون أنفسهم، ويدافعون بواسطتها عن أنفسهم، ويحمون المهمة التي يطلعون بها داخل المجتمع من كل إساءة استعمال أو مصادرة أو انحراف.[4]، فإن مصداقية صحافة المواطن لا تأتي من هذا الجانب المعياري، وإنما من إثارة مواضيع وقضايا تضع الجمهور في صلب هذه القضايا والوقائع التي تهمه في المقام الأول، ولكن هذا لا يعني أن المواطن الصحافي معفى من هذه المعايير والمبادئ، أثناء نقله للأحداث والوقائع ونشرها على مدوناته أو في مواقع التواصل الاجتماعي.

فهذا الخط الذي سار عليه هذا الإعلام الجديد، خاصة تركيزه على الموضوع، جعلت البعض يدعو إلى التعامل مع صحافة المواطن بنوع من الحذر، وفي هذا الصدد يقول الصحافي أكرم صوراني: ” رغم أن الثقة في صحافة المواطن تراكمية، فالحذر مما يتناوله الناشط وارد وطبيعي أسوة بالحذر من وسائل الإعلام التقليدية “.[5]وتتفق العديد من الدراسات مع هذا الحكم، حيث أكدت أن الثقة في المضامين المقدمة من خلال صحافة المواطن، لا زالت غير تامة، على الرغم من توفر العديد منها على معايير الثراء الإعلامي،  خاصة المصداقية وعمق التغطية الإعلامية والموضوعية.

إن علاقة أخلاقيات المهنة بصحافة المواطن، جعلت البعض يعتبرها إعلاما هجينا، لا يصل إلى مستوى الممارسة الصحافية كما هو متعارف عليها، بالرغم من ضخامة المعلومات التي تنشر على صفحات الإنترنيت لاعتبارات كثيرة. يقول السر علي سعد: ” لو نظرت إليها – هذه الاعتبارات- الباحثة في الظواهر الإعلامية “كليمينسيارودريغز” لما تعجلت إطلاق مصطلح “صحافة المواطن”، فالأمر يستدعي دراسات عميقة في فلسفة الإعلام والممارسات المهنية، ودراسة أخلاقيات الصحافة التي تفرض على الصحفي من القيود ما يجعله محايدا في طرق وتناول الموضوعات”.[6]

وهكذا فإن موضوع أخلاقيات المهنة، سيظل ملازما للنقاشات المثارة حول صحافة المواطن بشكل عام. بل يعتبر أيضا مدخلا لنقد هذه الصحافة، وأحد الركائز التي يبني عليها خصومها أطروحاتهم لدحضها. وهي رسائل بليغة تلقاها المدافعون عن صحافة المواطن، من خلال جعل مسألة التكوين والتثقيف في هذا الجانب مسألة أساسية في تفكيرهم، فأطلقوا دورات تكوينية في مسألة أخلاقيات المهنة والتعامل مع المصادر، وغيرها من القضايا التي تهم قواعد العمل الصحافي.



[1]– الدكتور جمال الزرن، صحافة المواطن: المتلقي عندما يصبح مرسلا، المرجع السابق،ص10.

[2]– إذا تصفحنا قانون الصحافة والنشر المغربي 88.13 فإننا لن نجد إي إشارة تتحدث عن صحافة المواطن رغم أن المدونيين المغاربة، يتمتعون باحترام كبير وسط زملائهم في منطقتي شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بفضحهم لمظاهر الفساد المستشري في مجموعة من القطاعات الحكومية.

[3]-ميرفت محمد عوف، المواطن الصحافي وحرية التعبير في فلسطين – غزة نموذجا، المرجع السابق، ص 27.

[4]– جمال الدين ناجي: وسائل الإعلام والصحفيون، موجز آداب المهنة، منشورات كرسي أريكوم اليونيسكو، المعهد العالي للإعلام والاتصال، الرباط، ط1، الصفحة 14.

[5]– ميرفت محمد عوف، المواطن الصحافي وحرية التعبير في فلسطين – غزة نموذجا، المرجع السابق، ص29 

[6]-السر علي سعد، صحافة المواطن.. إعلام هجين، مركز الجزيرة الإعلامي للتدريب والتطوير، مجلة الصحافة، مارس 2016.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...