محمد لغريب
ملفات تادلة24- أعد الزميل محمد لغريب، عضو هيئة تحرير جريدتنا الإليكترونية ملفات تادلة 24، دراسة قيمة، حول صحافة المواطن، وذلك في إطار بحث تخرجه من سلك الإجازة المهنية في الصحافة المكتوبة، ننشرها في أربعة أجزاء، الجزء الأول في هذه الحلقة، في انتظار باقي الأجزاء لاحقا.
تقديــــم:
أدى التطور التكنولوجي الذي عرفه العالم خلال السنوات الأخيرة،إلىثورة كبيرة في مجال المعلوميات والاتصال،وانعكس ذلك بشكل كبير على بنية المجال الإعلامي ككل، وأفرز مجموعة من الظواهر الإعلامية الجديدة، أصبحت ملازمة لهذا التطور وفرضت وجودها ضمن ما يصطلح عليه بالإعلام الجديد، خاصة مع الانتشار الواسع للإنترنيت الذي سمح بتداول المعلومات بين الجمهور بشكل أسرع من السابق.
ومن أبرز هذه الظواهر الجديدة، هي ما يعرف اليوم في الأوساط الإعلامية “بصحافة المواطن”. فهذه الأخيرة اقترنت أساسا بالنشر على المواقع الإلكترونية والمدونات الشخصية ومواقع التواصل الاجتماعي، في ارتباط عضوي بما يجري في المجتمع من حوادث ووقائع ذات طابع سياسي أو اجتماعي أو ثقافي أو اقتصادي، من خلال رصد وتتبع ونقل الأحداث والوقائع التي لم تكن تسمح بها الرقابة للتداول بين الجمهور، نظرا لما يمكن أن تتركه من تأثير على القرار السياسي أو على النقاش العمومي حول قضية من القضايا المتصلة بالشأن العام.
إننا بذلك نكون أمام نوع جديد من الصحافة لا حدود له، يختلف عن الصحافة التقليدية، اذ يصبح فيه المواطن ’’صحافيا‘‘ منتجا للخبر ومستهلكا وناشرا له على نطاق واسع، بفعل الخاصية التفاعلية التي توفرها الشبكة العنكبوتية.
فظهور هذا النوع من الصحافة حمل معه مجموعة من الاشكالات التي أصبحت تشكل موضوع سجال فكري بين مختلف الفاعلين في مجال الصحافة والإعلام، والمتعلقة أساسا بانبثاق هذه الظاهرة وتطورها، والتأثير الذي تركته على الجمهور وعلى وسائل الإعلام التقليدية أيضا، بالإضافة إلى الإضافات التي حملتها للحقل الصحافي عالميا ومحليا، ثم الإشكالات التي تطرحها اليوم، والمرتبطة أساسا بمسألة احترام المواطن الصحافي لقواعد العمل الصحافي وأخلاقيات المهنة وعلاقة المواطن الصحافي بمسألة الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير…
وانطلاقا مما سبق، فإن السؤال المركزي الذي يمكن أن نطرحه بهذا الصدد هو: ماهي خصائص هذا النوع الجديد من الصحافة واتجاهاتها؟ وهل يمكن اعتبار صحافة المواطن إعلاما جديدا أم إعلاما بديلا ؟ تمهل هذه الصحافة تنبني على مقومات الصحافة كما هو متعارف عليها بين ممارسي مهنة الصحافة؟ وماهي بعض ملامح هذه الصحافة بالمغرب؟
إن الإجابة عن هذه الاسئلة، تفرض علينا البحث في اشكالات هذه الظاهرة الجديدة، والإحاطة بها من كل الجوانب لرفع اللبس عنها، وتسليط الضوء على خصائصها الفريدة التي ميزت هذا العصر الإعلامي الجديد، وتبيان مختلف وجهات النظر حولها، من أجل رسم صورة كاملة عن السياقات التي أنتجتها وساهمت في تطورها، وإن كانت المساحة المخصصة لهذا البحث لا تسمح بالتطرق لكل هذه الإشكالات. لكن سنحاول التطرق لبعض هذه القضايا، معتمدين في ذلك على بعض الدراسات المهتمة بهذا الموضوع أو على مقالات لإعلاميين خاضوا في هذا السجال أو بعض تقارير المنظمات المتهمة بحرية الرأي والتعبير.
الفصل الأول
تعريف صحافة المواطن وخصائصها
أولا:تعريف صحافة المواطن
يرى أغلب الباحثين أن مصطلح “صحافة المواطن” لم يظهر إلا مع مجتمع الإنترنيت، وإن كان فريق آخر يرجعها إلى ما قبل هذا العصر. فصحافة المواطن تطورت وتبلورت بشكل سريع مع نمو الإنترنيت وانتشرت في كل أرجاء المعمور خاصة في بلدان العالم الثالث، بفعل خاصيتي التواصل والتفاعل اللتين سهلتا تداول المعلومة بين الجمهور.
ويؤكد بعض الباحثين في مجال الإعلام، أن هذا المصطلح غير مستقر على مستوى المفاهيم[1]فهناك من يطلق على هذا النوع الجديد من الصحافة اسم “الإعلام البديل”، أو “الإعلام التشاركي”، أو “السلطة الخامسة”، وهناك من يطلق عليها اسم “الصحافة المدنية” أو “الصحافة الشعبية” أو “الإعلام الديمقراطي” … لكن يبقى مصطلح “صحافة المواطن” هو الأكثر تداولا بين الباحثين والصحافيين، وهذا التعدد في الأسماء والمصطلحات لا يغير في المفهوم أو الخصائص أو الوظائف التي تطبع هذا النوع الجديد من الصحافة.
لذلك سنوظف في مختلف فقرات بحثنا هذا، مصطلح “صحافة المواطن” تماشيا مع ما هو متداول في أوساط الصحافيين والباحثين في مجال الإعلام.
وقد عرف “بومان وويلز”، “صحافة المواطن” قائلا: “هي مواطن أو مجموعة مواطنين يلعبون دورا فاعلا في عملية جمع وإعداد التقارير وتحليل ونشر الأخبار والمعلومات”. أما هشام ساق الله فعرفها بأنها : ” أي صحافة تبناها شخص غير متخصص ويكره الظلم ويتمرد على الواقع المعاش، ولديه وعي وثقافة مختلفة عن أي صحفي آخر، يستشف ويستشعر تفاصيل دقيقة من حالة الظلم الموجودة، ويكتب في هذا الشأن وينشر على شبكات التواصل الاجتماعي”. [2]
ويعرفها الإعلامي محمد أبو عواد بأنها : ” تلك الصحافة التي انتشرت من خلال شبكة التواصل الاجتماعي المختلفة التي خلقت نوعا من الإضافة للإعلام، فكل مواطن سواء في المجتمع الفلسطيني أو غيره، أصبح صحفيا بحكم قدرته على نشر المعلومات التي يوثقها من خلال امتلاكه لمختلف التكنولوجيا”.[3]
أما دجاي روزن”jayrozen” استاذ الصحافة بجامعة نيويورك، فيعرفها كما يلي: “صحافة المواطن هي حينما يوظف عامة الناس، المعروفون شكليا بالجمهور، الأدوات الصحافية التي في حوزتهم لإخبار أناس آخرين عن حدث مهم. هذه هي صحافة المواطن”.
When the people formerly known as the audience employ the press tools they “have in their possession to inform one another, that’s citizen journalism.[4]
ثانيا: خصائص صحافة المواطن
لقد ساهمت عوامل كثيرة في بروز صحافة المواطن، كصحافة ذات هوية قائمة الذات بين باقي وسائل الإعلام الأخرى، وإن كان البعض يرى أنها لم ترق إلى ما وصلت إليه الصحافة التقليدية. فغياب الثقة في وسائل الإعلام التقليدية التي تحتكر صناعة الخبر ونشر المعلومة، وأيضا انتشار الويب بشكل كبير وتراجع عائدات الصحافة التقليدية، وتطور الهواتف الذكية التي تمكن من نقل الخبر بسرعة فائقة… كلها عوامل ساهمت في ميلاد صحافة المواطن.
إن الاختلاف في تعريف صحافة المواطن بين الإعلاميين والمهتمين بحقل الصحافة بشكل عام، لا يلغي من خصائصها المشتركة، بل هناك اجماع لدى هؤلاء حول الخصائص المميزة لهذه الظاهرة الإعلامية الجديدة التي طبعت مجتمعنا المعاصر، والتي أصبحت تفرض وجودها يوما بعد يوم مع التطور المهم لوسائل الاتصال.
وانطلاقا من التعاريف التي سقناها سابقا، يمكن أن نستخلص مجموعة من الخصائص التي تميز هذا النوع الجديد من الصحافة، لذلك سنركز في هذا البحث على أهم هذه الخصائص وهي:
– الاعتماد على الإنترنيت كفضاء حر للرأي والتعبير.
– إنهاء احتكار وسائل الإعلام التقليدية للمعلومة.
– الشباب، الممارس الأساسي لصحافة المواطن.
– الاعتماد على التعاون والتشارك بدل الربح.
لقد ارتبطت صحافة المواطن أساسا بالأنترنيت كفضاء حر ومفتوح للنشر والتعبير عن الرأي، فبحكم أن هذا الفضاء يتيح نوعا من الحرية والديمقراطية في تناول قضايا مختلفة ذات طابع سياسي أو اجتماعي تهم الشأن العام، فإن حضور صحافة المواطن في صلب الممارسة الديمقراطية يكون أساسيا من خلال دعمها بإثارة قضايا تهم الفاعل المدني أو السياسي .
فالخاصية التفاعلية التي وفرها الانترنيت، مكنت جمهورا عريضا من المواطنين من التعبير عن آرائهم بكل حرية، في نقل ونشر المعلومة سواء بالكتابة أو الصورة أو الفيديو، في وقت وجيز بفعل استخدام وسائل اتصال متطورة كالهواتف الذكية أو اللوحات الالكترونية أو غيرها.
فبفضل الشبكة العنكبوتية ظهرت العديد من المواقع التي سمحت للجمهور بتحميل المحتوى مباشرة ليكون في متناول الجميع، سواء عبر المدونات أو على شبكات التواصل الاجتماعي، كالفيس بوك أو التويتر أو اليوتيوب، وغيرها من الوسائط التي توفر هذه الإمكانيات.
لقد أدى هذا التطور الحاصل في وسائل الاتصال، إلى إنهاء مرحلة احتكار الصحافة التقليدية للمعلومة، التي ظلت لوقت طويل تتحكم في مسار انتاج الخبر ونشره وتكييفه وفق السياسة التحريرية للمؤسسات الصحافية، أو وفق السياسات التي تنهجها الأنظمة السياسية لتوجيه الرأي العام لتدعيم موقف معين، أو صرف نظر الجماهير عن القضايا الأساسية التي تهم مصير الشعوب، أو بهدف تحقيق أرباح متزايدة في ظل تنامي التنافسية والاستثمار في هذا المجال.
إن إحدى السمات البارزة لهذا النوع الجديد من الإعلام، والتي وقف عندها المهتمون بالظواهر الإعلامية، هي أن صحافة المواطن صحافة تمارس من طرف فئة الشباب الذي طورها ومارسها وأعطاها قيمة وهوية إعلامية خاصة بها، مما يبرر طابع اندفاع الشباب نحو الدفاع عن الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية على نحو مخالف لما سارت عليه وسائل الإعلام التقليدية.[5]
[1]-الدكتور جمال الزرن،”صحافة المواطن “المتلقي عندما يصبح مرسلا”، بحث نشر بالمجلة التونسية لعلوم الاتصال عدد 51و52 سنة .2009.
[2]-ميرفت محمد عوف، المواطن الصحفي وحرية التعبير في فلسطين-غزة نموذجا، المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية ’’مدى‘‘، شتنبر 2015، ص 19.
[3] – ميرفت محمد عوف، المواطن الصحفي وحرية التعبير في فلسطين- غزة نموذجا، المرجع السابق، ص 20.
[4]http://archive.pressthink.org/2008/07/14/a_most_useful_d_p.html
[5]-لعبت فئة الشباب في ثورات ما يسمى بالربيع العربي دورا مهما حيث كانت في طليعة هذه الانتفاضات واعتمدت بشكل كبير على المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي للدعاية والتحريض ضد الأنظمة الاستبدادية بالمنطقة.