– ملفات تادلة –
قام أمس الاثنين، عدد من المتضررين في الملف الذي عرف بقضية ’’ضحايا آيت عاشور بأزيلال‘‘، بزيارة تضامنية مع أحد المتضررين الذي هدم منزله قبل أزيد من أسبوع، ورافق المتضررين في هذه الزيارة نشطاء من حركة 20 فبراير وأعضاء من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.
ملفات تادلة التي واكبت الزيارة التضامنية، عاينت الوضعية الصعبة جدا التي يعيشها السيد أوستيف في ظل البرد القارس، حيث أصبح يعيش بجوار أنقاض منزله بعد أن تم هدمه قبل 9 أيام، ولا يقيه من قسوة المناخ هو وزوجته سوى غطاء بلاستيكي نخمن أن لن يصمد في وجه رياح متوسطة المدى.
إنجاز: خالد أبورقية.
صور: عبد الحق سابق – حسن الناصري
جغرافية المأساة:
على بعد 15 كلم من أزيلال، بدوار تاكنايت وسط مرتفعات الأطلس، وغير بعيد عن جبال بأكملها مكسوة بالثلوج وحيث لا يبدو أن للمناخ قلب ترجى منه الرحمة، يستعين ابراهيم أوستيف بغطاء من البلاستيك فيما يشبه خيمة صغيرة لا تبلغ مساحتها مترين مربعين يتقي بها غضب الطبيعة، وفي الداخل يتساكن وزوجته إلى جانب نار أوقدها من قطع الخشب.
ابراهيم أوستيف، أب لسبعة أبناء أكبرهم يبلغ من العمر 12 سنة فيما يبلغ أصغر 4 سنوات، كان يعيش في المنزل الذي ورثه عن أبيه الذي ورثه بدوره عن جده، وه ما أكدته شهادات استقيناها من عين المكان من أشخاص حضروا للتضامن معه من الجيران وخصوصا أشخاص كبار السن.
يتفقد أوستيف أنقاض المنزله الذي صرخ فيه صرخته الأولى، ويري زواره ما جثم تحت الركام ’’ أنظر لازال بعض أمتعتي تحت الأنقاض، وألان يهددوني بحجز ما تمكنت من إخراجه، وأنا قلت لهم إن كنتم ستأخذون هذه الأمتعة فخذوني معها، ليس لي مكان آوي إليه، خذوني إلى البلدية مع هذه الأواني والأمتعة‘‘.
بلاستيك وإبريق ونار قرب تاريخ العائلة:
ملجأ ابراهيم أوستيف بعد هدم بيته
الأمتعة التي نجت من الردم رتبها ابراهيم وزوجته قرب خيمة البلاستيك الصغيرة التي تضم في الوقت نفسه فراشهما وإبريق الشاي وبضعة كؤوس وبعض الحطب الذي يضطرم تحت نار تبث قليلا من الدفء في المكان. وخارج الخيمة كدست على سرير حديدي الملابس وقنينات غاز فارغة ولحف وأوعية لجلب الماء وصورة لملك البلاد وعقيلته فرحين بابنتهما.
يحكي أوستيف عن اليوم الذي قدموا فيه لهدم البيت الذي ولد فيه هو ووالده بحرقة، يروي كيف استقدموا جرافتين، وحاصروا البيت ثم شرعوا في هدمه، ’’أوقعوني أرضا، وشرعوا في هدم البيت على 10 رؤوس من الغنم، أبنائي السبعة هربوا بعد الرعب الذي أصابهم، لقد شردونا‘‘.
داخل خيمة البلاستيك
المتضامنون الذين ينتظر بعضهم نفس المصير عبروا عن سخطهم من الظلم الذي يتعرضون له، وأكد شهود أنهم لا يعرفون متصرفا في تلك البقعة والبيت سوى ابراهيم وقبله والده الذي ورث البقعة عن جده، هذا ما أكدته شيتاشن فاظمة امرأة في عقدها السادس ’’نحن نعرف آيت أوستيف منذ صغرنا، لقد نشأت هنا ومنذ ضغري أعرف آيت أوتيف يقيمون هنا‘‘.
بامو زايد نايتمازيرت شيخ يبلغ من العمر 84 سنة، يشير إلى أنقاض البيت ’’هذا البيت قديم، وقد نشأت وأنا أعرف أن هذا منزل أيت أوستيف، عمري كله وأنا أعرف آيت أوستيف وأعرف أنهم يقطنون هنا منذ ضغري فهم يتواجدون هنا منذ القدم‘‘ وحين سألناه عن ابراهيم أوستيف قال بشيء من صرامة كبار السن ’’قلت لكم أنا أعرف والده وهذا البيت‘‘ وهو تعبير قد يقصد به با زايد أن ابراهيم مجرد طفل مقارنة مع عمر البيت.
لنتوحد ضد الجرافات:
بعض المساعدات التي جلبها المتضامنون
حمل المتضامنون مساعدات عذائية تضمنت الزيت والدقيق والسكر على عادة المغاربة في التضامن بينهم وفي الزيارات، وصرح أحدهم أن ’’وضعية ابراهيم أوستيف تستدعي أكثر من هذه المساعدات بعد أن أصبح مشردا في هذا البرد القارس‘‘.
أحد المتضامنين شبه ما حدث لابراهيم بما يحدث في الأراضي المحتلة حين تأتي الجرافات لهدم بيوت الفلسطينيين، واعتبر التخريب متعمدا من أجل ترهيب جميع المتضررين خصوم ’’آيت عاشور‘‘، وشكك في وجود حكم بالهدم وتشريد أسرة بكاملها، وأضاف ’’نتساءل عن القانون والحكم الذي يعطي الحق بهدم منازل الناس في يوم عطلة‘‘.
وتحدث المتضررون عن معاناتهم مع ورثة عاشور، الذين يتهمونهم بالسطو على أملاكهم مستغلين نفوذهم وأموالهم، وهم يتحدثون إلينا وإلى بعضهم طالبوا القضاء أن يكون منصفا وأن يوفر عدالة حقيقية لقضيتهم.
ألقى المتضامنون كلمات تضامنية مع أوستيف، ودعوا بعضهم إلى التضامن والتكتل والتوحد في مواجهة ما وصفوه أكبر لوبي لنهب العقار في المنطقة عبر استغلال النفوذ وفساد الأجهزة المخولة حماية الضحايا، وتواعدوا على الاستمرار في الدفاع عن ممتلكاتهم بشكل موحد.
’’ما عرفت فين‘‘:
حين سألنا ابراهيم كيف قضى الأيام التسعة الماضية، أجاب ’’في البرد والشتا، أيام صعبة مرت ولا ندري ماذا ينتظرنا في هذه العشة‘‘ وحين سألناه ما الذي ينتظره هنا، ولماذا لا يذهب إلى مكان آخر يقيه شر البرد وقسوة المناخ، أجاب بعفوية وبساطة ’’ما عنديش فين نمشي، أنا كنعرف غير هنا، ما كنتش فشي بلاصة أخرى، ما نعرفش فين‘‘ بما معناه ’’ليس لدي مكان ألجأ إليه، أنا لا أعرف سوى هذا المكان ولم أعش يوما في مكان غيره، ولا أعرف كيف أغادر هنا‘‘.
كلمات ابراهيم العفوية والبسيطة لخصت ما على القضاء والسلطات أن تنتبه إليه قبل أن تنظر في أي أمر آخر، إنها حياة وتاريخ أسرة بكاملها يجثمان تحت الردم، اضطررنا للمغادرة وترك ابراهيم أوستيف يواجه المجهول الذي يتشكل من تقلبات المناخ وانسداد الأفق وضيق ذات اليد، شعرنا أننا نكاد نتجمد من البرد على تلك المرتفعات رغم ملابسنا الثقيلة، فيما لم يستبعد بعض مرافقينا أن يصلنا في أي يوم خبر مفاده أن ابراهيم وزوجته وجدا مجمدين تحت غطاء البلاستيك الذي لن يغني في تلك المرتفعات.