– ملفات تادلة –
كانت إحدى أقوى الصرخات التي أطلقها العبيد وهم يتحدثون إلينا صرخة مدوية حين صاح علي ’’إنها حرب‘‘ لكي يلخص ببساطة وعمق وألم وضعه ووضع زملائه، تحدث بعفوية تامة وصدق وصدمنا أنهم يعيشون أسوأ وضع يمكن أن يعيشه الإنسان وهو وضع الحرب، وضع حيث تنتزع من الإنسان إنسانيته، ويصبح ضحية (مصابا أو قتيلا) أو مطاردا أو نازحا أو لاجئا.
في سياق بحثه المضني كان على فريقنا أن يطرق جميع الأبواب، أن ينقل ما استقاه من حقول المعاناة إلى المكاتب المكيفة، حملنا سؤالنا المؤرق وانطلقنا لكن زياراتنا لم تكن دائما سارة، وأسئلتنا لم تستقبل دوما بالترحاب.
للإطلاع على الحقات السابقة من هذا التحقيق:
الحلقة الأولى (المرجو الضغط هنا)
الحلقة الثانية (المرجو الضغط هنا)
الحلقة الثالثة (المرجو الضغط هنا)
الحلقة الرابعة (المرجو الضغط هنا)
تحقيق من إنجاز: خالد أبورقية
توتر في مفتشية الشغل:
ماذا يقول المتدخلون في عملية إنتاج السكر، وتحديدا الأطراف المعنية من جانب المسؤولية؟ هذا ما حاولنا الوقوف عليه ونحن نطرق أبواب مكاتب مندوبية الشغل وشركة النقل ووحدة إنتاج السكر بأولاد عياد. عملنا لم يكن بالسهولة والبساطة المتوقعة، فقد واجهتنا أسئلة عديدة أهمها لماذا اخترنا أن نبحث في واقع عمال الشحن؟ ومن دفعنا إلى ذلك؟ وما هي الأجندة التي تحركنا؟ أسئلة وضعت بمواجهة أسئلتنا حول من يتحمل مسؤولية هذا الواقع وأية حقوق تتوفر والتي يفترض أن تتوفر للعمال؟ ومن يصنع هذه المعاناة التي تعيدنا إلى قرون غابرة؟
بداية حديثنا إلى مندوب ومفتشي الشغل ببني ملال لم تكن بداية جيدة، فبعد أن عرفنا بأنفسنا وبموضوع تحقيقنا طرحنا سؤالا أولا: هل تعلمون بواقع هؤلاء العمال وما يعيشونه، وهل أنتم معنيون بما يعانونه؟ ووضحنا قليلا من معاناة ’’عبيد الشمندر‘‘. رد مندوب الشغل كان استباقيا، فالمندوبية معنية بالتأكيد لكن السؤال الكامن وراء سؤالنا ليس من حقنا طرحه يرد المندوب، ’’ماذا فعلنا من أجلهم سؤال يطرحه علي رؤسائي‘‘.
عرفت بداية الحديث شيئا من التوتر بيننا وبين المندوب والمفتشين الذين كانوا منكبين على إنجاز عمل ما، لنصل إلى نقطة الهدوء والإنصات من الجانبين، أوضحنا أننا نتواصل ونستفسر جميع المعنيين، لكنه ظل يرفض فرضية ارتباطهم بمعمل السكر، وأوضح أنهم كيد عاملة متحولة وفق مجالات العمل الموسمي يعتبرون ضمن عمال ’’الموقف‘‘ وهو مكان يعرض فيه العمال قوتهم لعمل يومي أو موسمي دون أي التزامات من الطرفين.
أوضحنا أن العمال يعتبرون أنفسهم يعملون لصالح المعمل رغم غياب أية تحملات، لكنه استبعد أي ارتباط لهم به، وأكد أن معمل السكر يعمل في إطار مهيكل وتضبطه قوانين، لكنه صدم حين كشفنا تأكيد العمال أن مسؤولين من المعمل يتوجهون سنويا من أجل تقديم وعود وتحفيزهم لرحلة الكد الموسمي، وشكل الأمر إرباكا وصل إلى حد أن يرد أن الأمر إن كان على هذا النحو فإنه يثبت شيئا ما، وأكد أن مندوبية الشغل لم تتلق من العمال أية شكاية في الموضوع، وهو الأمر الذي أكده العمال أنفسهم.
حين غادرنا مندوبية الشغل ببني ملال تركنا وراءنا أسئلة وقلقا هناك، وارتأينا التوجه إلى شركة النقل المتعاقدة مع معمل السكر لنقل المحصول من الحقول، كنا نبحث عن العلاقة بينها وبين هؤلاء الكادحين وأية التزامات لديها اتجاههم فلم تكن خطوتنا سارة ورد الفعل لم يكن متوقعا.
انتصار ترانس:
’’انتصار ترانس‘‘ هي الشركة المتعاقدة لنقل الشمندر من الحقول إلى المعمل، ذهبنا للسؤال عن مقر الشركة بأولاد عياد ووجدنا من دلنا عليه. الشركة التي تتعاقد أجل صفقة النقل اتخذت مقرها في منزل من طابق أرضي، ليس هناك ما يوحي بأنه مقر لشركة، فلن تجد أية لافتة أو علامة تدل على ذلك، ورجحنا أنه مقر فرعي مؤقت يوافق الفترة القصيرة نسبيا، فيما يشير بحث أجريناه إلى أن هذا الاسم تحمله شركة ذات سجل تجاري مسجل بالمحكمة التجارية بالدارالبيضاء، مقرها بحي البرنوصي، وهي شركة ذات مسؤولية محدودة برأسمال 100 ألف درهم.
في الداخل وجدنا المسؤول، وكان سؤالنا مباشرا: من هي الجهة التي يعمل لصالحها عمال الشحن الذين يسمون ’’عبيد الشمندر‘‘؟ الرد كان مباشرا: إنهم يعملون مع أصحاب الشاحنات ولا تربطنا بهم أية علاقة، وليست لدينا تجاههم أية مسؤولية. سؤالنا الثاني كان إن كانت الشركة تربطها عقدة واضحة مع أصحاب الشاحنات. الرد كان أن هناك من يعمل معنا بعقدة والأغلبية بدون عقدة، وفجأة أصبحنا نتلقى الأسئلة بدل طرحها.
حين طرحنا سؤالا على المسؤول حول سبب ذهابه إلى المناطق التي يجلب منها العمال، رد أنهم يذهبون من أجل أصحاب الشاحنات وليس من أجل العمال، وانطلق في سلسلة أسئلة تهدف إلى الدفاع عن طريق الهجوم. سأسألك سؤالا، هكذا بدأ مسؤول الشركة: ’’هل تتخيل أنك بإمكانك أن تجد خمسة عمال فقط هل تستطيع توفيرهم؟ هناك من يعمل مع الشاحنات منذ عشرين عاما‘‘.. حاولنا العودة إلى موضوع المسؤولية القانونية تجاه العمال، وقبل أن نجيب أكد مسؤول شركة النقل ’’المعمل وشركة النقل ليس بإمكانهما تأمين 1300 عامل‘‘ أوضحنا أننا التقينا شبابا يتظاهر أمام باب المعمل من أجل الشغل، أحد الحاضرين الذي اكتفى بمتابعة الحوار كان رده سريعا: ’’هؤلاء لا يقدرون على هذا العمل‘‘ وهذا ما أكدت عليه موظفة كانت حاضرة أيضا.
واصل مسؤول الشركة: ’’يمكننا أن نبرم معك عقدة لتحضر لنا هؤلاء العمال، هل تستطيع؟‘‘ ثم أضاف ’’لا زال لدينا من الوقت 28 يوما، أحضر لنا من هو مستعد للعمل‘‘ كان علينا أن نشرح أننا حضرنا كمحققين ولسنا طرفا في علاقة الشغل، لكنه واصل ’’إن كان الأمازيغ يتقاضون 9 دراهم للطن، فأحضر لنا من نؤدي له 20 درهما‘‘، أما الشخص الذي تواجد برفقته والذي كان يتحدث كمسؤول أيضا بدأ يتصرف بعدائية.
تدخل الشخص الثاني الذي لم يكشف عن صفته وأسكت المسؤول وقال مستدركا ’’بالنسبة لنا ليست لنا أية علاقة بهؤلاء، اتجه للمعمل واسأله فهو من يؤدي لهم أجورهم أما نحن فمجرد وسطاء نستخلص الأجر ونسلمه‘‘ ثم حاول الاثنان تحويل النقاش، ’’لماذا لا تحققون في وضعية عمال آخرين؟ اذهب للموقف وانظر معاناة عمال آخرين، أم أنكم لم تروا سوى هؤلاء الذين يأتون للعمل 70 يوما؟ ابحثوا عن مواضيع أخرى‘‘.
أصبح الحديث أكثر عدائية حين فاجأنا الرجل الثاني بسؤال: ’’أنتم من أي حزب وبأي صفة تحضرون؟‘‘ كان علينا أن نوضح أننا صحافيون نعمل على تحقيق في موضوع محدد، ليطالبنا بترخيص من السلطات لإجراء حوار مع الشركة، وتطور الأمر إلى حد طردنا من المقر الذي لا يحمل ما يشير على أنه مقر لشركة، وحين هممنا بالمغادرة وجدنا الباب موصدا وأصبح الخروج من هناك إفلاتا مما لا يحمد عقباه.