القصة الكاملة لوفاة سجين بني ملال بعد إضراب عن الطعام

  • تجقيق : خالد أبورقية

شكلت وفاة السجين عبد العاطي الزوهري، بعد أزيد من 50 يوما من الإضراب عن الطعام، صدمة وهزة في أوساط الرأي العام والجهات الحقوقية والسلطات المعنية على حد سواء، فهذه أول وفاة واضحة وبدون تشكيك، داخل السجن بسبب الإضراب عن الطعام منذ سنوات طويلة لازالت الدولة لم تتمكن خلالها من تبييض سجلها المرتبط بالتاريخ الأسود لسنوات الرصاص.

منذ أن تلقينا خبر وفاة السجين الزوهري يوم فاتح يوليوز، لم تتوقف أسئلتنا: كيف يموت سجين جراء إضراب مطول عن الطعام وفي صمت تام؟ ماذا كانت مطالب عبد اللطيف الزوهري قيد حياته ولماذا أضرب عن الطعام؟ ماذا فعلت الجهات المعنية والمتدخلون لإنقاذ حياته؟ من يتحمل المسؤولية في مفارقته الحياة بعد أزيد من سبعة أسابيع من الجوع؟

أجرينا على مدى أسبوع عدة اتصالات ومقابلات لاستجلاء حقيقة ما جرى، هنا تجدون كلا يحكي القصة بروايته، فكل طرف مهتم بدفع المسؤولية عنه أكثر من أي شيء آخر، أما الأب المكلوم فيوزع اتهاماته في جميع الاتجاهات.

هذه هي القصة الكاملة لأول وفاة داخل السجن جراء الإضراب عن الطعام، بعد ما يقارب ربع قرن لا زالت الدولة لم تقنع خلاله منتقدي سجلها الأسود أن هناك شيئا تغير خلف القضبان.

 

أب يجري في جميع الاتجاهات:

حين التقينا السيد ’’لكبير زوهري‘‘ كان متماسكا ويخفي ألم الفراق، فالمرحلة بالنسبة له هو ’’إنصاف ابنه الذي مات مغبونا دون أن يهتم له أحد‘‘، لذلك فهو يتأبط ملفا يضم نسخا كثيرة من المراسلات والطلبات والمناشدات التي وجهها منذ أن أعلن ابنه الدخول في إضراب عن الطعام.

أخبرنا السيد لكبير أنه كان يبحث عنا بشكل حثيث، فأول كلماته في اتصالنا الأول قال: ’’أنا أيضا أبحث عنكم، قالوا لي أنكم تكتبون كل شيء، هذه قصة ابني الذي مات مغبونا‘‘، وكان علينا أمام ما طرحه أن نرتب لقاء مباشرا.

 

من هو عبد العاطي الزوهري؟

شاب من مواليد سنة 1978، بمدينة واد زم، متزوج وأب لثلاثة أبناء، كان يساعد أباه في عمله كبائع للأكلات الجاهزة، لكنه انجر إلى طريق كانت نتيجته الاعتقال وهو لم يبلغ بعد عامه الثلاثين مخلفا وراءه أسرة كاملة.

تم توقيف عبد العاطي للمرة الأولى سنة 2007 بمدينة خريبكة، ليواجه تهمة السرقة باستعمال السلاح الأبيض والانضمام لعصابة إجرامية وغيرها من التهم التي جرت عليه حكما بعشر سنوات سجنا نافذا، تقبلها كما يحكي الأب وقرر أن يعيد ترتيب حياته بعدها.

قبل أن يفيق الزوهري من صدمة الحكم بعشر سنوات، تم استدعاؤه إلى مدينة الفقيه بنصالح، فوجد نفسه يواجه تهمة أثقل، فقد وجهت له النيابة العامة تهمة القتل العمد، يحكي الأب ’’فعلا أدانته المحكمة، ورضي بالحكم ولم يعترض بل لم يثر أية مشاكل داخل السجن‘‘، في نهاية المحاكمة كان على كاهل عبد العاطي حكم آخر بالسجن المؤبد.

بعد ست سنوات من الحكم عليه، نقل عبد العاطي إلى السجن المحلي ببني ملال، ليس من أجل تقريبه من أسرته التي كان عليها أن تتكبد عناء السفر إلى السجن المحلي بخريبكة من أجل الزيارة، ثم في مرحلة لاحقة الانتقال إلى السجن المحلي بالفقيه بنصالح، لكن هذه المرة من أجل تهمة ثالثة هي المشاركة في القتل، تهمة حطمت كل الصلابة والصبر الذين تحلى بهما عبد العاطي الزوهري طول ما يزيد على ست سنوات.

من سجن إلى سجن:

يحكي الأب لكبير الزوهري أن ابنه منذ أن نقل إلى بني ملال وهو يعيش قلقا مستمرا من التهمة الجديدة التي وجت إليه، فعبد العاطي يؤكد براءته من هذه التهمة، ومنذ إحضاره من السجن المدني بخريبكة ، وهو ’’يطالب بتحقيق كامل متشبثا ببراءته وبأن التهمة ملفقة له‘‘ يقول الأب.

مصادرنا من داخل السجن المحلي ببني ملال تؤكد أن عبد العاطي الزوهري منذ إحضاره نهاية شهر غشت من السنة الماضية كان سجينا نموذجيا، كما أن ملفه من خريبكة لم يحمل ما يشير إلى أنه كان مثيرا للمشاكل، ’’كان يحترم القواعد، كان مهذبا ولطيفا، لم يدخل في أي يوم في نزاع أو صراع مع أي من الحراس أو المسؤولين أو النزلاء‘‘ يقول مصدرنا ثم يضيف متحسرا ’’الله يرحمو كان في قمة الانضباط‘‘.

الوصف الذي وصف به الفقيد كان مفاجئا، فالشاب المدان في جرائم قتل وسرقة، لم يستخدم قوته الجسدية داخل السجن في أية لحظة خلافا للفكرة المسبقة عن هذا النوع من السجناء، ورغم بنيته الجسدية وحمله سجلا إجراميا كان أكثر من منضبط وملتزم بالقواعد وليست لديه أية عداوة داخل السجن.

بداية الجوع ومسيرة الأسابيع الطويلة

’’يوم 13 ماي الماضي زرت ابني في السجن، فأخبرني أنه مضرب عن الطعام منذ 07 ماي بسبب تهمة جديدة بالقتل وجهت إليه‘‘ هذا ما قاله لكبير الزوهري الذي قرر منذ ذلك الحين أن يطرق جميع الأبواب من أجل إنقاذ ابنه.

طالب عبد العاطي الزوهري بتعميق التحقيق معه بدل تقديمه للمحاكمة بسرعة، حسب رواية الأب لكبير، ’’قال لوكيل الملك: هل تريد أن تلقي التهمة على ظهري لكي تغلق هذا الملف؟ أنا بين يديك وأطلب منك التحقيق معي‘‘.

يوم الأربعاء 14 ماي، كان الأب لكبير يقف بباب مكتب الوكيل العام للملك ويحمل بيده شكاية ضد مسؤولي السجن المدني ببني ملال، ’’قال لي الوكيل أن على المعني بالأمر أن يتقدم بالشكاية، فقلت له أنا أتيت لأبلغكم بالأمر‘‘.

يوم 20 ماي، عاد ’’لكبير‘‘ لزيارة ابنه حسب الموعد الأسبوعي، ليبلغه أنه لم يتلق أي جواب، والابن الذي أنهى أسبوعه الثاني من الإضراب عن الطعام بدت عليه آثار الإنهاك والتعب كما يقول الأب، واستنكر ألا يتلقى أي جواب، مما فرض عليه القيام برحلة لطرق الأبواب.

في الساعات الأولى ليوم الأربعاء 21 ماي كان الأب ’’لكبير‘‘ في طريقه إلى مدينة الرباط، ولدى وصوله توجه إلى وزارة العدل والحريات ليضع شكاية موجهة إلى الوزير، سجلت تحت رقم 23904، موضوعها طلب الإنصاف للإبن المضرب عن الطعام.

في نفس اليوم وضع السيد لكبير شكاية أخرى لدى المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، وتم تسجيلها لدى المكتب المركزي لتلقي ومعالجة الشكايات تحت رقم 694، ليعود الأب أدراجه إلى بني ملال.

في الساعات الأولى من اليوم الموالي، الخميس 22 ماي كان الأب في طريقه إلى الرباط من جديد، هذه المرة ليضع شكاية لدى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يطالبه بالتدخل لإنقاذ ابنه من الموت، كما وجه نسخا من شكايته إلى جريدتين قصد النشر حسب الإشارة المضمنة في شكايته.

عاد الأب من جديد إلى بني ملال التي كانت تعيش أجواء زيارة الملك للمدينة، ليقرر الانتقال من وضع الشكايات لدى الجهات المعنية إلى الاحتجاج، وهكذا نفذ برفقة أفراد أسرته وقفة احتجاجية أمام محكمة الاستئناف ببني ملال يوم 25 ماي، وحمل لافتة كتب عليها: ’’عائلة تستغيث بصاحب الجلالة محمد السادس في قضية ابنها المضرب عن الطعام من 07/05/2014 إلى اليوم‘‘ ثم ’’صرخة سجين: أنقذوني‘‘.

الاحتجاج أثناء الزيارة الملكية استنفر السلطات، وحرك الفرقة الولائية للأبحاث الميدانية التي قدم عناصرها واصطحبوه إلى مفوضية الشرطة، ’’كسروا اللافتة، وقاموا بتحقيق الهوية، واستمعوا إلي ثم طلبوا مني العودة إلى منزلي والانتظار‘‘. يقول الأب، وهو ما استجاب له على أمل أن تستجيب جهة ما ونعمل على إنقاذ حياة ابنه.

بعد أزيد من ستة أسابيع من الإضراب عن الطعام الذي خاضه عبد العاطي، قام الأب ليعرض قضيته أمام حشد من الحقوقيين في غرفة الصناعة والتجارة ببني ملال أثناء عرض ألقته المناضلة الحقوقية خديجة الرياضي، يوم 22 يونيو الماضي، بمناسبة الذكرى 35 لتأسيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وطلب منه مسؤولون في الفرع المحلي أن يوجه إليهم طلب مؤازرة وهو ما قام به في اليوم الموالي.

في يوم الثلاثاء 24 يونيو كان الأب في قاعة الزيارة، بالسجن المحلي ببني ملال، ينتظر رؤية ابنه في الموعد الأسبوعي، لكنه لم يستطع الخروج، ليدعوه مدير السجن إلى مكتبه، ’’أحضر ابني مسنودا من طرف زميلين له ولم يعد يقوى على الوقوف‘‘ في ذلك اليوم كان عبد العاطي قد فقد الكثير من وزنه، حيث سجلت المراقبة الطبية لحالته نزول وزنه إلى 66 كلغ، وهو ما يعني أنه فقد ثلث وزنه.

الصدمة:

في يوم 02 يوليوز انتشر خبر وفاة الشاب عبد العاطي في اليوم السابق، جراء إضراب مفتوح عن الطعام، لينزل الخبر كالصاعقة على الجميع، لدرجة أن قناة تلفزيونية كـ’’فرانس 24‘‘ أوردت الخبر واستضافت حقوقيين في هذه الواقعة التي كان لها تأثير الزلزال.

المندوبية العامة لإدارة السجون أبلغت أن السجين توفي بعد إضراب عن الطعام’’احتجاجا على متابعته بتهم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وتكوين عصابة إجرامية والسرقة الموصوفة، والتي حكم بسببها بالسجن المؤبد‘‘.

واللجنة الجهوية لحقوق الإنسان قالت أنها لم تكن تعلم بدخوله في إضراب عن الطعام لتتدخل وفق ما يمنحها الاختصاص، فيما عبر فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عن أسفه للوفاة التي لم تمهل مكتبه الذي كان بصدد الإعداد للتدخل لدى السلطات المعنية بعد توصله بطلب مؤازرة.

أما الوكيل العام للملك فيؤكد أن النيابة العامة قامت بزيارة السجين مرتين لإقناعه بالعدول عن الإضراب عن الطعام، وأكد أن المتابعة الأخيرة للفقيد كانت بناء على قرائن استدعت ذلك، مشيرا أن المتابعة تأتي على خلفية ملف قديم سبق أن استمع لأقواله فيه وظهر فيها التناقض، وأضاف ’’الشك بالنسبة لنا يستدعي المتابعة، والشك بالنسبة للقاضي يقتضي البراءة‘‘.

تناقضات:

أثناء متابعتنا للقصة وقفنا على تناقضين رئيسيين فيما حدث، فمن جهة الأب يؤكد أن ابنه دخل في إضراب عن الطعام منذ 07 ماي، بعد أن عرض على جلسة للمحكمة يوم 06 ماي احتجاجا على تقديمه للمحاكمة بدون تحقيق دقيق ومعمق، في حين أن بلاغ مندوبية السجون يؤكد أنه دخل في الإضراب عن الطعام بعد ذلك التاريخ بأسبوع.

أما وثائق إدارة السجن وسجلّ ’’الإضرابات عن الطعام‘‘، وهو سجلّ تتم مراقبته بشكل مستمر من النيابة العامة، فيؤكدون أن الفقيد بدأ إضرابه يوم 13 ماي، يؤكد مصدرنا من داخل السجن، حتى أن الإدارة تتوفر على إشعار خطي وممهور ببصمة الفقيد، فيما تؤكد مصادرنا أن إدارة السجن راسلت كل الجهات المعنية بنفس التاريخ لإشعارها بما أقدم عليه السجين الذي خضع لمراقبة طبية إلى حين وفاته، وبهذا تكون الإدارة قد قامت بكل الإجراءات التي تخلي مسؤوليتها، فيما استمرت طلية فترة إضرابه تحاول إقناعه بالتوقف حرصا على حياته.

تناقض ثان ظهر في بلاغ المندوبية العامة مع الوقائع، حيث تحدث البلاغ أن الزوهري أضرب ’’احتجاجا على متابعته بتهم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وتكوين عصابة إجرامية والسرقة الموصوفة، والتي حكم بسببها بالسجن المؤبد‘‘، بينما تؤكد العائلة والمراسلات والشكايات وبلاغ الفقيد أنه لا يعترض على الأحكام السابقة، بل فقط يرفض التهمة الجديدة التي وجهت له، وهو ما طرح تساؤلات حول مدى اطلاع المندوبية على البلاغات التي تتوصل بها والإجراءات التي قامت بها.

وفوق هذا تطرح قضية الرعاية والاهتمام جدلا كبيرا واتهامات غير محدودة، في الوقت الذي تدفع فيه الإدارة عن نفسها هذه التهم، بينما المؤسسات الأخرى التي راسلها الأب لم تصدر أي موقف لحد الآن.

من المسؤول عن الوفاة؟

من جملة ما تطرحه عائلة الزوهري تساؤل حول طبيعة الوفاة التي ورد في إعلان الوفاة أنها طبيعية، وهو ما أشارت إليه العائلة في بيان عممته منذ يومين، بينما يذكر إعلان الوفاة الصادر عن المركز الاستشفائي الجهوي ببني ملال، أنها وفاة عادية ويضيف ضمن ملاحظاته ’’حالة صدمة‘‘، بينما تؤكد مصادر مطلعة أن التشريح أثبت أن الوفاة جاءت نتيجة سكتة قلبية.

مكتب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ببني ملال طالب بفتح تحقيق نزيه ’’في قضية المسمى قيد حياته عبد العاطي زوهري نتيجة الاستهتار بالحق في الحياة والسلامة البدنية للمواطنين من طرف المسؤولين الموكول إليهم ضمانها‘‘ ووضع طلبا بهذا الشأن لدى الوكيل العام للملك.

اتهامات متبادلة بين إدارة السجن وأسرة الفقيد، الأولى تؤكد أن الأسرة لم تساعد بالشكل اللازم للضغط على ابنها وشرح أن هذه المتابعة مهما كان الحكم فيها فلن يغير من واقعه شيئا، فيما الأسرة من جانبها تتهم جميع الجهات التي راسلتها بالإهمال وعدم التحرك من أجل إنقاذ حياة إنسان في حالة الخطر.

النيابة العامة تشير إلى أن عبد العاطي الزوهري توفي نتيجة الجهل بمسطرة المتابعة والمحاكمة ومراحل التقاضي، فضلا عن أن أي حكم سيصدر ولو كان خطأ وهو أمر مستبعد لن يغير من واقع الحكم بالمؤبد شيئا، بينما يشير مصدرنا داخل السجن أن الفقيد عاش فترة صدمة بعد توجيه التهمة له، وفيما كان يطمع أن يستفيد من انضباطه وحسن سلوكه لتخفيف العقوبة الحبسية في حقه، جاءت التهمة الأخيرة بالقتل لتقضي على آخر أمل له في مغادرة أسوار السجن.

يوم الثلاثاء فاتح يوليوز هو يوم وفاة ودفن عبد العاطي الزوهري، بعد إضراب مطول عن الطعام، الجهات الرسمية تؤكد أنها التزمت بالمسطرة القانونية، وجميعها تبرئ نفسها من أية مسؤولية في هذه الوفاة، لكننا وقفنا على مفارقة غريبة ’’كل جهة قامت بواجبها والتزمت بالمساطر، ورغم ذلك كانت النتيجة فقدان حياة إنسان‘‘ هذا هو السؤال الذي يجب أن ينكب على الإجابة عنه أي تحقيق سيجري في النازلة.

=============

 

وثائق مرفقة:

 


 

 

 

 

 

 

 

 




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...