رجاء كساب: نبهنا إلى مستوى الاحتقان بسبب السياسات اللاشعبية (حوار)

أجرى الحوار: خالد أبورقية

 

  1. شهدت الأسابيع الماضية احتجاجات واسعة على تدهور الخدمات الصحية في المستشفيات العمومية، بينما توالت دعوات للتظاهر بدعوات شبابية (جيل Z)، ومحور الاحتجاجات هو الصحة والتعليم، كيف تنظرون من جانبكم كنقابية إلى هذه الاحتجاجات والدعوات للتظاهر وخلفيتها؟

لقد نبهنا في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، مرات متعددة، إلى مستوى الاحتقان الذي وصلت إليه بلادنا بسبب السياسيات الحكومية الفاشلة واللاشعبية المملاة من طرف المؤسسات المالية المانحة وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والتي أدت إلى تركيز الثروة في أيادي فئة قليلة من المغاربة وتفقير السواد الأعظم منهم وحرمانهم من أبسط الحقوق، الشيء الذي عمق الفوارق الاجتماعية والمجالية، وأدى إلى تصاعد الاحتجاجات والتي تتمحور في جوهرها حول مطالب اجتماعية مشروعة من صحة وتعليم وشغل.

لقد سبق للكونفدرالية الديمقراطية للشغل أن طرحت هذه المشاكل على الحكومات المتعاقبة، وعلى هاته الحكومة التي ترفع زورا شعار الدولة الاجتماعية، سواء في جلسات الحوار الاجتماعي، أو في بياناتها وبلاغاتها، أو من خلال المحطات النضالية التي خاضتها.

 

  1. فجر سوء الخدمات الصحية بمستشفى أكادير احتجاجات غير مسبوقة، تعودنا على المظاهرات التي تضع قطاع الصحة ضمن لائحة المطالب وغالبا في أسفل القائمة، وعلى غرار أكادير توالت الدعوات للتظاهر أمام المستشفيات الجهوية بشكل خاص في مناطق أخرى، بينها مراكش وبني ملال مثلا، ما هي قراءتكم كنقابة بشأن هذا التركيز على قطاع الصحة بشكل خاص؟

قطاع الصحة، قطاع اجتماعي بامتياز وله خصوصيات، والتركيز عليه ليس وليد اللحظة بل كان دائما سببا في احتجاجات المواطنين إما بشكل فردى أو بشكل جماعي، ومع الأسف تحمل المسؤولية في كثير من الأحيان للأطر الصحية علما أن المشكل بنيوي يتجاوز المهنيين.

 

  1. بعد مظاهرات أكادير انتقل، أمين التهراوي، وزير الصحة والحماية الاجتماعية، إلى مستشفى الحسن الثاني، وبعد ذلك جرى الإعلان عن عشرات القرارات التأديبية في وزارة الصحة، من بينها 28 قرارا في حق أطر صحية بعدة مناطق بناء على زيارات تفقدية مباشرة، ما هو موقفكم من التحركات التي يقوم بها وزير الصحة وإلى أي مدى قد تساهم هذه الإجراءات في تحسين الخدمات؟

كما سبق وأشرت، مشاكل قطاع الصحة بنيوية وليست تقنية ستحل بإعفاءات أو تغييرات على مستوى الأطر أو المسؤوليات، كما أن هناك استراتيجية لتهميش المستشفى العمومي بدل جعله ركيزة للمنظومة الصحية في بلادنا وتشجيع المصحات الخاصة التي أصبحت بقدرة قادر تتنامى كالفطر.

 

  1. يعاني قطاع الصحة من أزمة بنوية تفاقمت على مدى عقود، وشكل هذا القطاع على الدوام أحد أهم مشاكل التدبير الحكومي بينما اعتبرت كل حكومة أثناء ولايتها، كما الأحزاب التي تحملت هذه المسؤولية، أنها أنجزت ما كان مستحيلا القيام به، لكن في النهاية تظل الحصيلة واحدة وهي تردي الخدمات، برأيكم، ما هي أهم العناصر التي تغفلها السياسات الحكومية، وما الذي تقترحونه باعتباركم إحدى أهم النقابات الفاعلة في القطاع؟

إن مشكل قطاع الصحة يكمن في عزم الدولة على رفع يدها عن القطاعات الاجتماعية وعلى رأسها الصحة، وقد سبق وصرح بذلك رئيس حكومة سابق بدون أي لبس، وبالتالي كل ما تقوم به الحكومات المتعاقبة هو إضافة خطوة أو خطوات في اتجاه خوصصة قطاع الصحة وتحميل المواطنين كلفة العلاج إما بشكل مباشر، أو عن طريق صناديق التأمين الصحي التي يساهمون فيها، علما أن المغاربة ينفقون من جيوبهم على الخدمات الصحية حوالي 60%، بينما توصي منظمة الصحة العالمية ألا يتعدى هذا الإنفاق 25%.

إن ما نقترحه  في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، هو توفر الإرادة السياسية لجعل قطاع الصحة ضمن أولويات الدولة، وضمانه كحق من حقوق الإنسان الأساسية، ورفع ميزانية القطاع لتصل إلى15% كما توصي بذلك منظمة الصحة العالمية، والتركيز على  القطاع العام والمستشفى العمومي بتأهيل هذا الأخير وتحفيز أطره، وتحسين تكوين وتأطير خريجي كليات الطب والصيدلة ومعاهد تكوين الأطر التمريضية والتقنية، وتشجيعهم على العمل في المستشفى العمومي وثنيهم عن الهجرة، والكف عن تشجيع القطاع الخاص الذي لا هدف له سوى جني الأرباح، وهو ما يتعارض مع الأهداف الرئيسية لقطاع الصحة.

 

  1. يعتبر المنتقدون للسياسات الحكومية المتعاقبة في قطاع الصحة أن مخرجاتها كلها تصب في إضعاف أو “تدمير” القطاع الصحي العمومي، لفائدة القطاع الخاص، إلى أي مدى تتفقون أو تختلفون مع هذا الحكم، وما هي المؤشرات التي تبنون عليها موقفكم؟

كما سبق وأشرت، فكل السياسات الحكومية المتعاقبة خاصة بعد فرض صندوق النقد الدولي لبرنامج التقويم الهيكلي، تصب في خوصصة قطاع الصحة وتدمير المستشفى العمومي، فميزانية وزارة الصحة، وإن كانت عرفت بعض الارتفاع في السنوات الأخيرة، لا ترقى إلى المستوى المطلوب وهو ما يؤدي إلى نقص في عدد المؤسسات الصحية ونقص في تجهيزاتها وفي الأطر والمهنيين الذين يشتغلون بها وبالتالي إلى تردي الخدمات وهجرة المواطنين القادرين على الدفع نحو القطاع الخاص. وللإشارة يجني القطاع الخاص حوالي 80% من موارد التأمين الصحي في المغرب. فلو اهتمت الدولة بالمستشفى العمومي وقامت بتأهيله وجعله على الأقل منافسا للقطاع الخاص، لاستطاعت حل إشكالية التمويل.

بالإضافة، تقوم الدولة بتشجيع القطاع الخاص بدءا بتكوين الأطر والمهنيين إلى تقديم الخدمات الصحية، وقد تصل إلى خوصصة التأمين الصحي في المستقبل القريب نظرا لتسارع وتيرة الخوصصة.

 

  1. ترتفع بعض الأصوات التي تعتبر أن على المجتمع تجاوز فكرة “مسؤولية الدولة في توفير مجانية التطبيب”، وسبق لعبد الإله بنكيران حين كان رئيسا للحكومة أن قال إن على الدولة أن ترفع يدها عن التعليم والصحة، في نفس السياق، أصبح المواطن شبه موقن أن الخدمة العمومية الصحية سيئة وعليه التوجه إلى القطاع الخاص، ألا تعتقدون أن براديغم “مجانية الصحة” أصبح متجاوزا؟

يجب أن نكون واضحين، فالخدمات الصحية حق من حقوق الإنسان الأساسية حسب المواثيق الدولية، كما أنها إحدى الركائز الأساسية للحماية الاجتماعية، وبناء على ذلك أكدت المواثيق الدولية وعلى رأسها مواثيق منظمة العمل الدولية، أن الصحة من مسؤولية الدولة وليس أي طرف آخر، وبالتالي أي تملص للدولة المغربية من هذه المسؤولية يعتبر خرقا للمواثيق الدولية. وكيف يمكن ضمان الحق في الصحة بشكل متساو بين كل المواطنين أيا كان دخلهم أو مجال سكنهم في ظل الخوصصة؟ كيف يمكن إرغام مستثمر خاص على إنشاء مصحة في منطقة نائية وكل ما يهمه هو الربح الذي سيجنيه من هذا الاستثمار؟ وكيف يمكن للمواطن ذو الدخل المحدود أن يؤدي مصاريف القطاع الخاص حتى وإن كان يتوفر على تأمين صحي؟

بالإضافة، إن أفضل وأنجح منظومة صحية في العالم حسب مؤشرات منظمة الصحة العالمية وباعتراف البنك الدولي، هي منظومة مجانية 100% ممولة عن طريق الضرائب وهي المنظومة الكوبية.

 

  1. انفجرت الاحتجاجات الأخيرة في وجه أكثر حكومة حملت شعار الدولة الاجتماعية، وهو شعار يرى رئيس الحكومة أنه جرى تطبيقه على الأرض من خلال تعميم التأمين الإجباري عن المرض، فضلا عن الدعم المباشر ودعم السكن، برأيكم ما الذي نحتاجه لتحقيق الدولة الاجتماعية قبل الحديث عن الإجراءات؟

أعتقد ان الحكومة الحالية بعيدة كل البعد عن الدولة الاجتماعية، بدليل عملها على تسريع وتيرة خوصصة قطاعات اجتماعية وحيوية كالتعليم والصحة، ومستويات البطالة والهشاشة التي وصلها جزء لا يستهان به من المغاربة، وهضم حقوق العمال وضرب الحريات النقابية وضرب مكتسبات الطبقة العاملة والشعب المغربي كما وقع مع القانون التنظيمي للإضراب أو المسطرة المدنية، وتفشي ظاهرة الفساد. كما أن تعميم التأمين الإجباري عن المرض يطرح أكثر من سؤال، فأين هو التعميم إذا كان حوالي 8 ملايين مغربي محرومون من التغطية؟ وما مصير الذين يتوفرون على التغطية لكن حقوقهم مغلقة؟

لتحقيق الدولة الاجتماعية، يجب أن تتوفر الإرادة السياسية لذلك، وأن يتم إشراك جميع القوى الحية من نقابات وأحزاب ومجتمع مدني في النقاش حول مضامين الدولة الاجتماعية والتي يجب أن تبدأ بتعديل دستوري ينص على الحقوق بشكل صريح.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...