الدكتور عبد الله ويكمان: “التثمين الطاقي للنفايات بجهة بني ملال خنيفرة بديل مستدام لمواجهة آفة المطارح العشوائية والتلوث
أجرى الحوار: عمر طويل
في ظل تفاقم إشكالية تدبير النفايات بجهة بني ملال خنيفرة، وتزايد مظاهر التلوث الناجمة عن انتشار المطارح العشوائية، يبرز موضوع “التثمين الطاقي للنفايات” كأحد البدائل الممكنة لمعالجة هذه المعضلة البيئية والتنموية. ومن هذا المنطلق، يفتح هذا الحوار مع الباحث في الشأن البيئي، (الدكتور/الباحث) ويكمان، الذي خصّ أطروحته الجامعية لموضوع “التثمين الطاقي للنفايات المنزلية بإقليم خنيفرة”، للنقاش حول واقع تدبير النفايات وآفاق التثمين الطاقي كحل مبتكر ومستدام.
باعتباركم باحثا وناشطا ملتزما بالقضايا البيئية المحلية، وبالنظر إلى موقعكم الأكاديمية والعملي، فضلا عن المبادرة الإنسانية التي عبرتم عنها من خلال ارتداء زي عمال النظافة أثناء مناقشة أطروحتكم، كيف يمكنكم توضيح السياق العام الذي دفعكم لاختيار موضوع التثمين الطاقي للنفايات بإقليم خنيفرة؟ وهل تعكس هذه الدراسة إشكالات واقعية ملموسة تواجهها المنطقة وتستدعي البحث العلمي والتدخل العملي بالخصوص؟
اختياري لموضوع “التثمين الطاقي للنفايات المنزلية بإقليم خنيفرة” جاء نتيجة لتداخل وتكامل ثلاثة مستويات تحليلية مهمة تعكس الواقع الوطني والمحلي، إضافة إلى الاحتياجات البحثية العلمية.
على المستوى الوطني، يشهد المغرب في السنوات الأخيرة تحولات عميقة على المستويين البيئي والاقتصادي، متزامنة مع الالتزامات الدولية التي قطعها، أبرزها اتفاق باريس حول المناخ وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. ورغم السياسات والبرامج التي أطلقتها الدولة للحد من التلوث وتحسين تدبير النفايات، لا تزال المنظومة الوطنية تعتمد بدرجة كبيرة على الطمر الصحي كمقاربة رئيسية، وهو حل تقليدي محدود الفعالية وغير مستدام على المدى البعيد. لذلك، أصبح البحث عن حلول بديلة تدمج بين الحفاظ على البيئة وتحقيق مردودية اقتصادية، مثل التثمين الطاقي للنفايات، ضرورة استراتيجية ملحة، تهدف إلى تحويل النفايات من عبء بيئي إلى مورد طاقي قابل للاستغلال.
أما على المستوى الترابي، فإن إقليم خنيفرة، بخصائصه الجغرافية المتميزة وطابعه الجبلي الغني بالموارد الطبيعية، يعاني من هشاشة واضحة في منظومة تدبير النفايات. فخارج المناطق الحضرية، تنتشر المطارح العشوائية التي تلقي بظلالها السلبية على البيئة والصحة العامة. هذه الظاهرة لم تكن مجرد انطباع نظري، بل تم توثيقها ميدانيا من خلال زيارات متعددة ومشاهدات ميدانية دقيقة أكدت الحاجة الملحة لتدخل فعلي ومستدام. وبالتالي، جاء اهتمامي بالموضوع كاستجابة مباشرة لهذه الإشكالية البيئية والاجتماعية الملحة في الإقليم.
وعلى الصعيد الأكاديمي والعلمي، يبرز نقص في الدراسات والتقييمات التي تركز على الإمكانيات الحقيقية للتثمين الطاقي للنفايات، خصوصا في الأقاليم غير الصناعية التي لا تحظى بنفس القدر من البحث والدعم كما هو الحال في المناطق الحضرية أو الصناعية الكبرى. لذلك، رأيت أن دراستي يمكن أن تسد هذه الفجوة، من خلال تقديم تقييم علمي موضوعي للإمكانيات والموارد المتاحة في إقليم خنيفرة، وبلورة مقترحات تطبيقية قابلة للتنفيذ، تساهم في تطوير منظومة بيئية مستدامة ترتقي بجودة حياة السكان وتحافظ على ثروات الإقليم الطبيعية.
بجانب ذلك، فإن اهتمامي الشخصي والإنساني بالقضايا البيئية، ورغبتي في الاعتراف بالدور الجوهري الذي يقوم به عمال النظافة، دفعني إلى التعبير عن هذا التقدير رمزيا من خلال ارتداء زي عمال النظافة أثناء مناقشة الأطروحة، وهو تعبير عن احترام عميق لتضحيات هذه الفئة التي تعمل في صمت من أجل بيئة أنظف وصحة عامة أفضل.
إن هذا الموضوع بالنسبة لي ليس مجرد بحث أكاديمي، بل هو رسالة مجتمعية وعلمية تحمل في طياتها الأمل في إحداث تغيير حقيقي ومستدام، من خلال استثمار المعرفة والبحث العلمي في خدمة البيئة والتنمية المحلية.
انطلاقا من خبرتكم الأكاديمية وانخراطكم الميداني في قضايا البيئة والتنمية المستدامة، وارتكازا على أطروحتكم التي تناولت موضوع التثمين الطاقي للنفايات بإقليم خنيفرة، كيف تقيمون واقع تدبير النفايات على المستويين المحلي والجهوي؟ وما هي أبرز الإشكالات التي تعيق بناء منظومة فعالة ومستدامة في جهة بني ملال خنيفرة؟
يمكن تقييم الوضعية الراهنة لتدبير النفايات بإقليم خنيفرة من خلال ثلاثة مؤشرات رئيسية:
أولا، البنية التحتية: تعاني المنطقة من ضعف واضح في التجهيزات الأساسية، حيث تغيب مراكز الفرز المتخصصة، وتُسجّل ندرة في المطارح المراقبة، إلى جانب انعدام وحدات تثمين النفايات الطاقي.
أما النموذج الوحيد القائم، وهو مركز الطمر والتثمين بخنيفرة، فرغم اعتباره من أنجح المراكز على الصعيد الوطني، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة، تتعلق أساسا بـتموقعه القريب من الطريق الوطنية، وضعف فعالية المردودية نتيجة استقباله لكميات محدودة من النفايات، إضافة إلى نسبة تثمين منخفضة.
ثانيا، الحكامة والتخطيط: بالرغم من وجود مجهودات قانونية ومخططات جهوية، مثل البرنامج الوطني للنفايات المنزلية، إلا أن هذه الإطارات لم تترجم بشكل ملموس إلى سياسات محلية فعالة. ويعود ذلك إلى ضعف الموارد المالية، ونقص الكفاءات المتخصصة، بالإضافة إلى تردد الجماعات الترابية في الاستثمار بمشاريع غير تقليدية تتعلق بتثمين النفايات.
ثالثا، الانخراط المجتمعي: ما زالت ممارسات جمع النفايات تتم دون فرز من المصدر، ويُلاحظ محدودية الوعي البيئي بين السكان، مما يقلص من فرص نجاح أي مبادرة لتثمين النفايات أو تطوير أنظمة فرز فعالة.
في ظل الانتشار الواسع للمطارح العشوائية بعدد من الجماعات، خاصة في الوسط القروي، ما هي الانعكاسات البيئية والصحية لهذه الظاهرة على المنظومات الإيكولوجية وسلامة السكان؟ وهل تتوفرون على معطيات دقيقة حول حجم النفايات المنزلية التي ينتجها إقليم خنيفرة سنويا؟”.
تعد المطارح العشوائية أحد أبرز مصادر التدهور البيئي في المناطق الجبلية بإقليم خنيفرة، حيث تتسبب في أضرار بيئية وصحية متعددة. على المستوى البيئي، يؤدي تراكم النفايات في هذه المطارح إلى تلوث التربة والمياه السطحية والجوفية، الأمر الذي ينعكس سلبا على النظم البيئية المحلية وعلى الموارد الطبيعية الحيوية. كما تؤدي عمليات التحلل اللاهوائي للنفايات العضوية المتراكمة إلى انبعاث كميات كبيرة من غازات الدفيئة، خصوصا غاز الميثان، الذي يعد من الغازات ذات التأثير القوي على ظاهرة الاحتباس الحراري، ما يجعل هذه المطارح مصدرا هاما لتفاقم تغير المناخ على المستوى المحلي والعالمي.
إضافة إلى ذلك، تمثل هذه المطارح تهديدا خطيرا للتنوع البيولوجي، حيث تؤدي إلى تدهور المواطن الطبيعية للكائنات الحية، وتؤثر على توازن النظام البيئي في المناطق الجبلية الحساسة. من الناحية الصحية، يلاحظ تركز هذه المطارح بالقرب من الأحياء السكنية، مما يؤدي إلى انتشار الحشرات والقوارض، وانبعاث الروائح الكريهة، وهو ما يزيد من المخاطر الصحية، خصوصا الأمراض التنفسية، التي تؤثر على سكان المناطق المجاورة بشكل مباشر.
فيما يتعلق بحجم إنتاج النفايات، أظهرت الدراسات الميدانية أن إقليم خنيفرة ينتج يوميا ما بين 150 إلى 180 طنا من النفايات المنزلية، أي ما يعادل حوالي 60 ألف طن سنويا. من اللافت أن نسبة كبيرة تصل إلى 65% من هذه الكمية تتكون من مواد عضوية رطبة قابلة للتحلل والتخمير، ما يبرز إمكانيات واعدة للاستفادة من هذه الكتلة الحيوية في مشاريع التثمين الطاقي، مثل إنتاج الغاز الحيوي أو الطاقة الكهربائية. هذه المعطيات تؤكد أهمية تطوير منظومة متكاملة لتدبير النفايات بإقليم خنيفرة، تستفيد من هذه الفرص البيئية والطاقة المتجددة، وتسعى للحد من الأضرار البيئية وتحسين جودة الحياة للمواطنين.
ضمن الجهود الرامية إلى تحقيق اقتصاد دائري وتقليص العبء البيئي للنفايات، يطرح مفهوم “التثمين الطاقي” كخيار استراتيجي بديل. كيف تفسرون هذا المفهوم في سياقه البيئي والتنموي؟ وما هي أبرز الآليات والتقنيات المعتمدة في مجال التثمين الطاقي للنفايات، خاصة في السياقات الترابية المشابهة لإقليم خنيفرة؟
يشكل التثمين الطاقي أحد الركائز الأساسية للاقتصاد الدائري، إذ يسعى إلى تحويل النفايات من عبء بيئي يثقل كاهل البيئة إلى مورد طاقي بديل يسهم في تقليل الاعتماد على المصادر التقليدية للطاقة. وتتنوع تقنيات التثمين الطاقي بحسب نوعية النفايات وظروف البيئة المحلية، ومن أبرز هذه التقنيات:
التخمير اللاهوائي (Méthanisation): وهي تقنية بيولوجية تُستخدم لتحليل المواد العضوية الرطبة من خلال تفكيكها في بيئة خالية من الأكسجين، مما يؤدي إلى إنتاج غاز الميثان (البيوغاز) الذي يمكن استخدامه كوقود نظيف لتوليد الطاقة أو التدفئة. هذه التقنية مثالية للنفايات الرطبة العضوية، كالفضلات المنزلية والزراعية، وتساهم أيضًا في تقليل انبعاث الغازات الدفيئة الناتجة عن التحلل الطبيعي للنفايات.
الحرق المراقب (Incinération): يستخدم بشكل أكبر في المناطق الصناعية حيث يتم حرق كميات كبيرة من النفايات الجافة لإنتاج الطاقة الحرارية التي يمكن استغلالها في توليد الكهرباء أو التدفئة. ومع ذلك، فإن هذه التقنية تتطلب كميات كبيرة من النفايات منخفضة الرطوبة، مما يجعلها أقل ملاءمة لمعالجة النفايات المنزلية في المغرب، حيث تتميز النفايات بنسبة رطوبة عالية تؤثر سلبًا على كفاءة الحرق.
تحويل النفايات الصلبة إلى وقود RDF: وهي التقنية التي تناولتها في أطروحتي، حيث يتم فرز النفايات الجافة مثل الورق، البلاستيك، الكرتون، والأقمشة، ثم تجفيفها وتحويلها إلى وقود صلب بديل يستخدم كمصدر للطاقة في معامل الأسمنت. يتم خلط هذا الوقود البديل مع الوقود الأحفوري التقليدي، مما يساهم في تقليل الانبعاثات وتحقيق مزيد من الاستدامة في قطاع الصناعة.
تبرز هذه التقنيات فرصا مهمة لإقليم خنيفرة من أجل تطوير نموذج محلي مستدام لتثمين النفايات، مستفيدا من التنوع النوعي للنفايات المنتجة وإمكانيات البيئة المحلية، مع ضمان تقليل الأثر البيئي وتعزيز الاقتصاد الأخضر.
في ضوء المعطيات التي توصلتم إليها خلال بحثكم الأكاديمي والميداني، ما هي أبرز الإمكانيات التي يتميز بها إقليم خنيفرة على مستوى إنتاج وتدبير النفايات، والتي قد تشكل رافعة لإنجاح مشاريع التثمين الطاقي؟ وهل ترون أن الخصائص الجغرافية والديمغرافية والبنيوية للإقليم تسمح بتطوير نماذج محلية مستدامة في هذا المجال؟
من حيث الحجم، يعتبر الإنتاج اليومي للنفايات بإقليم خنيفرة كافيا لتوفير المواد الأولية اللازمة لتشغيل وحدة صغيرة إلى متوسطة الحجم متخصصة في إنتاج وقود RDF أو الغاز الحيوي (البيوغاز). هذه الكميات المستقرة توفر قاعدة مناسبة لضمان استمرارية العمل وتحقيق مردودية اقتصادية تلبي احتياجات السوق المحلي.
أما من الناحية الجغرافية، فتعد جماعات الإقليم متجمعة ضمن مسافات جغرافية معقولة، مما يسهل إمكانية التفكير في مشروع مشترك يعنى بتجميع النفايات ونقلها بشكل منظم، وبالتالي تقليل تكاليف النقل المرتبطة بانتقال النفايات من مختلف المناطق إلى وحدة التثمين. هذا التجمع الجغرافي يشكل ميزة استراتيجية حقيقية لدعم جدوى المشروع وكفاءته التشغيلية
إضافة إلى ذلك، يتيح هذا النوع من المشاريع خلق فرص عمل خضراء جديدة، تساهم في تقليص نسب البطالة ودمج الشباب في أنشطة إنتاجية صديقة للبيئة. كما يعمل المشروع على تخفيض تكاليف الطمر التقليدي للنفايات، ما يخفف الضغط على المطارح العشوائية ويقلل من الأضرار البيئية المصاحبة لها.
وفي السياق نفسه، يمكن لهذا المشروع أن يزود الصناعات المحلية، لا سيما معامل الأسمنت وغيرها من الصناعات التي تعتمد على مصادر الطاقة، بوقود محلي مستدام وصديق للبيئة، ما يساهم في تعزيز الاقتصاد الدائري وتحقيق التنمية المستدامة على مستوى الإقليم.
استنادا إلى المعطيات التي جمعتموها خلال اشتغالكم الأكاديمي والميداني، ما هي أبرز الإمكانيات التي يتميز بها إقليم خنيفرة فيما يتعلق بإنتاج وتدبير النفايات، والتي يمكن أن تشكل رافعة واقعية لإنجاح مشاريع التثمين الطاقي؟ وما هي الشروط التي ينبغي توفيرها لضمان نجاعة هذه النماذج واستدامتها على المدى البعيد؟
يعتبر غياب الفرز من المصدر العقبة الأكبر التي تعيق نجاح منظومة تدبير النفايات بإقليم خنيفرة. فالاختلاط غير المنظم للنفايات المنزلية يؤدي إلى تراجع حاد في جودة المواد القابلة للتثمين، خصوصا النفايات الجافة التي ترتفع نسبة رطوبتها بفعل امتزاجها بالمواد الرطبة، ما يقلل بشكل كبير من فعالية تقنيات التثمين الطاقي المتاحة. هذا الواقع يفرض تحديا تقنيا كبيرا أمام أي مشروع يطمح للاستثمار في تثمين النفايات وتحويلها إلى موارد طاقية مستدامة.
إضافة إلى ذلك، تواجه الجماعات المحلية عدة قيود من قبيل محدودية التمويل التقني والبشري. فقلة الموارد المالية، إلى جانب نقص الكفاءات المؤهلة والمتخصصة في تدبير النفايات وإدارة مشاريع التثمين، تشكل عائقًا أمام تنفيذ استراتيجيات متقدمة أو مشاريع ذات طابع ابتكاري. هذا النقص يضعف قدرة الجماعات على مواكبة المتطلبات التقنية والتشغيلية لتثمين النفايات، ويحد من إمكانية توسع المشاريع أو استدامتها.
ومع ذلك، فإن التجاوب المحلي، رغم ما كان عليه من تحفظ في المراحل الأولى، بدأ يشهد تحسنا تدريجيا. فتنظيم ورشات تحسيسية ولقاءات تواصلية مع جمعيات المجتمع المدني وأطراف فاعلة أخرى ساهم في تعزيز الوعي البيئي لدى السكان وأصحاب القرار على حد سواء. وقد أسفر هذا الانخراط التدريجي عن تبني متزايد لفكرة الاقتصاد الأخضر، ودعم أكبر لمبادرات التنمية المستدامة في تدبير النفايات. وهو ما يشكل بشرى إيجابية، تدفع نحو ترسيخ مقاربة تشاركية تجمع بين السلطات المحلية، المجتمع المدني، والقطاع الخاص من أجل بناء نموذج بيئي فعال ومستدام.
في ظل التطور الذي يشهده ملف تدبير النفايات على المستوى الوطني، هل ترون أن الإطار القانوني والتشريعي الحالي -بما في ذلك القوانين البيئية ذات الصلة، والمخططات الوطنية والإقليمية لتدبير النفايات – يسعف فعلا في دعم مشاريع التثمين الطاقي للنفايات بإقليم خنيفرة؟ وإلى أي حد توفر هذه الترسانة القانونية الأرضية الملائمة لتشجيع الاستثمارات، وضمان حكامة التدبير، وتحقيق العدالة المجالية في الاستفادة من هذه المشاريع؟
يشكل القانون رقم 28.00 الخاص بتدبير النفايات إطارا تشريعيا مهما يدعم مبدأ التثمين الطاقي والنفايات، حيث ينص صراحة على اعتماد مخططات إقليمية وجهوية لتدبير النفايات، بهدف تعزيز المقاربة المتكاملة والمستدامة في هذا المجال. غير أن التطبيق العملي لهذا القانون يواجه عدة تحديات، أبرزها غياب وضوح النصوص التطبيقية المصاحبة، خصوصا فيما يتعلق بالتحفيزات المالية، آليات الاستثمار في القطاع، ودور الفاعلين من القطاع الخاص.
مع التطورات التكنولوجية السريعة في مجال تقنيات تثمين النفايات، تصبح الحاجة ملحة لإعادة تحيين هذا القانون، بحيث يتم التركيز بشكل أكبر على استراتيجيات التثمين الطاقي بدلا من الاعتماد التقليدي على سياسة المطارح. هذا التحديث سيمكن المؤسسات المعنية من اعتماد مقاربة أكثر ديناميكية وفعالية، توفر إطارا قانونيا واضحا يضمن تشجيع الاستثمارات، وتفعيل دور القطاع الخاص، وتحفيز الابتكار في تدبير النفايات، بما يساهم في حماية البيئة ودعم التنمية المستدامة.
في سياق الحديث عن تثمين النفايات كرافعة للتنمية المستدامة، ما الدور الذي يمكن أن تضطلع به الجامعة، والمجتمع المدني، والمنتخبون المحليون في إنجاح هذه المشاريع على مستوى إقليم خنيفرة؟ وكيف يمكن تعزيز الانخراط الجماعي في التوعية، والتأطير، وتقديم الاقتراحات والحلول الكفيلة بإرساء نموذج بيئي وتنموي متكامل ومستدام على الصعيد المحلي؟
تلعب الجامعة دورا محوريا في دعم منظومة تدبير النفايات وتثمينها بإقليم خنيفرة، من خلال البحث التطبيقي ونقل التكنولوجيا، بالإضافة إلى تكوين الموارد البشرية المؤهلة. تضم الجامعات عدة تخصصات على مستوى الإجازة والماستر تركز على قضايا البيئة وتدبير النفايات، كما يتم مناقشة عدد كبير من الأطروحات سنويا حول مواضيع ذات صلة بتثمين النفايات وإدارة الموارد الطبيعية، مما يعزز قاعدة المعرفة المحلية ويساهم في توفير الحلول العلمية والمبتكرة.
من جانبها، يمثل المجتمع المدني شريكا أساسيا في تغيير العقليات وتحفيز الساكنة على الانخراط في ممارسات الفرز من المصدر، بالإضافة إلى دوره الحيوي في التبليغ عن المطارح العشوائية والتوعية بأهمية المحافظة على البيئة. ويعد هذا التفاعل مع المجتمع المدني ضروريا لبناء ثقافة بيئية مستدامة تدعم نجاح المشاريع المحلية.
أما المنتخبون المحليون، فيقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة في تحويل الاستراتيجيات والتوجهات البيئية إلى مشاريع فعلية على الأرض. ويتجسد دورهم في تعبئة الموارد المالية وتفعيل الشراكات بين مختلف الفاعلين، لا سيما وأن الجماعات الترابية تتحمل المسؤولية المباشرة عن قطاع تدبير النفايات داخل مجالها الترابي. كما أن التزام المنتخبين بحسن التدبير والمبادرة يمكن أن يشكل رافعة أساسية لتحقيق نتائج ملموسة ومستدامة في هذا المجال.
انطلاقا من خبرتكم الأكاديمية والميدانية، كيف تصفون النموذج المثالي لمشروع تثمين طاقي للنفايات في إقليم خنيفرة؟ ما هي الخصائص الأساسية التي يجب أن يتحلى بها هذا النموذج ليكون متوافقا مع الخصائص الجغرافية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية للإقليم؟ وما هي العناصر التقنية، التنظيمية، والتمويلية التي ترونها ضرورية لضمان نجاح واستدامة المشروع على المدى البعيد؟
نقترح اعتماد نموذج تدريجي لتطوير منظومة تدبير وتثمين النفايات بإقليم خنيفرة، يبدأ بحملات تحسيسية مكثفة وواسعة النطاق تهدف إلى تعزيز ثقافة الفرز المنزلي من المصدر، بمرافقة وتنسيق مع جمعيات محلية فاعلة. هذا التوجه الأولي يهدف إلى رفع وعي الساكنة بأهمية الفرز وتأهيل المواد القابلة للتثمين.
في المرحلة التالية، يتم إنشاء مركز متخصص للفرز وتثمين النفايات الجافة، يكون مرتبطا بمصانع الإسمنت في الجهة أو المناطق المجاورة، حيث تحول النفايات الجافة إلى وقود صلب بديل (RDF)، مما يسهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وخفض الانبعاثات الكربونية.
بالإضافة إلى ذلك، يقترح تأسيس وحدة متخصصة لتخمير النفايات العضوية وإنتاج الغاز الحيوي (البيوغاز)، خاصة في المناطق ذات الإنتاج الفلاحي والحيواني الكبير. هذا الإجراء سيمكن من استغلال نسبة كبيرة من النفايات العضوية بطريقة بيئية مستدامة، مع توفير مصدر طاقة نظيف ومتجدد.
من خلال هذا النموذج التدريجي، يمكن تحقيق التخلص من نسبة كبيرة جدا من النفايات بطرق صديقة للبيئة، مع خلق فرص اقتصادية جديدة وتحقيق تنمية مستدامة على مستوى الإقليم.
في ضوء التجارب والبيانات التي توصلتم إليها، كيف ترون مستقبل تدبير النفايات بجهة بني ملال خنيفرة؟ هل ترون مؤشرات واعدة تعزز التفاؤل بإمكانية تطوير منظومة فعالة ومستدامة في هذا المجال؟ وما هي العوامل الأساسية التي يجب التركيز عليها لضمان تحقيق تحولات نوعية تسهم في تحسين جودة الحياة، والحفاظ على البيئة، وتعزيز التنمية المحلية؟
يواجه مستقبل تدبير النفايات بجهة بني ملال خنيفرة اليوم سلسلة من التحديات المهمة، لكنه في الوقت ذاته يفتح آفاقا واعدة لتحسين الوضع البيئي على مستوى الجهة. فبالرغم من استمرار العديد من الإكراهات، مثل ضعف البنيات التحتية، نقص الموارد المخصصة، وتراجع الوعي المجتمعي بخطورة النفايات، تظهر مؤشرات إيجابية تبعث على التفاؤل.
تتمثل هذه المؤشرات في التوجهات الوطنية الداعمة، لا سيما من خلال البرنامج الوطني لتدبير النفايات المنزلية، إضافة إلى الجهود التي تبذلها بعض الجماعات المحلية لتأهيل المطارح العشوائية واعتماد تقنيات حديثة في عمليات الجمع والمعالجة. كما برزت مبادرات صغيرة لكنها ذات أثر ملموس في مجال التثمين، من قبيل فرز النفايات من المصدر، إنتاج السماد العضوي، وإعادة التدوير.
ويلاحظ كذلك انخراط متزايد لفاعلين محليين من جمعيات ومؤسسات تعليمية ومراكز بحثية في مشاريع بيئية ميدانية، ما يعكس وعيا متصاعدا بأهمية تبني تدبير مستدام للنفايات. وفي هذا السياق، أعبر عن تفاؤلي بمستقبل القطاع، بشرط استمرار تعبئة جميع الفاعلين المعنيين، وتعزيز برامج التكوين والتحسيس، إلى جانب الاستثمار في البحث العلمي والتكنولوجيات النظيفة.
كما أن الواقع يثبت أن النفايات ليست مجرد عبء بيئي سلبي، بل تحمل في طياتها إمكانيات اقتصادية كبيرة يمكن استغلالها عبر تثمين ذكي ومستدام، يساهم في التنمية البيئية والاقتصادية للجهة.