-محمد لغريب-
تعد المطارح العشوائية للنفايات بجهة بني ملال-خنيفرة من أبرز مظاهر الخلل البيئي المستعصي، الذي عجز المسؤولون عن إيجاد حلول ناجعة له. إذ تنتشر هذه المطارح في ضواحي المدن والمراكز الحضرية، ما جعل العديد منها يتداخل بشكل خطير مع النسيج العمراني للمدن والقرى المجاورة، في ظل غياب مخططات إقليمية متكاملة لتدبير النفايات، أو مشاريع بديلة تستجيب لمتطلبات الصحة العامة وحماية البيئة.
ورغم التصريحات المتكررة للمسؤولين حول ضرورة معالجة هذا الملف، يظل الواقع على حاله، حيث تتفاقم معضلة المطارح العشوائية سنة بعد أخرى، بما يرافقها من تدهور بيئي مستمر وتهديد متزايد لصحة السكان وجودة الموارد الطبيعية بالجهة. ويعكس استمرار هذا الوضع فشلًا واضحًا في تدبير ملف النفايات المنزلية وما شابهها.
وتظل العديد من المطارح العشوائية للنفايات منتشرة في ضواحي المدن بجهة بني ملال بدون أسوار أو حراسة، ما يجعلها نقطا سوداء تستقطب يوميا أعدادا من الحيوانات الضالة والباحثين في القمامة من أطفال شوارع وممتهني جمع المتلاشيات، وسط ظروف تفتقر لأدنى شروط السلامة الصحية والبيئية.
إلى جانب افتقارها لأسوار واقية وحراسة دائمة، تعاني المطارح العشوائية للنفايات من غياب تام للمساحات الخضراء أو الأحزمة النباتية العازلة، إذ تتواجد هذه المواقع في الغالب وسط فضاءات قاحلة لا تحيط بها أشجار أو نباتات يمكن أن تلعب دورا طبيعيا في الحد من انتشار الروائح الكريهة، أو امتصاص الغازات السامة المنبعثة من تحلل النفايات العضوية.
فالأشجار والنباتات، إلى جانب دورها البيئي المعروف في تنقية الهواء واحتجاز الغبار، تشكل كذلك حاجزا طبيعيا يخفف من الأثر البصري السلبي للمطرح ويحسن المشهد العام للمنطقة، كما أن بعضها يتواجد وسط الحقول الزراعية وقرب الأودية كحالة مكب النفايات العشوائي بسوق السبت أولاد النمة الذي يمتد تأثيره إلى جماعات مجاورة.
ففي قراءة سريعة، وأثناء إعدادنا لهذا الملف واعتمادا على خرائط Google Earth، وقفنا على معطيات صادمة للغاية. إذ تبين أن معظم هذه المطارح باتت تقع على مسافات قريبة جدا من الأحياء السكنية. فعلى سبيل المثال، لا يبعد مكب النفايات بسوق السبت أولاد النمة سوى بحوالي 1.5 كلم عن المدينة، في حين يقع مطرح النفايات بخريبكة على بعد 2.7 كلم، أما مطرح وادي زم فلا تفصله سوى مسافة تقارب 800 متر عن أحد أحياء المدينة.
ويبتعد مطرح قصبة تادلة هو الآخر بحوالي 3 كيلومترات عن الأحياء السكنية، فيما لا يفصل مطرح بني ملال سوى أقل من كلم عن حي مغيلة واولاد ضريض، ومطرح أزيلال بدوره يوجد على مسافة تقارب كيلومترين. ويكاد هذا الوضع يعم معظم مدن ومراكز الجهة، باستثناءات قليلة حالة مطرح الفقيه بن صالح العشوائي، حيث يتواجد المطرح خارج المدار الحضري بحوالي 11 كلم.
كما أن معظم هذه المطارح تتعرض للحرق العمد باستمرار سواء من الجهات المكلفة بتدبيرها بغية الحصول على مساحات إضافية لإفراغ الحمولات المتزايدة للنفايات المنزلية وتجنب تراكمها، أو من طرف الأشخاص الباحثين عن معادن النحاس والحديد والمتلاشيات الأخرى وسط هذه النفايات، حالة المطرح العشوائي (للفقيه بن صالح).
ولا يقف الخلل عند حدود المواقع العشوائية للمطارح وتداخلها مع النسيج العمراني، بل يتفاقم الوضع أكثر بسبب غياب المراقبة الصارمة لهذه الفضاءات، الأمر الذي يحولها في كثير من الأحيان إلى نقط سوداء لتصريف أنواع خطيرة من النفايات.
ففي غياب تدبير بيئي مسؤول وآليات مراقبة فعالة، تستغل بعض الجهات هذه المطارح لتفريغ نفايات صناعية وطبية ونفايات صلبة دون أدنى احترام للمعايير القانونية والبيئية الجاري بها العمل. مما يشكل تهديدا حقيقيا للصحة العامة، إذ يمكن أن تحتوي هذه النفايات على مواد سامة وملوثات بيولوجية قد تتسرب إلى التربة والمياه الجوفية، أو تنتشر عبر الهواء بفعل الحرق العشوائي، مما يرفع من معدلات تلوث الهواء والمحيط الحيوي بشكل خطير.
ورغم التصريحات المتكررة للمسؤولين بالجهة حول أهمية وضرورة وضع وتنفيذ مخططات إقليمية لتدبير النفايات المنزلية وما شابهها، بالأقاليم الخمسة لجهة بني ملال-خنيفرة، إلا أن واقع الحال يكشف عن مفارقة واضحة بين الخطاب والممارسة. فعلى أرض الواقع، ما تزال المطارح العشوائية قائمة، ومظاهر التلوث البيئي مستمرة، بل وتتفاقم سنة بعد أخرى، رغم ضخ ملايين الدراهم في صفقات التدبير المفوض لقطاع النظافة بعدد من أقاليم الجهة.
وما يزيد من تعقيد الوضع، هو تعثر مشروع إحداث مطرح جهوي بمواصفات بيئية ومعايير دولية، كان من المفترض أن يضع حدا نهائيا لمعضلة النفايات بالجهة، ويوفر بديلا عصريا لمعالجة وتثمين النفايات وفق تقنيات حديثة تراعى فيها شروط السلامة الصحية وحماية المحيط البيئي. غير أن المشروع تبخر، بسبب عراقيل مرتبطة بتحديد الوعاء العقاري، وضعف التنسيق بين مختلف المتدخلين، والصراعات الخفية حول المصالح المرتبطة بتدبير القطاع وغيرها.