الغش في الباكالوريا من “الحروزة” إلى الذكاء الاصطناعي

بقلم: عبد الحليم صابر

أعلنت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، في بلاغ إخباري، عن تسجيل 2769 حالة غش خلال اختبارات الدورة العادية للامتحان الوطني الموحد لنيل شهادة البكالوريا – دورة ماي 2025، وذلك من أصل 443769 مترشحة ومترشحًا اجتازوا هذه الاختبارات.

تفعيل مقتضيات القانون رقم 02.13 المتعلق بزجر الغش في الامتحانات المدرسية

أوضح البلاغ أن جميع حالات الغش المضبوطة تم تحرير محاضر بشأنها، وستُعرض على اللجان الجهوية المختصة للبت فيها واتخاذ الإجراءات التأديبية اللازمة، استنادًا إلى مقتضيات القانون رقم 02.13 المتعلق بزجر الغش في الامتحانات المدرسية.

وينص هذا القانون، الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 19 شتنبر 2016، على عقوبات تأديبية في حق كل من ضبط متلبسا بممارسة الغش في الامتحانات، تشمل منح نقطة صفر في اختبار المادة التي تم فيها ممارسة الغش، وإلغاء نقط جميع مواد الدورة المعنية، والاقصاء من اجتياز الامتحان لمدة سنتين دراسيتين متتاليتين. وتنطبق هذه العقوبات على حالات تبادل المعلومات شفهيًا أو كتابيًا، أو حيازة واستعمال أدوات إلكترونية أو وثائق غير مرخص بها داخل مراكز الامتحان، إضافة إلى حالات الغش التي يتم رصدها من قبل المصححين أثناء التصحيح.

كما يقرّ القانون عقوبات جنائية تتراوح بين ستة أشهر وخمس سنوات سجنًا، وغرامات مالية من 5000 إلى 100000 درهم، في حالات تشمل التزوير، وانتحال صفة مترشح، وتسريب المواضيع، ومشاركة أطراف خارجية في الإجابة أو تسهيل تداول الأجوبة أو الاتجار بها، سواء بوسائل تقليدية أو رقمية.

تراجع حالات الغش المسجة بنسبة 12% مقارنة بدورة 2024
شهدت الدورة الحالية تراجعًا بنسبة %12 في عدد حالات الغش مقارنة بدورة 2024، وهو ما يُعزى إلى مجموعة من الإجراءات التي اتخذتها الوزارة، منها: إصدار المقرر الوزاري بشأن دفتر مساطر تنظيم امتحانات الباكالوريا، ووضع الصيغة الإلكترونية لـدليل المترشحة والمترشح رهن إشارة المترشحين لتمكينهم من الاطلاع على الجوانب القانونية والتنظيمية وكل المستجدات برسم هذه الدورة، واتخاذ الإجراءات التنظيمية واللوجستية اللازمة لتأمين عدم تسريب الامتحانات قبل انطلاق الاختبارات، وتنظيم عمليات التعبئة والتحسيس بالمؤسسات التعليمية، وعبر صفحات وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالوزارة والأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والمديريات الإقليمية والمؤسسات التعليمية للحد من ظاهرة الغش في الامتحانات، وتشكيل الفرق الجهوية المتنقلة والفرق المحلية لرصد الغش، وخلايا اليقظة  الخاصة برصد كل ما ينشر على الأنترنيت وتتبع إحداث المواقع الإلكترونية، وولوج فضاءات التبادل بين أعضاء مجموعات مواقع التواصل الاجتماعي…، وتعبئة مختلف المتدخلين الإداريين والتربويين والسلطات الترابية والأمنية.
شبكات منظمة تقدم “خدمات” مدفوعة

تميّزت دورة هذه السنة بظهور شبكات منظمة تقدم خدمات مدفوعة للمترشحين، تتيح لهم الولوج إلى مجموعات مغلقة تُوفر أجوبة امتحانات بشكل فوري، ويتم الترويج لها عبر إعلانات ممولة على مواقع التواصل الاجتماعي، مستغلة هشاشة المنظومة القيمية لدى بعض التلاميذ وأسرهم، ومقدمة “الغش كخدمة” مقابل مبالغ مالية.

من “الحروزة” إلى الذكاء الاصطناعي

لم يعد الغش “النقلة”، من قبل فئة من المترشحات والمترشحين لاجتياز الامتحانات الإشهادية، وعلى الخصوص الامتحان الوطني الموحد لنيل شهادة البكالوريا، مقتصرًا على الطرق التقليدية مثل تدوين ملخصات الدروس أو التعاريف…. في أوراق صغيرة “حروزة” وتخبئتها بعناية، أو الكتابة على لوح الطاولة وعلى المساند والجدران، وراحة اليد، أو طلب الأجوبة من مترشحة أو مترشح نجيب، بل تجاوز الأمر إلى استعمال أساليب تكنلوجية حديثة من قبيل سماعات لاسلكية متناهية الصغر، ونظارات طبية للغش، واستخدام الهواتف الذكية، والاتصال عبر وسائل التواصل الاجتماعي (الواتساب، والتليغرام، والمسينجر، والفيسبوك…)، واللجوء إلى منصات الذكاء الاصطناعي، سواء المجانية أو المدفوعة، للحصول على أجوبة فورية

تحدٍ قيمي يتجاوز المدرسة

تحوّلت ظاهرة الغش إلى سلوك اجتماعي مقلق، يتجاوز حدود المؤسسات التربوية ومجالات تدخلها، ليطرح إشكالات أعمق تتعلق بدور مؤسسات التنشئة الاجتماعية ككل في ترسيخ القيم الأخلاقية. فلم يعد الغش يُمارس في الخفاء كما في السابق، بل أصبح بعض المترشحين يجاهرون به ويتفاخرون عبر الكاميرات ومنصات التواصل، في مشهد يعكس تحديًا حقيقيًا للمجهودات المبذولة لمحاربة هذه الآفة.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...