كبير قاشا: نرفض تزييت مدافع البرجوازية وإرجاع العمل لماضيه الأسود (حوار)

أجرى الحوار: خالد أبورقية

 

  • تخلد الطبقة العاملة فاتح ماي هذه السنة، في سياق ما وصفتموه في نداء بهذه المناسبة بـ “الهجوم الشرس والممنهج على الحريات العامة والحريات النقابية والحقوق الشغلية”، ما الذي يميز فاتح ماي هذه السنة عن سابقاتها؟

أود بداية شكر جريدتكم الوفية للواجب المهني والتي تلعب دورا مهما في الدفاع عن حرية الكلمة في ظل الشروط القاسية التي تمر منها الصحافة والصحافيين ببلادنا.

بالفعل نعتبر بأن فاتح ماي لهذه السنة 2025 يخلد في سياق يتسم بهجوم مستعر على الحريات العامة والحريات النقابية والحقوق الشغلية، وهوما يتبدى من خلال رعونة مجموعة من الاختيارات والقرارات والاصلاحات النيوليبرالية المتوحشة، والتي يتواصل عبرها مسلسل الانتهاكات اللعينة لكل الحقوق والحريات، لقد أصبحنا رهائن إحدى أسوأ الحكومات التي عرفها المغرب والتي تباشر سرقة أعمارنا وأرزاقنا و أملنا، وتفتح أبواب المغرب على مصراعيها لمخالب شركات النهب المتعددة الجنسيات، لتصفية كل ثروات الوطن وما تبقى من أدوار اجتماعية للدولة وتصييرها عبارة عن دولة أمنية حاضرة لنهش كل من يقف في وجه كهنة الربح.

نعيش بالفعل انتهاكات واسعة وبطشا واستخداما مبالغا فيه للعنف في مختلف تجلياته من أجل إجبار المجتمع على الصمت والخنوع، ناهيك عن الاعتداءات المتواصلة على الحقوق الشغلية  لطمأنة الرأسمال، بالاضافة إلى مخططات جهنمية لتصفية الوجود القانوني لمجموعة من التنظيمات الحقوقية والسياسية والنقابية الجادة والمناضلة والمكافحة، تماشيا مع ما تم تضمينه من نصوص في بعض القوانين التي تجسد أعنف الغارات المخزنية التي تم تمريرها منذ الاستقلال، وهي القانون التجريمي للإضراب، والذي نعتبره كعبا بوليسيا في أفواه الملايين من المقهورين لمنعهم من الأنين مهما اشتدت لسعات سياط المستغلين.

 

  • يحل فاتح ماي هذه السنة، وقد تم إقرار قانون الإضراب، وبينما تستعد الحكومة لتمرير قوانين أخرى تهم الطبقة العاملة لا زلتم تطالبون بإعادة قانون الإضراب إلى طاولة الحوار الاجتماعي، حيث يبدو أن الحكومة متقدمة عليكم بخطوة، ما هي الخيارات المتاحة لديكم لإعادة التوازن في ظل هذا الوضع؟

 

بالنسبة للقانون التنظيمي للإضراب، نحن في الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي لا نطالب بإرجاعه إلى طاولة التفاوض، هذا مطلب المركزيات النقابية الأخرى التي شاركت في كل مراحل إخراج هذا الوحش من القمقم، الجبهة المغربية ضد قانوني الاضراب والتقاعد والتي تضم تسع مكونات نقابية وحقوقية مناضلة وصادقة في دفاعها عن هذا السلاح الوحيد والأوحد للطبقة العاملة، والذي هو الحق في الاضراب، تعتبر بأن مجالسة الباطرونا للتفكير معها في آليات انتزاع هذا السلاح، أو تجريد العمال منه، أو حتى التضييق من نطاق ممارسة هذا الحق خطا أحمر، بل خيانة لمصالح العمال والعاملات.

نحن نعتبر باننا لا نحتاج لهذا القانون لسد فراغ تشريعي أو غيره، بل هناك فائض من النصوص في قانون الحريات العامة والتجمعات والقانون الجنائي والمدني والإداري، والاجتهادات القضائية التي تنظم هذا الحق، نرفض تزييت مدافع البرجوازية للعصف بسلاحنا البسيط وإرجاع العمل لماضيه الأسود المتحرر من كل قيد في وجه الجشع والاستغلال واللصوصية الرأسمالية، ولهذا لا نعول على إرجاع هذا القانون لأي تفاوض فهذا وهم من الأوهام التي يسوقها البعض لتبرير تخاذله و تلكؤه عن المقاومة، ولذلك التأمنا في إطار الجبهة المغربية ضد قانوني الاضراب والتقاعد، يوم الـحد 20 ابريل 2025 بالرباط، بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في ملتقى وطني للتفكير الجماعي في آليات مواصلة معركتنا للتصدي لهذا القانون التجريمي للإضراب حتى إسقاطه، وبلورنا مجموعة من التوصيات والأفكار التي سنعمل على تنزيلها في القادم من الأيام، هذا المعركة نعدها أم المعارك وهي تحتاج للنفس والصبر والنضال الطويل وهذا ما نقوم به.

 

  • دعوتم إلى المشاركة في الإضراب العام يوم 5 و6 فبراير الماضي، إن تجاوزنا تضارب نسب المشاركة بين ما أعلنته النقابات والحكومة، يبدو أن الإضراب بحد ذاته لم يشكل أداة ردع حيث لم يربك خطوات الحكومة، ما دفع بعض الأصوات إلى اعتبار أن آخر إضراب عام ناجح في المغرب هو إضراب 14 دجنبر 1990، برأيكم ما هو سبب فقدان خطوة الإضراب العام زخمها وقدرتها على تعديل موازين القوى؟

 

بالفعل شاركت الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي، من موقعها كعضو نشيط داخل الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد، في الإضراب العام ليومي 5 و6 فبراير، والذي نعتبره الإضراب العام الأكبر في تاريخ المغرب، كما أن نسبة المشاركة فيه تجاوزت 84 في المائة في مجموعة من القطاعات. لم نستطع شل كل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والإدارية في المغرب لأن الخطوة كانت مقررة من أعلى من طرف بعض المركزيات النقابية، وبشكل مباغت، ولم تأت في سياق تعبئة ومعارك على مستويات إقليمية وجهوية ونقاش نقابي موسع، بالإضافة الى أن البعض سعى الى تأسيس جبهة أخرى على هامش الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد، وسعى لتعطيل أي إمكانية لالتقاء الجبهتين.

بعد تأسيس الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد يوم 5 ماي 2024 تأسست يوم الأربعاء 27 نونبر 2024 جبهة اخرى اطلقت على نفسها مسمى “جبهة الدفاع عن ممارسة حق الاضراب”، والتي ضمت مجموعة من المكونات التي باركت سابقا هذا القانون التجريمي، وهذا ما شكل أهم عنصر من عناصر هشاشتها وعدم جديتها، بالإضافة إلى أن بعضها الآخر حين حان وقت الجد في أول اختبار اختار ان يطمر رأسه في الرمل، كما أن بعض القيادات النقابية المؤمنة بالشراكة والتعاون والتعويل على حسن نية الباطرونا، وبدون مواربة أو عبارات مجاملة نقول إنها تخاف من إمكانية أن يتجاوزها النهوض العمالي، ولذلك حاولت تنظيم اضراب ضمن حدود آمنة ومطمئنة لهشيم التحالف الطبقي، من المؤكد بأنه ليس من مصلحتنا إخفاء هذه النواقص فنحن نعتبر بأنه كلما زاد فهمنا لحقيقة شروط قصورنا كلما زادت قوة نضالنا واتضحت طريقنا.

 

  • تطالب النقابات الآن بتنفيذ اتفاق أبريل 2022، وقبل ذلك كانت تطالب بتنفيذ ما تبقى اتفاق أبريل 2011، والذي مازالت منه نقاط عالقة، هذا الاتفاق الذي تم توقيعه في سياق وإن عدنا إلى سنة 2010، نجدها كانت تطالب بالمجمل بما تم الاتفاق عليه سنة 2011، في لحظة تاريخية وسياسية فاصلة، إلى أي مدى تتفقون أو تختلفون مع الرأي القائل بأن النقابات تدفع ثمن مقايضة مطالب شعبية بمكتسبات مادية محدودة؟

يمكن أن أضيف قبل الجواب عن سؤالكم بأن الطبقة العاملة المغربية مازالت تنتظر تنفيذ بعض البنود من اتفاق 1996، وأخرى من اتفاق 23 أبريل 2000، أو 26 أبريل 2011، بنود تهم أحيانا العمل على تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة لفائدة العمال، أو مراجعة بعض النصوص القانونية التي تحد من ممارسة العمل النقابي، أو حتى إحداث محاكم اجتماعية، فبعد مضي 30 سنة أو 25 سنة، أو 15 سنة، مازلنا ننتظر من الدولة ان تعمل على احترام القانون والأحكام القضائية، مما يؤكد بما لا يدع أي مجال للشك أن الباطرونا ودولتها لا يريدان إعطاء أي شيء للعمال، وأن ما يهمهم في كل جولات الحوار هو إزالة كل العوائق والضوابط أمام الرأسمال والبضائع، وتشريع أبواب المغرب أكثر أمام شركات الاستعمار الجديد.

على سبيل المثال، أهم ما تحضر له حكومة رجال الأعمال الحالية والتي تستدعي المركزيات النقابية حين يطيب لها ذلك، خصوصا و أننا لا نتوفر في المغرب على أي مأسسة حقيقية للحوار الاجتماعي بمعناه الواسع، هي “رأسملة” أنظمة التقاعد عبر ما يسمى في إعلام البورجوازيين إصلاحا لنظام التقاعد، بالإضافة إلى نسخ كل المواد المضيئة من مدونة الشغل، علما أنه بعد تمرير قانون تجريم الإضراب 97.15، فإن كل المقتضيات التشريعية التي تضمن حدا من الحماية القانونية للعمال والمستخدمين والموظفين ما عاد لها من معنى إطلاقا.

إن القول بأن الحوارات الاجتماعية يمكن أن يتأتى منها شيء، أو إيهام الشغيلة بإمكانية حلب أي مكسب من سراب الحوار، هو وهم ضار يفسد وعي العمال ويربطهم لطاحونة الرأسمال ويفوت عليهم إمكانية ترميم مبادئ التضامن بينهم لمقارعة جبروت الأغنياء وهمجيتهم، إن ما هو مؤكد هو أنه بعد كل خطوة حوار تتراجع أوضاع الطبقة العاملة سوءا خطوتين إلى الوراء، ولا يمكن انتظار أي مطالب شعبية ولا مكتسبات مادية من هذا النهج النقابي المفرط في تخاذله.

  • شهدت السنوات العشر الأخيرة مستويات غير مسبوقة من التضخم وارتفاع الأسعار، وكثر الحديث عن تفقير أو تدمير الطبقة الوسطى في المغرب، وهو وضع يتطلب إجابات سياسية حتى على المستوى النقابي، بينما نلاحظ أن الحوار الاجتماعي والفعل النقابي يتجهان نحو التركيز على مطالب ذات بعد قطاعي ولا ينفذان إلى التأثير على جوهر السياسات العمومية، ما هي الاستراتيجيات التي تقترحها نقابتكم من أجل معالجة هذا الأمر؟ وما هي التحديات التي تواجهونها؟

 

بالفعل فإن الوضع في البلاد تجاوز ما يمكن تسميته أزمة، بمعنى إمكانية تجاوزها، لقد أصبح كارثة تحلق فوق رؤوسنا من حيث اتساع دوائر الفساد والريع والفقر والاستبداد والبطالة، والغرق في دوامة المديونية، التي تجاوزت 90 في المائة من الناتج الداخلي الخام، ومعالجة هذه الأخيرة بالمزيد من الاستدانة وتجريد الدولة من كل مظاهر السيادة، وتفويض إدارتها سياسيا وعسكريا واقتصاديا لمؤسسات النظام الامبريالي العالمي، وحصر دورها في الوظيفة البوليسية، وتصريف كل هذا على كاهل المقهورين.

هذا الوضع يؤكد نقابيا على فداحة خيارات التماهي مع عصابة الرأسمال وخدمتها، أو الرهان على فعل نقابي يجرد النقابة من جوهرها النضالي، بل الرهان كل الرهان على تعزيز القدرات التنظيمية والنضالية للمكتوين بنيران سياسات الكتلة الطبقية السائدة، وصهرهم داخل بوتقة فعل نضالي موحد مجابه ميدانيا لرأسمالية الكوارث، هذه القناعة هي عين ما جسدناه في الجامعة الوطنية للتعليم – التوجه الديمقراطي، في الحراك التعليمي المبارك، والذي أسقطنا فيه نظاما أساسيا لأطر القطاع بعد إصداره في الجريدة الرسمية، إلا أننا كنقابة تعليمية قطاعية لا نستطيع بمفردنا، كما لا يمكن لأي نقابة واحدة مهما كانت قوتها، الوفاء بمهام أكبر أو أداء وظائف تتجاوز دورها وعلة وجودها، ولذلك فإن من أوجب واجبات كل النقابيين الشرفاء، والجمعيات الحقوقية والقوى السياسية، التي تلتقي حول خدمة مصالح ومطامح الطبقة العاملة، أن تعمل على تكثيف وتعزيز التعاون والتواصل والتحالف لبناء أوسع جبهة ممكنة، لنقل التراكمات التي تحققت على المستوى الاحتجاجي الاجتماعي لمستواها السياسي، بالشكل الذي يمكن أن يوسع المساحة الديمقراطية الكفيلة ببناء مغرب آخر.

 

  • يعرف المشهد النقابي والنضالي تنوعا وتشرذما، في نفس الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات لتوحيد النضالات، فإلى جانب النقابات ظهرت التنسيقيات والمجموعات، إضافة إلى ذلك تتعدد الجبهات (الجبهة الاجتماعية، جبهة ضد قانون الإضراب والتقاعد، الجبهة ضد التطبيع..)، ويبدو أن هذه الدينامية تستنزف القوى النضالية بدل إعطاء زخم للقضايا العمالية والاجتماعية، ما هو تفسيركم لهذا الأمر؟

 

من وجهة نظري لا يكمن المشكل في تعدد الجبهات ( الجبهة الاجتماعية، جبهة الإضراب والتقاعد، جبهة فلسطين…)، والتي ينبغي تقويتها ودعمها وبعث الروح في كل إمكانيات استنهاضها، باعتبار أن كل هذه النضالات تلتقي في النهاية معركة واحدة وهي مجابهة الاستبداد والإمبريالية، وإنما كعب أخيل يكمن في قيادتها من طرف أحزاب البورجوازية الصغيرة، التي لا ترى لهؤلاء الضحايا والمحتجين والمتظاهرين من مستقبل سوى في جرهم لصناديق الاقتراع، ومقايضتهم بمقاعد في حوانيت بيع الكلام، وهو ما يظهر من خلال تحريك تلك الجبهات في مناسبات معينة، واختلاق مبررات تافهة لوأد وإقبار أو تعطيل أخرى.

ما مبرر أولئك الذين جمدوا الجبهة الاجتماعية المغربية حاليا على سبيل المثال؟ وقد أصبح طعام ملايين المغاربة أشبه بطعام أهل جهنم، ناهيك عن تردي الخدمات الاجتماعية، واستفحال الرشوة والغلاء، وخصخصة الخدمات العمومية وانتهاك الحقوق والحريات.

إن هذه الجبهات، في بعض المواقع بالذات، أعطت دينامية جديدة للنضال الشعبي، الشيء الذي منحه قفزات نوعية تبشر بحتمية نهوض شعبي، أقوى وأشد عودا، لانتزاع الحقوق والحريات السياسية والديمقراطية والاجتماعية، وهذا ما يرعب المخزن فيرد معاونوه الصدى باختلاق المبررات الواهية لممارسة الوصاية على هذه التجارب، أو للإحجام عن تطويرها وإعطائها مضمونها الطبقي.

أما بخصوص التنسيقيات فنحن كنا نعتبرها إجابة  موفقة مؤقتا عن المسار الذي اتخذته مجموعة من النقابات التعليمية في علاقتها بوزارة التربية الوطنية، بالشكل الذي كرس عزلتها ومسارها الانحداري والانتحاري، ولذلك عملنا في الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي على توحيدها وصهرها في بناء موحد اتخذ اسم التنسيق الوطني لقطاع التعليم، ولن نبالغ إذا ذكرنا مرة أخرى بأن كل ما تحقق للشغيلة التعليمية كان بفضل الدور الذي قمنا به تنظيما وتأطيرا وتفاوضا وتحريضا، الأمر الذي يستلزم حاليا توحيد نضالها من داخل الجامعة، خصوصا وأن من أهم الدروس المستخلصة من الحراك هو أن المستفيد الوحيد من التشتت والتشرذم وتفريخ الفقاقيع هو المخزن وأعداء الشغيلة.

ختاما نشكركم لإتاحتكم هذه النافذة لبسط بعض الخبرات والمواقف بشأن هذه القضايا، التي تقع في صلب اهتمامنا كنقابيين ديمقراطيين وحدويين منتسبين لخط المجابهة السافر للقهر البورجوازي.

 




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...