فاتح ماي 2025 ببني ملال.. تعبئة شاملة واستعدادات حثيثة ليوم العمال العالمي

 – عمر طويل –

يحل عيد الشغل لهذه السنة وسط أجواء مشحونة بالتوتر الاجتماعي، حيث تسود موجة من الاستياء والغضب في صفوف الشغيلة المغربية، التي وجدت نفسها أمام واقع اقتصادي خانق، واحتقان اجتماعي يتفاقم مع استمرار تأجيل تنفيذ الاتفاقات الاجتماعية، وتزايد الهجوم على الحقوق والمكتسبات النقابية.

على غرار باقي الجهات، تتأهب المركزيات النقابية في جهة بني ملال خنيفرة، لتخليد فاتح ماي في سياق متسم بارتفاع تكاليف المعيشة، واتساع رقعة الهشاشة في الشغل، وسط دعوات جماهيرية واسعة إلى النضال من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية، كما جاء في شعارات وبيانات عدد من الهيئات النقابية بالجهة.

 

ساحات وشوارع بني ملال تستعد لمظاهرات العمال

من أبرز التحركات النقابية في المدينة، إعلان الكونفدرالية الديمقراطية للشغل عن تنظيم مسيرة عمالية، صبيحة الخميس فاتح ماي 2025، تنطلق من ساحة المسيرة وسط بني ملال، في خطوة احتجاجية تعكس حجم الاحتقان وسط الشغيلة. وترافقت هذه الدعوة مع حملة تحسيسية وتنظيمية نشطة شملت المقرات النقابية، توزيع منشورات، ولقاءات مباشرة مع العاملين في مختلف القطاعات.

وأكد الاتحاد الإقليمي للكونفدرالية، ببني ملال، أن هذه المظاهرة تأتي “ردا على الهجمة التي تستهدف الحقوق الاجتماعية، وعلى مشروع قانون الإضراب الذي يهدد الحريات النقابية”، مشيرا إلى أن الحكومة تسعى إلى تمرير قوانين اجتماعية مصيرية بمعزل عن الحوار الثلاثي الأطراف، ما اعتبرته النقابة تقويضا لمسار التفاوض الجماعي ومأسسة الحوار الاجتماعي.

وعلى نفس المنوال، كثفت النقابة الوطنية للعدل، التابعة للكونفدرالية، من أنشطتها التعبوية داخل محاكم بني ملال، من خلال جولات ميدانية، وتعليق لافتات تلخص الملف المطلبي للقطاع، وعلى رأسه تحسين ظروف العمل والتعويضات. كما شهد المجلس الكونفدرالي اجتماعا موسعا استعرض مستجدات الوضع الاجتماعي، وتطرق لموضوع القدرة الشرائية، والتراجع عن بعض مكتسبات التقاعد.

ودعت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بأزيلال إلى حضور التجمع الخطابي الذي ستنظمه يوم الخميس فاتح ماي 2025، تزامنا مع اليوم العالمي للعمال، وذلك احتجاجا على ما وصفته باستمرار تدهور الأوضاع الاجتماعية والمهنية للطبقة العاملة. وطالبت النقابة، في بلاغ لها، برفع الأجور، وتحسين ظروف العمل، وتوسيع الحماية الاجتماعية، إلى جانب الرفع من معاشات التقاعد، مؤكدة رفضها لسياسات التقشف والهشاشة في التشغيل.

وأكدت الكونفدرالية أن هذه الخطوة النضالية تأتي في إطار الدفاع عن العدالة الاجتماعية وكرامة العمال، ورفضا للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تمس مكتسباتهم وحقوقهم الأساسية، وعلى رأسها الحق في الإضراب والحريات النقابية والمفاوضة الجماعية. ودعت كافة الشغيلة إلى التعبئة الواسعة للمشاركة في هذه المحطة وإيصال صوتهم بوضوح في هذا الموعد النضالي.

أما الجامعة الوطنية للتعليم – التوجه الديمقراطي (FNE)، فقد اختارت هذه السنة تنظيم وقفة احتجاجية بساحة المسيرة، وسط مدينة بني ملال، تحت شعار يجمع بين قضايا التعليم والقضية الفلسطينية، ومناهضة العنف، والدفاع عن الكرامة المهنية.

ووجهت الجامعة انتقادات لاذعة لما وصفته بـ “جمود الحوار القطاعي” وتملص الحكومة من تنفيذ اتفاق دجنبر 2023، مع تسجيل تزايد حالات الاعتداء على نساء ورجال التعليم، كما أطلقت دعوة إلى توحيد الصف النقابي في مواجهة ما اعتبرته “ردة حقوقية غير مسبوقة”.

وفي السياق ذاته، دعت فروع الاتحاد المغربي للشغل (UMT)، بجهة بني ملال خنيفرة، الشغيلة الجهوية إلى المشاركة المكثفة في مسيرة عيد العمال العالمي، المقرر تنظيمها صباح الخميس 1 ماي انطلاقا من أمام مقر الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء (RADEET) ببني ملال، تحت شعار: “نضال مستمر لمواجهة انتهاك الحقوق والحريات النقابية والتصدي لغلاء المعيشة”، ويأتي هذا النداء في ظل ظرفية اجتماعية واقتصادية صعبة، تتسم بتفاقم تدهور القدرة الشرائية واستمرار التضييق على العمل النقابي.

وأعلنت الجامعة الوطنية للتعليم التابعة للاتحاد، عن تعبئة مناضليها وعموم أطر قطاع التعليم للمشاركة في هذه التظاهرة، احتجاجاً على تجميد الحوار القطاعي وتصاعد ما وصفته بالاعتداءات على الحقوق النقابية. ودعت الجامعة إلى التكتل والوحدة في صفوف الشغيلة، مؤكدة أن الدفاع عن المكتسبات لن يتحقق إلا بالنضال والتضامن النقابي.

دعوات لتوحيد النضال.. “عيد الشغل محطة احتجاجية وليست احتفالية”

وسط هذه الأجواء، يتفق الفاعلون النقابيون أن فاتح ماي لهذه السنة ليس مناسبة للاحتفال، بل لحظة احتجاجية بامتياز، تضع على الطاولة المطالب الاجتماعية والاقتصادية المتراكمة، وتعكس حجم الغضب العمالي من اختلالات الحوار الاجتماعي، وتردي الوضع المعيشي للطبقة الشغيلة.

كما تتعالى الأصوات المطالبة بإقرار قانون إطار يؤطر الحوار الثلاثي الأطراف، ويضمن تنفيذه عبر آليات ملزمة، مع التشديد على صون الحريات النقابية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للتنظيمات النقابية.

وفي تصريح مطول خص به الجريدة، عبر حسن حرشي، عضو المجلس الوطني للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، عن قلقه العميق من المسار الذي باتت تسلكه الحكومة في تعاملها مع القضايا الاجتماعية الحساسة. وأوضح أن الحكومة الحالية تواصل انتهاج سياسة فرض الأمر الواقع عبر تمرير مشاريع قوانين مصيرية دون العودة إلى طاولة الحوار الثلاثي، في إشارة إلى مشروع قانون الإضراب، ومشروع إصلاح أنظمة التقاعد، ودمج صناديق الحماية الاجتماعية.

وأكد حرشي أن “ما يجري اليوم هو تقويض ممنهج لمكتسبات الشغيلة المغربية، ومحاولة لكسر شوكة العمل النقابي الجاد، عبر تكبيله بقوانين تقيد حق الإضراب وتمنح أرباب العمل صلاحيات واسعة”، مضيفا أن تمرير هذه القوانين خارج دائرة التفاوض يمس بمبدأ التشاركية الذي ناضلت من أجله الحركة النقابية لعقود.

كما عبّر المتحدث عن استيائه من غياب تدخل السلطات الإقليمية لحل النزاعات الاجتماعية محليا، خاصة تلك المرتبطة بالأجور، أو الطرد التعسفي، أو عدم احترام مدونة الشغل. ولفت الانتباه إلى أن “اللجان الإقليمية لحل النزاعات لم تعد تؤدي دورها، مما فتح الباب أمام تغوّل بعض المقاولات وتراجع الضمانات القانونية للعمال، خاصة في قطاعات الأمن الخاص والنظافة”.

وختم حرشي تصريحه بالتأكيد على أن الكونفدرالية ستواصل النضال الميداني، والتصعيد المشروع، دفاعا عن الكرامة والحقوق، داعيا إلى إعادة الاعتبار للحوار الاجتماعي باعتباره ركيزة أساسية للاستقرار.

من جهته، وصف الحسن أحنصال، الكاتب الإقليمي للجامعة الوطنية للتعليم (UMT)، الوضع الاجتماعي بـ “المقلق”، معتبرا أن الحكومة أبانت عن تراجع واضح عن التزاماتها السابقة، خاصة ما تم الاتفاق عليه في دجنبر 2023، والمتعلق بتحسين أوضاع الشغيلة في قطاع التعليم، وتسوية الملفات العالقة في الترقيات والتعويضات.

وقال أحنصال: “الحكومة تروج لصورة وردية عن الحوار الاجتماعي، لكنها في الواقع تتلكأ في تنفيذ الاتفاقات، وتستمر في فرض مقاربات أمنية وتقشفية في التعامل مع المطالب الاجتماعية”. وأكد أن استمرار الهشاشة داخل قطاع التعليم، يعد مؤشرا على غياب إرادة حقيقية للإصلاح.

وأوضح المتحدث أن الجامعة الوطنية للتعليم ستواصل التعبئة الميدانية، وستنخرط في كل المبادرات الوحدوية التي من شأنها إعادة الزخم للعمل النقابي، خاصة في ظل ضعف الحماية القانونية، وغياب إرادة سياسية لتحسين منظومة الأجور.

ولم يخف أحنصال قلقه من المس بالحق في التقاعد، معتبرا أن الإصلاح المرتقب لأنظمة المعاشات يهدد الأمن الاجتماعي لعشرات الآلاف من الموظفين، ويكرس منطق تحميل الشغيلة وحدها تبعات الأزمة الاقتصادية، مطالبا الحكومة بالتراجع عن هذه الاختيارات اللاشعبية.

أما مصطفى الكهمة، عضو لجنة الإعلام بالتنسيقية الوطنية للأساتذة وأطر الدعم المفروض عليهم التعاقد، فقد عبّر عن حالة فقدان ثقة متنامية في الأوساط التعليمية تجاه النقابات التقليدية، التي قال إنها “فشلت في التصدي لمخطط التعاقد، ورضيت بلعب دور الوسيط بدل أن تكون صوتا صادحا بالحق”.

وقال الكهمة إن الوضع أصبح مأزوما داخل المؤسسات التعليمية، حيث يشعر الآلاف من الأساتذة بالتخلي عنهم، في ظل استنزاف نفسي ومهني حاد سببه غياب الأمن الوظيفي، وتأخر المستحقات، والتمييز الإداري بينهم وبين زملائهم في النظام الأساسي.

كما أشار المتحدث إلى أن مشروع قانون الإضراب الذي تحاول الحكومة تمريره، هو “رصاصة الرحمة” على ما تبقى من حرية التعبير والنضال داخل قطاع التعليم، ويهدف إلى إخضاع الأصوات الاحتجاجية ومصادرة حقوق الشغيلة. وأضاف أن “النقابات لم تعد قادرة على احتواء هذا الغضب، وهناك اليوم وعي متزايد بضرورة خلق بدائل نضالية أكثر استقلالية وصلابة”.

وشدد الكهمة على أن التنسيقيات، رغم التضييق، ستظل تمثل صوتا صادما ومقاوما، داعيا إلى وحدة نضالية حقيقية بين القواعد التعليمية والنقابات الجادة، من أجل مواجهة ما وصفه بـ “أخطر هجمة على الوظيفة العمومية منذ عقود”.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...