تكموت والعوينة.. واد بني منصور يرسل إنذاره الأخير

-عمر طويل-

الإنذار الأخير

لم يعد أمام بنعيسى من خيار للبقاء في دوار “تكموت” بعد أن عادت السيول لتوجه إنذارها الأخير لمن بقي متشبثا بأرض أجداده.

جمع بنعيسى ما تبقى من أثاثه، وقرر الرحيل، ومعه بعض ساكنة الدوار. فالمقام بجوار “أسمسيل” أصبح محفوفا بالمخاطر، والسماء لم تعد تبشر بمطر رحمة، بل بسيول وفيضانات لا تبقي ولا تذر، وبجروح ستبقى عالقة في الأذهان.

“لم تعد لدينا ثقة تجعلنا نستمر في العيش هنا.” بهذه العبارة اختصر رشيد وهو أحد شباب الدوار، إحساس الحاضرين الملتفين حولنا وهم يتأملون ما حل بدوار “تكموت” بعد أن عاود وادي بني منصور فيضانه للمرة الثانية خلال أقل من أسبوعين.

ثم يضيف رشيد والغضب يغطي ملامح وجهه الشاحب “مر حوالي 15 يوما على الفيضان الأول، جمعنا ما تبقى من الماشية والحاجيات، ونحن نستعد لمغادرة المكان”، ووجهنا النداءات ولم يسمعنا أحد فكان الخيار الأخير هو المغادرة والرحيل”.

المأساة تتجدد

عاشت ساكنة دوار “تكموت” ببني عياط ليلة الخميس 24 أبريل الجاري، لحظات عصيبة بعد أن فاجأتهم السيول مرة أخرى على حين غرة لتكمل غزوتها التي بدأتها قبل حوالي أسبوعين، ناثرة الرعب في نفوس من ظلوا متشبثين بالدوار وهم يتذكروا الليالي والأيام التي قضوها يلملمون جراحهم بعد أن أتت السيول الجارفة على كل ما يملكون.

“ما عشناه البارحة كان رعبا حقيقيا، هربت من البيت وتركت كل شيء خلفي” تسرد عائشة أعياض جزء من الأهوال التي عاشتها رفقة جيرانها، صابة جام غضبها على المسؤولين، مضيفة “الوضع كارثي ولا أحد حرك ساكنا”.

تم تسترسل في الحديث، وتقاسيم وجهها تحكي كل شيء “في تمام العاشرة ليلا، بدأت السماء ترسل إشاراتها الأولى. هبوب الرياح الباردة حمل في طياته نذير شؤم، فالسكان يعرفون جيدا أن وادي بني منصور لا يمهل. في لحظات قليلة، تلبدت السماء، وهوت أولى القطرات الثقيلة، كأنها إعلان حرب. لم يكن في الإمكان فعل شيء سوى الترقب والخوف والتفكير في المغادرة بأقل الخسائر.

صمت غير مبرر

أمام هذه المأساة، تعود رشيدة، زوجة محمد بن عيسى، بذاكرتها إلى مساء الخميس، حين باغتت السيول سكان دوار تكموت وارتفع منسوب مياه وادي أسمسيل بني منصور بشكل مفاجئ. بعينين دامعتين وصوت متقطع من شدة الأسى، تحكي رشيدة عن خيمتها التي عجزت عن مقاومة السيل، وعن ليلة تشتت فيها أبناؤها في كل اتجاه.

تقول بألم: “لم يأت أحد ليواسيَنا في محنتنا… أبنائي تشردوا، وكل واحد منهم افترش الأرض حيث استطاع، أما ابني الأكبر فقضى ليلته في بيت مهجور… كادت السيول أن تجرفه لولا لطف الله.”

فما أن أرسلت الشمس خيوطها الأولى حتى استفاق أهالي الدوار على فاجعة لا تقل ضررا عن  6 سابقتها، لم تكن الكارثة في ما حمله الوادي من أوحال وصخور فقط، بل في ما كشف عنه أيضا من مرارة التهميش والنسيان.

“من مالنا كَرَينا الآليات باش نحيدو الأوحال… لا جماعة ظهرت ولا عمالة تحرّكت. لا ننتظر معجزة، فقط إلتفافة دافئة، أو مسؤول يتكبد عناء الطريق ليرى بعينيه كيف عايشين.” يقول رشيد، الشاب الذي فتح عينيه منذ طفولته على هذا الجزء من المغرب المنسي، حيث الأمل مؤجل والنجاة قرار لا يصدر.

الرحيل
أمام توالي الفيضانات على الدوار لم يجد الكثير من الأهالي بدا للرحيل فقد أصبح أمرا لا مفر منه، فالبيوت الطينية لم تعد قادرة على الصمود أمام غضب أسمسيل بني منصور. فبعد أسبوع من محاولات لملمت الجراح، عاد السيل أشد شراسة، ليبتلع ما حاول السكان ترميمه بجهدهم الشخصي، ولم يترك لهم وقت كاف لالتقاط الأنفاس.

“قررنا مغادرة الدوار بسبب الواد، فقد أصبح يهدد حياتنا مع بداية كل تساقط للأمطار. في تلك الليلة، هطلت أمطار غزيرة، فبدأنا في جمع أغراضنا استعدادا للفرار. تقول نعيمة الفلاحية وملامحها تحكي عن صبر نفذ بسبب الإهمال والنسيان.

ثم تضيف “وضعت بعض الأغراض فوق الطاولات، والثلاجة، والموقد، ثم صعدنا إلى السطح خوفا من انهيار المنزل علينا. أغلقنا الأبواب، لكن المياه تسربت إلى داخل البيت. لم نعد نثق في هذا الواد، لم يعد هناك مكان آمن للسكن”.

مطالب

أمام حجم الكارثة التي حلت بسكان دواري العوينة وتكموت تتجدد مطالب الساكنة بإحداث وإحياء مشروع سد تلي من شأنه رفع الضرر عن الساكنة.

“ما نريده واضح: لا حلول ترقيعية، لا مسكنات. نريد سدا، لا شعارات” هكذا لخص محمد اليوسفي مطالب تكموت والعوينة.

ويضيف “الساكنة لا تطلب معجزة فقط أن يسمع صوتها وسط هذا الإهمال أن يبنى السد الذي انتظرته سنوات طويلة، ليوقف سيل الخوف واللهلع الذي يسيطر على الدوار”.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...