دماء زهرة الأقحوان

– الحــــافــــــــة حــــســـــن –   

 [email protected]

 

يصلها الخبر عبر شاشة التلفاز.. اليوم عيدكن فافرحي و أشعلي الشموع و تقبلي الهدايا من مَنْ قتل فيك الأنوثة و كسر عظام وجهك، فالوطن يغفر للذكورة امتصاصها لرحيقك طيلة الثلاثمائة و الأربعة و الستين يوما، لكنه لا يُفوتُ له أن ينسى الاحتفال بعيدك. تناسيْ آلامك و تعمدي أن تبتسمي في وجه التلفاز كي يذيعوا صورتك و مُحياك مبتسمُ، ارتدي أبهى حلة و تفقدي يدك الذي كسروها لك لأنك صرخت في وجه من أراد اغتصابك، تحملي أن يتحرشوا بك فالقانون يحمي ذكورتهم المقيتة، و يتفنن في تعذيب أنوثتك المحطمة فوق حلبة هذا الوطن.

لن أكتب المقال في الثامن من مارس و سأكتبه في التاسع منه، و ربما سأنتظر الفاتح من أبريل لأفضح كذبتهم التي أخبرونا فيها: بأنك على حقوقك قد حصلت، و لأنهم سخَرُوا لذلك إعلامهم الرخيص و نقلوه لأعالي الجبال لكي يجعلوا من معاناتك و أنينك و صبرك، مادة دسمة يملؤوا بها نشراتهم الإخبارية التافهة.

لن أكتب عن الثامن من مارس لأني رأيت في عيون النساء حرقة اغتصاب هذا الوطن لحقهن، فتارة يجلدهم بسياط ذكورته المُترسخة في عقلية ذكوره، فيحولها من كائن بعقل ووجدان، لمجرد ونيسة فراش تلبي غرائزه المريضة، و تارة يسلط عليها سياط تجار الدين فيتحول نهداها لمجرد عورة يلزم الحد من فتنتها، و يصير شعرها ناقلا لمرض إثارة شهوات ذلك الزميل، أو العابر للطريق.

 لن أنتزع الورود لأقدمها لك، فزهرة الأقحوان تتألم لنزع جذورها من الأرض، وهكذا أنت تتألمين كلما داسوا على كرامتك و تغنوا بمحاسنك.. فهذا يكيل لك تهمة أنك صرت راغبة في الأكثر، و الآخر بحنجرته يصدح بأن “لا خير في قوم ولوا أمرهم امرأة”، وثالث ينتظر أقرب محطة لينهش من لحمك كضبع ألف النتانة و تربى في مُستنقعات الرجعية و سكن ديار الجهل و الرِدة.

سيحل هذا الثامن من مارس و يمضي و هو آسف عليك، و سيحل نفس الرقم من نفس الشهر من السنة القادمة، و سيجد نفس النشيد يردد على كل لسان: “عيدكن مبروك”، و هو يعرف أن لاشيء تغير، ستبقى أمي أمية جاهلة، مصوا رحيق صباها، و ستظل تلك الممرضة و المعلمة تقطع العشرات من الكيلومترات بخطوات المحارب الغير المُتأفف من عمله. و تلك العجوز في أعالي الجبال تئن من شدة البرد و الفقر، تصيح بأعلى صوتها: “نريد أن نحيا مثل الآخرين”، و يجيبوها انتظري الثامن من مارس كي ننقل كاميراتنا لقراكم… و تلك الفتاة تترقبها الأعين متلصصة على خبايا جسدها، و ما إن تغطي السماء غيمة السواد، حتى تتلقفها أيادي الشر لتنزع عنها ثياب الفضيلة و تمتص رحيقها… و سيقولون لها أنت من أججت غضب شهوتهم.

سيبقى جسدك حكرا على الفتاوى، ستبقين ناقصة عقل و دين، و ستصيرين زوجة تتلقى اللكمات و يقولون لك: ” لعنة الله على من نام زوجها و هو غاضب عليها”، لقد أشفقوا على حال زوجك و لم يرأفوا لأسنانك المحطمة، ستمزق خدك شفرة حلاقة و لن يقفوا بجانبك لأنك خرجت من منزلك وحيدة فالأنثى في عرفهم لا تخرج من منزلها إلا وهي في نعش الوداع الأخير… لقد تناسوا أن أنوثتك شيعوها منذ زمان لمقبرة الشهداء.

اعذريني .. فربما فتحت فيك جروحا حاولتِ نسيانها في عيدك  لكن تذكري أن هناك من الذكور من احتفل معك بصمت، و لم يبادر لتهنئتك برسالة أرسلها لبريدك الإلكتروني، فهو يعلم أن جنسه قد لوث الصفحة، و لأنك أنت زهرة الأقحوان…. أراد أن يمسح الدماء التي سببوها لك بأن قال لك: ثوري فلن تخسري غير قيود الذل التي كبلوا بها جنسكِ.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...