أجرى الحوار: خالد أبورقية
- استفاق العالم نهاية مارس الماضي، على اكتشاف جثامين 14 من العاملين في مجال الإنقاذ ضمنهم 8 من مسعفي الهلال الأحمر الفلسطيني، هل يمكنكم إعطاء تفاصيل عن هذه الجريمة؟
تفاجأنا بقيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بقتل ثمانية من مسعفينا العاملين في محافظة رفح، وذلك بعد أن تلقينا نداء استغاثة في منطقة الحشاشين غرب محافظة رفح. توجهت الطواقم إلى هناك ولكن للأسف تم إطلاق النار عليهم من قبل احتلال الإسرائيلي، هم و6 من افراد الدفاع المدني وموظف تابع للأمم المتحدة أيضا، طبعا هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها استهداف الطواقم العاملة. فهناك 19 من مسعفينا تم قتلهم سابقا من قبل احتلال الإسرائيلي، رغم وجود تنسيق في بعض الأحيان بيننا وبين المنظمات الدولية ذات الصلة، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة.
وبطبيعة الحال أفراد الإسعاف لدينا يرتدون الزي الخاص بهم، ويستقلون عربات الإسعاف التي توضح طبيعة مهامهم الإسعافية، وتحمل شارة الهلال الأحمر التي هي محمية بموجب القانون الدولي الإنساني، ولكن للأسف تعمد قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى استهداف الطواقم سواء بالقتل أو الإصابة أو حتى الاعتقال في بعض الأحيان. طبعا هذه الإجراءات تحد من قدرتنا على تنفيذ عملياتنا الإسعافية بشكل فعال.
وأي خسائر بشرية أو مادية تتعرض لها الجمعية بالتأكيد ستؤثر على طبيعة الخدمات المقدمة، خاصة ونحن في قطاع غزة هناك منظومة صحية مترنحة، وهناك تدهور حاد في الخدمات الطبية بسبب ما نتج عن استهداف المنشآت الصحية.
- ليس هذا الاستهداف الوحيد الذي تعرضت له فرق الإنقاذ في قطاع غزة، فقد تعرضت فرقكم وفرق الدفاع المدني لاستهدافات متكررة، كيف تطورون إجراءاتكم الميدانية والعملياتية وما هي التحديات التي تواجهكم؟
هناك أكثر من 30 مستشفى توقفت عن العمل، وأكثر من 56 مركز رعاية أولية توقف عن العمل، وأكثر من 37 عربة إسعاف تم خروجها أيضا عن العمل، ناهيك عن الإغلاق المتعمد للمعابر وقطع الإمدادات بما فيها الصحية والإنسانية والإغاثية، وبالتالي هناك نقص حاد في الوقود، والأكسجين، وأدوات التخدير والتعقيم، ومستلزمات الجراحة.
وأيضاً استمرار إغلاق المعابر يمنعنا من إجلاء نحو 12 ألف مريض، من أصحاب الأمراض الخطرة، وهم بحاجة ماسة للعلاج خارج قطاع غزة، بسبب عدم توفر الخدمات الطبية لهم بشكل كافي، بالإضافة لوجود 350 ألف مريض من أصحاب الأمراض المزمنة، مثل أمراض القلب والفشل الكلوي والسرطان وغيرهم، هم أيضاً يجدون صعوبة في الحصول على العلاج الخاص بهم.
جميع هذه التحديات تواجه عمل طواقمنا وتعتبر عقبات في سبيل تقديم الخدمات بشكل كاف، ولكننا رغم ذلك نواصل العمل. هناك الاستهداف والنقص الحاد في الموارد، وتعمد الاحتلال الاسرائيلي عرقة عملنا عبر استهداف المنشآت الطبية ومركبات الإسعاف، بل حتى الطرق التي تؤدي إلى المنشآت الطبية، بالتالي نحن نقوم برصد وتوثيق جميع هذه الانتهاكات، ونرفعها إلى الجهات الدولية والحقوقية في المجتمع الدولي، ونتابع الأمر مع شركائنا في الحركة الدولية من أجل الضغط باتجاه إلزام إسرائيل باحترام قواعد القانون الدولي الإنساني، والكف عن استهداف مقدمي الخدمات الإسعافية والصحية.
وطبعا في هذا الصدد نحن ندعو المجتمع الدولي، ونجدد دعوتنا له بضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لمحاسبة من تسببوا في استهداف طواقمنا العاملة، وضمان عدم تكرار هذه الأعمال، وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني، وتمكين طواقمنا من العمل دون عرقلة أو استهداف، ونتمنى أن تُسفر الجهود، المبذولة في هذا الصدد، عن النجاح في تمكيننا من العمل في بيئة سليمة لا يشوبها أي استهداف من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
- تواجه طواقمكم ضغوطا أثناء أداء مهامها، ويشكل الضغط النفسي أحدها، بينما أن تقدم هي نفسها الدعم للضحايا، وخصوصا الأطفال، كيف تدبرون هذه الضغوطات، وكيف تؤهلون طواقمكم لتجاوزها والقيام بمهامها في سياق الحرب؟
بالتأكيد تواجه طواقمنا ضغوطاً عدة خلال عملها الإنساني والإسعافي، في قطاع غزة، ربما أهمها وجزء كبير منه هو الضغط النفسي، حيث أن المسعفين يتحركون في بيئة خطرة، وهم يعلمون بأنهم قد لا يعودون مجدداً إلى عائلاتهم، جراء الاستهدفات الإسرائيلية المتكررة بحقهم، وهناك أيضاً القلق المتواصل على أفراد عائلاتهم كل أفراد طواقمنا لديهم عائلات، ولديهم أطفال يخشون عليهم، فهم بالتالي يكونون ما بين التزامهم بعملهم والقيام بما هو منوط بهم، من التدخلات الإسعافية والصحية والإنسانية، وأيضاً متابعة أمور حياتهم اليومية، وما يتعلق بعمليات النزوح وتوفير الغذاء والمياه والعلاج والأمن لأطفالهم وعائلاتهم.
وبالتالي هذا يشكل ضغوطات كبيرة، من أجل ذلك تعمل دائرة الصحة النفسية على تقديم خدمات الدعم النفسي الأولي لطواقمنا العاملة، وأيضاً للطواقم التي تعرضت لانتهاكات أو تعرضت أفراد أسرها لاعتداءات من قبل الاحتلال الإسرائيلي، نعمل على القيام بتقديم جلسات تفريغ نفسي ودعم نفسي، بهدف التخفيف من حدة التوتر، وأيضاً تقليل هذه الضغوطات.
ولكن بشكل عام هناك الاستهداف الإسرائيلي، وهناك الضغط النفسي، وهناك النقص الحاد في الموارد والإمكانيات التي تحدثنا عنها، ولكن رغم كل هذا ومن مطلق واجبنا الديني والأخلاقي والإنساني الملقى علينا، ككوادر عاملة في الهلال الأحمر الفلسطيني، نواصل عملنا رغم جميع ما سبق من التحديات بهدف عدم ترك أبناء شعبنا الفلسطيني دون أي خدمات طبية، وخاصة في ظل هذه الأوقات الصعبة.
- أنتم جزء من الجسم الدولي لإنقاذ الأرواح، خصوصا منظمات الهلال والصليب الأحمر، هل تتواصلون بشأن ما تتعرضون له مع المنظمات الدولية ومع المنظمات التي تعمل في مختلف الدول، وهل من خطوات يمكنها القيام بها من أجل الضغط لتوفير الحماية لطواقمكم؟
فيما يتعلق بالتواصل مع المنظمات والمجتمع الدولي من أجل توفير الحماية، نعمل على قدم وساق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنظمة الصحة العالمية، والأمم المتحدة، وأيضا الشركاء في الحركة الدولية لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على مستوى العالم، وجميع المنظمات ذات الصلة، من أجل الضغط باتجاه إلزام “إسرائيل” باحترام قواعد القانون الدولي الإنساني، وأيضا الضغط باتجاه توفير الحماية للطواقم العاملة في الميدان، وفي هذا الصدد صدرت العديد من القرارات والمناشدات بهذا الخصوص، وخاصة من مجلس الأمن. وأكثر من مرة كانت لنا مداخلات في مجلس الأمن، ورفعنا إليه جميع هذه الاعتداءات وأشكال هذه الاعتداءات بالأدلة القاطعة.
ولكن للأسف دولة الاحتلال الإسرائيلي تضرب بعرض الحائط جميع هذه المواثيق والقرارات والمناشدات الدولية، وتواصل اعتداءاتها على الأطقم الطبية والصحية والاسعافية العاملة.
نتمنى أن تثمر جهودنا المبذولة، خاصة بعد استهداف المسعفين الثمانية في رفح، ونتمكن من النجاح في إلزام إسرائيل باحترام قواعد القانون الدولي الإنساني، والاتفاقات الدولية وخاصة اتفاقية جينيف الرابعة التي تنص على عدم جواز استهداف أي من مقدمي الخدمات الإسعافية والصحية خلال الحروب والمنازعات.