باحثون يناقشون شبكات التواصل الاجتماعي والتحولات القيمية في ندوة ببني ملال

-عمر طويل-

ناقش أكاديميون وباحثون، أمس الخميس 10 أبريل 2025، التحولات القيمية في المجتمع المغربي في ظل التأثير المتزايد لشبكات التواصل الاجتماعي، وذلك خلال ندوة وطنية احتضنتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال، وشكلت فضاء علميا مفتوحا لتبادل الرؤى حول رهانات العصر الرقمي.

الندوة، المنظمة بتنسيق بين مسار التميز في الصحافة والإعلام (إجازة وماستر) ومركز الدراسات والأبحاث الإنسانية “مدى”، جاءت تحت عنوان: “شبكات التواصل الاجتماعي والتحولات القيمية”، واستقطبت نخبة من الأساتذة والباحثين من تخصصات متعددة، في محاولة لفهم التغيرات التي تمس القيم الاجتماعية والثقافية في ظل الحضور الطاغي للتكنولوجيا الرقمية في الحياة اليومية.

وافتتحت الندوة بكلمات لكل من عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ومنسق ماستر التميز في الصحافة والاعلام، وممثل مركز “مدى”، شددوا فيها على أهمية تناول موضوع التحولات القيمية، ليس فقط من زاوية التوصيف، بل من خلال التحليل النقدي والبحث في البدائل والآفاق.

الجلسة الأولى حملت عنوان: “تكنولوجيا التواصل بين الحرية والاغتراب والاحتجاج”، وناقشت ثلاثة محاور أساسية؛ أولها التحولات الاجتماعية والثقافية التي أحدثتها وسائط التواصل، من حيث أدوارها في المناصرة أو المقاومة.

كما قدمت خلال هذه الندوة قراءة من منظور المجلس الوطني لحقوق الإنسان لحرية التعبير في الفضاء الافتراضي، إضافة إلى مقاربة سوسيولوجية للفعل الاحتجاجي الرقمي، ومحاولة تفسيره في ضوء النظريات المعاصرة.

في الجلسة الثانية، التي عقدت تحت عنوان: “شبكات التواصل الاجتماعي والتحولات الثقافية”، تطرق المتدخلون إلى مواضيع مثل أخلاقيات التواصل في الفضاء العمومي، وتحولات تمثلات الذات على منصات مثل إنستغرام وفيسبوك، مع رصد تأثير هذه الوسائط في تشكيل أو تهديد رأس المال الاجتماعي. كما توقف النقاش عند ظاهرة التعاطف الرقمي مع شخصيات مهربين، في محاولة لفهم خلفيات هذا السلوك وتبعاته المجتمعية.

أما الجلسة الثالثة والأخيرة، فقد ركزت على “الهوية والنوع الاجتماعي في شبكات التواصل الاجتماعي”، وعرفت عرضين؛ الأول حول تسليع العلاقات الأسرية والجندرية في الفضاء الرقمي، والثاني دراسة حالة حول تأثير هذه الشبكات على بناء الهوية لدى مراهقي مؤسسات الرعاية الاجتماعية، من خلال نموذج “دار الطالب” بتنغير.

الندوة، التي نسقها الأساتذة إدريس جبري، محمد جليد، وزكرياء أكضيض، تميزت بجودة المداخلات وغنى النقاش، كما أفسحت المجال أمام طلبة الماستر والإجازة والباحثين الشباب للتفاعل وطرح تساؤلاتهم حول مستقبل القيم في ظل ما يطرحه الواقع الرقمي من إشكالات جديدة، وأحيانا معقدة.

محمد جليد، أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال وعضو مركز الأبحاث والدراسات الإنسانية “مدى”، أكد في تصريح لملفات تادلة 24، أن هذه الندوة تطرق موضوعا حيويا وراهنيا، لأن شبكات التواصل الاجتماعي تطرح تحديات على مستوى التفكير والممارسة.

وأضاف المتحدث موضوع الشبكات الاجتماعية هو مجال جديد يقتضي منا أن نعرف الإشكالات التي تطرحها، مشيرا إلى أنها تقدم إمكانيات لتطوير الممارسة المهنية، لكنها تطرح تحديات، خاصة على مستوى أخلاقيات العمل الصحفي.

وأبرز الأسناذ جليد “نحن نسعى من خلال هذه الندوة إلى إشراك المجال الأكاديمي، من أساتذة وطلبة، في التفكير في هذه القضايا المستجدة، على أمل أن تُسهم في تقديم رؤى تغني النقاش الإعلامي الراهن.”

محمد بالأشهب، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال، أوضح أن هذه الندوة تندرج في إطار الأنشطة العلمية التي تنظمها الكلية، وتنسجم مع رهانها في تمتين علاقتها بمحيطها الاقتصادي والتكنولوجي، قائلا: “الندوة الأولى تتعلق بالتحولات القيمية المرتبطة بالتواصل الرقمي، ونُظمت في إطار مسار التميز في الصحافة والإعلام، في محاولة للإصغاء للتحولات التي يعرفها العالم الرقمي، وتأثيرها على المنظومة القيمية. أما الندوة الثانية فتتناول قضايا المعنى في اللغة والأدب، وتأتي تكريما لأستاذ كرّس سنوات من عطائه العلمي داخل الكلية، وهي مناسبة للتفكير في المعنى كقيمة إنسانية مركزية.”

من جهته، اعتبر محمد سليماني، أستاذ باحث بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، أن الندوة ثمرة تنسيق مشترك بين مسار التميز في الصحافة والإعلام ومركز مدى، وجاءت لمقاربة قضية أصبحت مركزية في حياتنا اليومية، قائلا: “شبكات التواصل باتت تؤثر على كل مناحي الحياة، من اللغة إلى السلوك والقيم. وقد جاءت الندوة لتمنح طلبة المسار فرصة للانفتاح على الإشكالات التي تطرحها هذه الوسائط، ومقاربة رهاناتها المعرفية والمجتمعية الراهنة.”

وقد أجمعت أغلب المداخلات على أن شبكات التواصل الاجتماعي لم تعد مجرد وسيلة للترفيه أو التعبير، بل تحولت إلى فاعل مؤثر يعيد تشكيل مفاهيم كبرى مثل الحريات، الهوية، القيم، والانتماء، وهو ما يفرض الحاجة إلى مواكبة علمية ونقدية مستمرة لفهم هذه التحولات واستيعاب تداعياتها على الفرد والمجتمع.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...