قطاع الزيتون بجهة بني ملال-خنيفرة يأمل في انتعاشة بعد التساقطات الأخيرة

 – عز الدين أهرموض –

شهد قطاع الزيتون في المغرب انتعاشًا ملحوظًا عقب التساقطات المطرية الأخيرة، التي جاءت في وقت حرج لتعويض نقص المياه الذي عانت منه الأشجار لسنوات. في جهة بني ملال-خنيفرة، إحدى أهم المناطق المنتجة للزيتون بالمملكة، استبشر الفلاحون وأصحاب المعاصر بهذه الأمطار التي حسّنت جودة الثمار وعززت الإنتاج. ومع ذلك، لا تزال الأسعار مرتفعة، ما يثير قلق المستهلكين والمهنيين على حد سواء.

في حديث مع صاحب معصرة عصرية في أيت اعتاب، أكد أن إنتاج الزيتون هذا العام كان أقل بكثير مقارنة بالمواسم السابقة، مشيرًا إلى أن الأسعار شهدت ارتفاعًا ملحوظًا. وأوضح قائلاً: “ثمن شراء الزيتون بلغ 15.5 درهمًا للكيلوغرام، أي من 1500 درهم إلى 1600 درهم للقنطار، مما يعني أن سعر الزيت سيتجاوز 100 درهم، بينما سيباع للمستهلك النهائي بأكثر من 120 أو 130 درهمًا للزيت الأصلي.”

وأوضح أحد تجار الزيتون، في تصريح لجريدة “ملفات تادلة” أن جودة الإنتاج تختلف بين المناطق السهلية والجبلية، وقال: “بالنسبة للزيتون في جهة بني ملال، نجد أن إنتاج السهول أفضل مقارنة بالمناطق الجبلية، وذلك بفضل توفر السقي، في حين أن الجفاف أثر بشكل كبير على أشجار الزيتون في المناطق المرتفعة. أما بخصوص الأسعار، فهي تتراوح حاليًا بين 15 و16 درهمًا للكيلوغرام.”

صاحب معصرة آخر من المنطقة، أشار في تصريح لجريدة “ملفات تادلة” إلى ارتفاع أسعار زيت الزيتون وتأثيره على القدرة الشرائية للأسر المغربية، موضحا أن “ثمن الزيت يتراوح بين 115 و120 درهمًا، وهناك أنواع أخرى بأسعار مرتفعة تصل إلى 100 درهم، لكنها ليست بالجودة التي يبحث عنها المستهلك، لقد أصبح زيت الزيتون يُقارن بالعسل الحر، سواء من حيث الجودة أو السعر، حتى إنه أصبح من الصعب التمييز بين الزيت الأصلي والمغشوش”.

وأضاف المتحدث “بالنسبة للأسر ذات الدخل المحدود، لم يعد لتر من الزيت يكفي سوى ليومين أو ثلاثة،. قبل سنوات، كنا نحتج عندما وصل سعر الزيت إلى 90 درهمًا، أما الآن فقد بلغ السيل الزُّبى! إذا استمرت الأوضاع على هذا الحال، فلن نرى زيت الزيتون إلا في الإعلانات التلفزيونية. كيف يمكن أن نصل إلى هذا الوضع ونحن بلد يزخر بآلاف الهكتارات من أشجار الزيتون؟ لقد انتقل السعر من 40 درهما إلى 120 درهما في غضون سنوات قليلة.”

من جانبه، أشار بائع آخر، أثناء عرضه لزيت الزيتون “البِكرة”، إلى أن الإنتاج شهد تراجعًا حادًا هذا الموسم بسبب قلة الأمطار، وفقدان عدد كبير من أشجار الزيتون، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق. وقال: “الطلب أكثر من العرض، فالكثيرون يبحثون عن الزيت، لكن الكميات المتوفرة قليلة جدًا. حاليًا، يُباع زيت الزيتون بالجملة بسعر يتراوح بين 100 و105 دراهم للتر، بينما يصل سعر البيع للمستهلك إلى 115 درهمًا، ويمكن أن ينخفض إلى 110 دراهم عند شراء كميات أكبر.”

ووفق آخر الإحصائيات، (نونبر 2024) تواصل جهة بني ملال-خنيفرة تصدرها كأول مزود بزيت الزيتون على المستوى الوطني، حيث تسهم بنحو 17% من الإنتاج الوطني. ورغم التحديات المناخية، بما في ذلك ست سنوات متتالية من الجفاف والتراجع غير المنتظم للتساقطات المطرية، فإن الموسم الحالي يشهد تحسنًا في الإنتاج، إذ من المتوقع أن يصل إلى 96 ألف طن، بزيادة 18% عن الموسم السابق، الذي سجل 81 ألف طن.

وأوضحت وكالة المغرب العربي للأنباء، في تقرير، أن هذه الزيادة تعود بالأساس إلى تنفيذ ست عمليات للسقي التكميلي تحت إشراف المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لتادلة، وهو ما ساعد على التخفيف من آثار ندرة المياه وتعزيز إنتاجية القطاع. كما أشارت إلى أن التساقطات المطرية والثلجية الأخيرة ساهمت في رفع نسبة ملء السدود الرئيسية، ولاسيما سد بين الويدان وسد أحمد الحنصالي، ما انعكس إيجابيًا على زراعة الزيتون.

وتحتل زراعة الزيتون مكانة رئيسية في المنظومة الفلاحية بالجهة، حيث تغطي نحو 73% من إجمالي المساحات المزروعة بالأشجار. حيث تشمل المساحات المزروعة بالزيتون 67,400 هكتار في المناطق المسقية، أي 63% من إجمالي المساحة، في حين تمتد في المناطق البورية على 38,828 هكتار، أي 37%. وساهمت جهود توسيع المساحات المزروعة بأنظمة الري الحديثة إلى انتقال المساحة المسقية باستخدام الري الموضعي من 750 هكتار إلى 8,800 هكتار منذ إطلاق مخطط المغرب الأخضر، وهو ما يعكس توجهًا نحو ترشيد استهلاك المياه وضمان استدامة القطاع.

وأبرز تقرير لوكالة المغرب العربي للأنباء أن أسعار الزيتون في الجهة تتراوح حاليًا بين 14 و15 درهمًا للكيلوغرام، بينما تتراوح أسعار زيت الزيتون بين 90 و110 دراهم للتر، وهي أسعار يراها المنتجون مقبولة رغم تأثير الجفاف على العرض. كما أشار إلى أن القطاع يمثل دعامة أساسية للاقتصاد المحلي، حيث يوفر ما بين 3 و4 ملايين يوم عمل سنويًا، خصوصًا خلال موسم الجني، كما يدعم نشاط حوالي 2000 معصرة موزعة في مختلف مناطق الجهة، ما يعزز فرص الشغل والدخل.

وتتميز جهة بني ملال-خنيفرة بزراعة أصناف متنوعة من الزيتون، إذ يظل صنف البيكولين المغربي الأكثر انتشارًا بنسبة 85% من إجمالي المساحة المزروعة، بينما تشغل الأصناف الإسبانية مساحات أقل لا تتجاوز 10%. بينما تؤكد تقارير صحافية أن زيت الزيتون المنتج في الجهة يحظى بطلب متزايد نظرًا لجودته العالية، حيث يحافظ زيت البيكولين على نكهته المميزة ولونه الأخضر لفترات طويلة مقارنة بالأصناف الأخرى، فضلًا عن قدرته على مقاومة الحرارة بفضل خصائص أوراقه التي تحافظ على الماء.

وأشارت وكالة المغرب العربي للأنباء إلى أن جهودًا كبيرة تبذل لدعم القطاع في مواجهة تحديات التغير المناخي والجفاف، حيث تعمل المديرية الجهوية للفلاحة والمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لتادلة على تنفيذ برامج لتحديث وحدات عصر الزيتون، وتحسين إنتاج زيتون المائدة، مع التركيز على الامتثال للمعايير الصحية والبيئية. كما أبرزت أن استراتيجية الجيل الأخضر 2020-2030 تضع سلسلة من المشاريع لدعم التعاونيات الفلاحية وتثمين الإنتاج المحلي، من خلال توفير تمويلات موجهة لتحديث القطاع وتعزيز قدرته التنافسية. وختمت وكالة المغرب العربي للأنباء بأن هذه الجهود تهدف إلى ضمان استدامة زراعة الزيتون والحفاظ على مكانة الجهة كأكبر منتج لزيت الزيتون في المغرب، رغم التحديات المناخية التي تواجهها.

وأفادت الاذاعة الوطنية بأن المغرب شهد منذ 22 فبراير 2025 تساقطات مطرية غزيرة تراوحت بين 8 ملم في طانطان و349 ملم في طنجة، وهو ما يعادل أكثر من ضعف المعدل المعتاد خلال هذه الفترة من السنة. وأشار الخبراء الزراعيون إلى أن هذه التساقطات ساعدت بشكل كبير في تقليص العجز المائي الذي عانى منه المغرب نتيجة توالي سنوات الجفاف. كما أضاف المصدر أن هذه الأمطار تزامنت مع انخفاض درجات الحرارة، مما يُعد عاملاً إيجابيًا لنمو أشجار الزيتون، خصوصًا مع اقتراب فترة الإزهار التي تبدأ في أبريل القادم.

وفي هذا السياق، نقلت الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة عن عبد العالي زاز، عضو مكتب الفيدرالية البيمهنية المغربية للزيتون، تأكيده أن الظروف المناخية الحالية ستنعكس إيجابيًا على الأشجار، وستساعد في تحسين الإنتاج مقارنة بالمواسم السابقة. وكشف نفس المصدر أن إنتاج الزيتون في المغرب انخفض بنسبة 11% مقارنة بالموسم الماضي، وبنسبة 40% مقارنة بسنة فلاحية عادية، وذلك بسبب توالي موجات الجفاف خلال السنوات الأخيرة.

وأفادت معطيات حكومية بأن متوسط الإنتاج السنوي لا يتجاوز 100 ألف طن، وهو أقل من معدل الاستهلاك الوطني الذي يتراوح بين 130 و140 ألف طن سنويًا. وأدى هذا النقص إلى ارتفاع الأسعار، حيث تراوح سعر الزيتون بين 12 و16 درهمًا للكيلوغرام، بينما بلغ سعر زيت الزيتون بين 100 و110 دراهم للتر الواحد، مقارنة بأسعار الموسم الماضي التي تراوحت بين 85 و90 درهمًا.

وفي هذا الصدد، أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، أن قطاع زيت الزيتون يحظى بأهمية كبيرة في السياسة الفلاحية الوطنية. وأوضح أن متوسط الإنتاج في السنوات الثلاث الأخيرة بلغ 100 ألف طن، رغم التحديات المناخية. كما أشار إلى أن الجدل حول أرقام المفوضية الأوروبية بشأن صادرات زيت الزيتون المغربي غير دقيق، موضحًا أن التصدير يقتصر على نوع معين من الزيت يُعرف بـ” extra vierge”، والذي يخضع لتعاقدات خاصة، حيث لم تتجاوز صادرات هذا الصنف 4600 طن من أصل 100 ألف طن، في حين بلغ إجمالي الصادرات 8 آلاف طن فقط.

وأكد بايتاس، في ندوة صحافية يوم 13 مارس، أن الحكومة اتخذت إجراءات لضمان تزويد السوق المحلية، من خلال تقنين تصدير زيت الزيتون وتشجيع استيراده. كما أشار إلى الجهود المبذولة ضمن مخطط المغرب الأخضر، الذي يهدف إلى توسيع المساحات المزروعة بالزيتون، ودعم الفلاحين ومنتجي الزيتون لتعزيز الإنتاج الوطني وضمان استقرار الأسعار.

يعاني القطاع من تأثير الجفاف الممتد لسنوات، حيث انخفض الإنتاج بنسبة 11% مقارنة بالموسم الماضي. ومع ذلك، فإن الجهود الحكومية مستمرة لدعم القطاع، من خلال تحسين أنظمة الري وتحديث وحدات العصر. كما أن الإجراءات المتخذة للحد من تصدير الزيت واستيراده تهدف إلى استقرار السوق المحلية. ورغم التحديات، تظل جهة بني ملال-خنيفرة في صدارة الإنتاج الوطني، وسط آمال بأن يسهم تحسن الظروف المناخية في تعزيز الإنتاج خلال المواسم القادمة.

 * صحافي متدرب




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...