– عائشة العلوي* –
تعاني المرأة الفلاحية في المغرب من تحديات بنيوية عميقة تُكرّس هشاشتها الاجتماعية والاقتصادية، رغم مساهمتها المحورية في سلسلة القيمة الزراعية والأمن الغذائي. تُشكّل النساء نسبةً كبيرةً من القوى العاملة في المجال الفلاحي، حيث يمارسن أنشطة متعددة تتراوح بين الزراعة والرعي وجني المحاصيل وتسويق المنتجات. ومع ذلك، غالبًا ما يُصنَّف عملهن ضمن إطار “المساعدة العائلية” بدلًا من الاعتراف به كوظيفة مستقلة ذات قيمة اقتصادية ملموسة. هذا التصنيف المجحف يعقّد تحديد وضع المرأة الفلاحية قانونيًا، إذ إن غالبية العاملات في القرى والمناطق الجبلية والواحات يعملن ضمن اقتصاد غير مهيكل أو في نطاق الأسرة، ما يحرمهن من أي حماية قانونية أو اعتراف اجتماعي بدورهن الاقتصادي
تواجه العاملات في القطاع الفلاحي مخاطر متعددة تبدأ من مرحلة التنقل إلى أماكن العمل، حيث يتم نقلهن في مركبات غير مؤهلة لنقل البشر، ما يجعلهن عرضة لحوادث مميتة تتكرر بشكل مأساوي. هذه الممارسات الخطيرة، التي تنتهك أبسط معايير السلامة المهنية، لا تزال تستمر بسبب غياب الرقابة الفعالة وضعف تطبيق التشريعات. كما تعاني العاملات من ظروف عمل قاسية تشمل التعرض المباشر للمبيدات الكيميائية دون وقاية، والعمل لساعات طويلة تحت ظروف مناخية صعبة، وحمل أحمال ثقيلة تؤثر سلباً على صحتهن الجسدية على المدى المتوسط والبعيد. وتفاقم هذه الأوضاع هشاشتهن في ظل غياب التغطية الصحية والضمان الاجتماعي، ما يتركهن دون أي حماية في حال التعرض لحوادث أو أمراض مهنية
في محاولة لتحسين أوضاعهن المعيشية، تضطر العديد من النساء إلى الهجرة الموسمية للعمل في حقول الفراولة بإسبانيا، حيث يواجهن أشكالاً متعددة من الاستغلال. فرغم أن هذه العقود تتيح لهن فرصة كسب دخل أعلى، إلا أنها غالبًا ما تكون مرتبطة بشروط عمل استنزافية، وأجور لا تتناسب مع الجهد المبذول، فضلًا عن ضعف الحماية القانونية. والأسوأ من ذلك، أن بعض العاملات يتعرضن للاستغلال الجنسي والتحرش من قبل مشغلين يستغلون هشاشتهن وعدم درايتهن بحقوقهن. كما أن ظروف الإقامة في بعض الحالات غير إنسانية، رغم وجود اتفاقيات ثنائية بين المغرب وإسبانيا تهدف إلى حماية حقوق هذه الفئة. إلا أن ضعف آليات الرقابة، وعدم توفر أنظمة فعالة للتبليغ عن الانتهاكات، يجعل العاملات في موقف ضعيف، ويفتح الباب أمام استغلالهن دون محاسبة.
ولا تقتصر هذه المعاناة على العاملات في الزراعة التقليدية، بل تمتد إلى العاملات في القطاعات البحرية، مثل الصيد وجمع الطحالب البحرية. تواجه هذه الفئة تحديات إضافية بسبب خطورة الظروف المناخية وطبيعة العمل في البيئة البحرية، إضافة إلى غياب أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية أو القانونية. ورغم الدور الاقتصادي والاجتماعي المهم الذي تلعبه هذه الفئة من النساء، إلا أن الحديث عن ظروفهن يظل محدوداً مقارنة بالتركيز على العاملات في الحقول والرعي، ما يعكس تهميشاً مزدوجا لهن.
يتطلب تحسين أوضاع المرأة الفلاحية مقاربة شاملة تبدأ بتعزيز الحماية القانونية من خلال إلزام المشغلين بتوفير وسائل نقل آمنة وتطبيق صارم لمعايير السلامة المهنية. كما يعد إدماج العاملات في القطاع غير المهيكل ضمن أنظمة الضمان الاجتماعي خطوة أساسية لتخفيف حدة هشاشتهن الاقتصادية والاجتماعية. على المستوى الدولي، يجب تفعيل آليات رقابة أكثر صرامة لضمان تطبيق الاتفاقيات الثنائية الخاصة بالعاملات الموسميات، مع إنشاء قنوات فعالة لتلقي الشكاوى ومتابعتها.
على المستوى المحلي، فيمكن تعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة القروية عبر دعم التعاونيات النسائية وتسهيل حصولها على التمويلات الصغيرة، إضافة إلى تطوير برامج التكوين المهني التي تتناسب مع احتياجات السوق. كما أن تغيير الصورة النمطية عن عمل المرأة الفلاحية، والاعتراف الحقيقي بقيمته الاقتصادية، يُعدّ عنصرًا أساسيًا لضمان حقوقها وتحسين وضعها الاجتماعي.
إن حماية حقوق المرأة الفلاحية ليست مجرد قضية عدالة اجتماعية، بل هي استثمار في تنمية الاقتصاد القروي والأمن الغذائي الوطني. فالمرأة الفلاحية ليست عاملة هامشية، بل هي شريك استراتيجي في عملية التحرر التنموي للبلاد. تحقيق هذا الاعتراف يتطلب إرادة سياسية حقيقية تترجم الخطابات الحقوقية إلى سياسات فعلية، مع تخصيص الموارد الكافية لضمان نجاحها. فقط من خلال هذا النهج الشامل والمتكامل، يمكن كسر دائرة التهميش التي تعاني منها المرأة الفلاحية، بما يمكن من تعزيز مكانتها من أجل مساهمة كاملة وعادلة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، التي تعتبر مدخل حقيقي لتعزيز السيادة الوطنية على كافة المستويات.
* أستاذة باحثة وخبيرة في مجال التنمية الاقتصادية