أجرى الحوار: خالد أبورقية
- عرف المغرب خلال الأسابيع الأخيرة تساقطات مطرية مهمة، وهو ما بعث الأمل في النفوس بأثر إيجابي على المزروعات، حسب خبرتكم، ما مدى الأثر الذي ستخلفه هذه التساقطات على الموسم الفلاحي؟
التساقطات المطرية التي شهدتها بلادنا في الأيام الأخيرة كان لها وقع طيب، وكما هو معلوم فالماء خير في أي وقت وفي أي ظروف يأتي، فهو مصدر الحياة ودائما هو أعز ما يطلب وأعز ما يمكن أن نأمله. هذه التساقطات التي تأتي لتكسر ظاهرة مناخية أصابت بلدنا لفترة طويلة ناهزت أو فاقت ست سنوات، والتي تجلت أساساً في المرتفع الآصوري الذي حال دون دخول الاضطرابات الباردة إلى أجواء بلدنا، والذي أصابه مؤخراً ضعف ملموس فأصبح غير قادر على لعب الدور الذي لعبه سابقاً، وتمكنت الاضطرابات القادمة من الشمال ومن الغرب، خصوصا الاضرابات الباردة، من الوصول إلى الطبقات العليا في بلادنا واختلطت مع الكتل الدافئة فأنتجت الأمطار التي شهدناها.
هذه الأمطار بطبيعة الحال سيكون وقعها إيجابياً جداً على الفلاحة في بلادنا، وعلى التنمية، وكذلك الدورة الاقتصادية، لأننا نعلم أن نتائج الموسم الفلاحي تؤثر كثيراً على النمو في بلادنا، بحكم أن الفلاحة تلعب دوراً كبيراً جداً، على مستوى التشغيل وعلى مستوى الإنتاج وعلى مستوى القيمة المضافة.
- يلاحظ أن الأمطار أتت بشكل متأخر بالنسبة للمناطق الزراعية “البورية”، التي تعتمد على مياه الأمطار، وهو ما يعني أن الموسم الفلاحي بهذه المناطق يعتبر منتهيا، برأيكم ما هي الإجراءات الهيكلية التي يجب اتخاذها بهذا الشأن؟
لا شك أن هذه التساقطات كما أسلفت سيكون لها وقع جيد على المنتج الفلاحي خصوصاً ما يتعلق بتوفير الكلأ للماشية، وهو ما من شأنه أن يبعث الأمل خصوصاً في تعويض ما فقد من القطيع الحيواني في بلادنا، وهو شيء ليس بالهين ولا باليسير، يكاد يتجاوز الثلث من ثروتنا الحيوانية، وكذلك ستكون لها انعكاسات على المزروعات، خصوصا المزروعات الربيعية، وعلى وجه الخصوص أشجار الزيتون وكل أشجار المثمرة، وسيكون لهذه الأمطار وقع ايجابي جدا على مستوى المحصول.
هذه الأمطار التي جاءت متأخرة، سيكون لها تأثير جيد، كما ذكرنا، على كل المنظومة الفلاحية، وحتى المناطق البورية التي عادة هي مناطق لزراعة الحبوب ستستفيد، وإن كان الموسم الفلاحي العادي، وأقصد الزراعة الخريفية، قد تأثرت بشكل كبير بتأخر الأمطار، وهو ما سينعكس على المحصول الفلاحي، على “الصبا” في لغة الفلاحين، ولكن الأمل في الله كبير في أن يتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإلا كما أشرنا فإن الكلأ سيعوض الكثير من هذه الخسائر.
- تأتي هذه التساقطات في سياق إجهاد مائي يعيشه المغرب منذ سنوات، حسب متابعتكم واطلاعكم، كيف تقيمون وضعية المغرب المائية، وبأي نسبة ابتعدنا عن منطقة الخطر، بناء على واردات حقينات السدود وتعزيز الفرشة المائية؟
ما يهم هنا بالخصوص، هو أن يوضع حد لمسار الإجهاد المائي، بهذه الهبة الربانية، بحيث ستخفف بشكل ملموس آثاره السلبية، وكذلك سنجد أن الوضعية العامة للفلاحة وارتباطها بفرص الشغل وبفرص العمل، التي ضاع الكثير منها، (ما يتجاوز 130 ألف فرصة عمل ضاعت بسبب الجفاف)، من شأن هذه الأمطار بطبيعة الحال أن تؤثر إيجابا في هذا المنحى.
وأهم ما يمكن أن نضيف هنا، هو إنعاش المخزون المائي، الذي يقترب من 40 %، في الوقت الذي كان في نفس الفترة من السنة الماضية في حدود الربع، حيث لم يتجاوز 26 %، وهو حالياً على مشارف 38 %، ويتوقع أن تكون هناك تساقطات أخرى ليصير 40 %، وهي نسبة جيدة جداً، إن بلغنا 40 % على الصعيد الوطني، والحال أن مجموعة من الأحواض (حوالي 7 أحواض من 9 في المملكة) تجاوزت نسبة الخمسين في المائة وهو أمر جد حميد.
إضافة إلى هذا نشير أيضا إلى أن مسألة الفرشات المائية، التي تضررت في السنوات الأخيرة بسبب الاستنزاف الذي تعرضت له بطبيعة الحال، لأنها بقيت من المصادر القليلة التي لجأ إليها الفلاح لكي يقوم بعملية السقي، وكذلك للتزويد المناطق القروية بحاجياتها من الماء، هذه الفرشات التي تضررت كثيراً، ستكون هذه الأمطار إن شاء الله مساهمة في تعويض ما ضاع منها، وإن كان الأمر يتطلب وقتا طويلاً، لأن الفرشات المائية مخزون استراتيجي يتعامل معه بحذر شديد، وتتكون على مر عشرات السنين، ولا يمكن تعويضها في أسبوعين، ولكن ستتنفس الصعداء وسيعود جانب من الآبار في مناطق معينة بمعطيات طوبوغرافية/ معينة ستعود إلى أن الانسياب من جديد.
- قرر الملك محمد السادس دعوة المواطنين إلى عدم ذبح الأضاحي هذه السنة، من أجل إنقاذ القطيع بالدرجة الأولى، ما هو أثر الأمطار الأخيرة على وضعية القطيع، وما هي الإجراءات التي يجب اتخاذها من أجل حمايته وتطويره؟
كما هو معلوم جلالة الملك طلب من الشعب المغربي أن يمتنع عن إقامة شعيرة الذبح في هذه السنة، وهذا أمر هام جداً بالنسبة للمحافظة على القطيع، من أجل عدم إرهاق يعني العالم الفلاحي، وهذه الأمطار ستأتي لكي تتكامل مع هذا الإجراء الإيجابي جداً، في أن تعود الحياة إلى مجال تربية المواشي.
إذا تم احترام عدم ذبح الإناث من الغنم وكذلك من الماعز، سيكون لذلك وقع جيد في إعادة الحياة إلى القطع الحيواني المغربي.
- قلتم في حوار أجريناه معكم السنة الماضية، إن السلطات أمضت وقتاً طويلاً في تدبير العرض على مستوى الإنتاج، ولم تنتقل في الوقت المناسب إلى تدبير الطلب، كان ذلك عقب إقرار المخطط الاستعجالي للأنظمة المائية، بعد سنة كاملة على تطبيقه، ما هو تقييكم لما تم اتخاذه من إجراءات، وما الذي تم إغفاله؟
كما سبق وأشرت في لقاء سابق، الدولة المغربية، والقطاعات الرسمية المعنية، كانت دائماً تعطي الأولوية لمسألة الإنتاج، وآن الأوان لكي نرجع إلى الشق الثاني، المهم والاستراتيجي، وهو تدبير الاستهلاك. وتدبير الاستهلاك هو شيء أساسي للحفاظ على المخزون، خصوصاً وأن المصادر السطحية معرضة للاستهلاك والاستنزاف وتعاظم الطلب، بحكم موجات الحرارة العاتية والتي تتسبب في تبخّر هذه المصادر، إضافة إلى ارتفاع الاستهلاك الآدمي والفلاحي، ولذلك أريد أن أوجه نداءً ألاّ نغتر بهذه التساقطات، كما يقول المثل المغربي “ما قطعناش الواد ونشفو رجلينا”، لأننا لا زلنا في إطار المشكل، والخصاص لازال يناهز 60 % من المخزون الوطني، والطلب يزداد، والمناخ خصوصا في الصيف المقبل مرشح لكي يعرف موجات حرارة عالية.
وعليه فإنه من الضروري جداً أن نلجأ إلى المصادر غير التقليدية، وأن نعمل على التحسيس المستمر، ومن هنا أثمن مبادرتكم هاته، وأن نعمل على الترشيد والعقلنة، بما في ذلك ترشيد وعقلنة الموارد، وأن نفعّل الترسانة القانونية الوطنية، وهي ترسانة جدّ متقدمة مقارنة مع باقي دول حوض البحر الأبيض المتوسط، حتى نتمكن من حماية هذه الموارد، وأن نستفيد من هذه الفرصة الذهبية التي أتاحها الله سبحانه وتعالى للمغرب والمغاربة بهذه الأمطار التي نحمد الله عليها.