محمد تشاويت: إشكالية البراديغم في العمل الاجتماعي

-محمد تشاويت*

تلعب النماذج المعرفية paradigmes في حقل فلسفة العلوم دورا أساسيا في معرفة التطورات التاريخية لعلم معين، من خلال كشفها عن جملة من الفرضيات والتفسيرات العلمية المتداولة في حقبة زمنية معينة من طرف العلماء وفلاسفة العلم على حد سواء، انطلاقا من العلوم التجريدية، والعلوم المادية، وحتى علوم الانسان بكل تخصصاتها المختلفة والمتنوعة، وأهم صفة جوهرية تتميز بها هذه النماذج الجديدة.

وعليه فالتحول الذي عرفه حقل العلوم الإنسانية والبحث عن النموذج العلمي الخاص بطبيعة الظواهر الإنسانية/ الاجتماعية، واستحضارا كذلك لجملة من التغيرات الاجتماعية ومختلف التحديات والصعوبات التي واجهت خصوصية الظاهرة، ومحاولة الكشف عن مختلف العلاقات المختلفة للذات بمحيطها الاجتماعي، سواء الاقتصادية أو السياسية، أو القيم والعادات الاجتماعية، نحاول من خلال هذا العمل الاستشكال والبحث في طبيعة وماهية البراديغم الاجتماعي وأهميته العلمية في فهم مختلف هذه التحولات، خاصة في عصرنا الحالي، واستحضارا للتحولات العلمية والثقافية والسياسية والاجتماعية الراهنة، دون نسيان سياق البرنامج الحكومي لتكوين عمال اجتماعيين بالجامعات والمعاهد المغربية، وكذلك مشروع الدولة الاجتماعية الذي دشنه الملك محمد السادس في خطاب افتتاح الدورة الأولى التشريعية من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية العاشرة.

على هذا النحو يمكن طرح الاشكال التالي:

كيف يساهم البراديغم الاجتماعي في قراءة وفهم مختلف التغيرات الاجتماعية؟ ما البراديغم المناسب للتدخل الاجتماعي سواء على المستوى الفردي أو الجماعي؟ الى أي مدى يمكن البراديغم العامل الاجتماعي في فهم السياقات الاجتماعية لعملية التدخل؟

تنطوي تحت هذه الإشكالية العامة تساؤلات فرعية يمكن صياغتها على النحو التالي:

ما البراديغم؟ وما طبيعة العلاقة التي تربطه بالنظرية العلمية؟

ما خصائص البراديغم الاجتماعي وما الآليات التي يستند اليها في التدخل الاجتماعي؟

ماهي القيم والاخلاقيات التي تحدد معالم البراديغم الاجتماعي في مجال العمل الاجتماعي؟

للإجابة على هذه التساؤلات يمكن الانطلاق من الفرضيات التالية:

يساهم البراديغم الاجتماعي في فهم سياق التدخل الاجتماعي.

بعض النماذج المعرفية المعتمدة في التدخل الاجتماعي بالمغرب لم ترقى الى المستوى المنشود.

هناك هوة بين تحولات البراديغم الاجتماعي من الغرب الى الخصوصية المغربية.

مفهوم البراديغم

يعود أصل البراديغم على المستوى اللغوي الى الكلمة اللاتينية” paradigma» والاغريقية مأخوذة من الأصل اليوناني ” paradeigma ” وتعني النموذج “patten paradeigma” والذي يرجع بدوره الى الفعل paradeiknunia ” الذي يعني قارن ، وهذا ما يفيد أنه مفهوم يأخذ عدة معان، المثال، النموذج، النمط أو الأسلوب، المنهج …

وتتعدد معانيه وتعريفاته مع معجم الآخر، ففي معجم لاروس يرتبط بالاشتقاق اللغوي، فهو” في اللغة التقليدية، جميع الاشكال المستخرجة من كلمة واحدة إنه النموذج-على سبيل المثال، اشتقاق اسم أو تصريف فعل) في اللسانيات البنيوية جميع الوحدة القابلة للاستبدال في سياق معين، وفي النظرية الاقتصادية، اختبار المشاكل التي ستدرس والتقنيات الخاصة بدراستها”

أما على المستوى الاصطلاحي فإن هذا المفهوم يأخذ معنى للإنجاز العلمي، والمتفق عليه بين العلماء والباحثين من مجموع الطرق والأساليب والمعايير التي يستند اليها البحث العلمي، فالبراديغم لا يولد ولا يرى النور الا من خلال اكتشاف علمي معترف به” مثل باقي العلوم البراديغمات العلمية الخاصة بالعلوم الفيزيائية، البيولوجيا….

يرتبط مفهوم البراديغم ارتباطا وثيقا بالفيلسوف الأمريكي توماس كون، الذي وظفه في بنية الثورات العلمية Les structures des révolution scientifiques والذي حاول من خلاله تفنيد حركية العلم في تطوره وسيرورته بمبدأ التراكم وأضحى مفهوم نموذج البراديغم يجعلنا ننظر إلى العلم ليس كتراكمات كمية وإنما كنقلات نوعية أو ثورات تخرج عن المألوف وتتجاوزه لتأسس لرؤية جدية، انه بالأحرى بناء قطاع بكامله بأسس جديدة . فالبراديغم أو النموذج القياسي الارشادي هو النظرية العامة التي يلتزم بها المجتمع العلمي في مرحلة ما، وجعل النظرية تبلغ النموذج الارشادي يعني أنها أفضل من كل منافساتها، أي ثبتت ووجب التسليم بها وبكل مسلماتها ومناهجها، العلمية وخلفياتها الميتافيزيقية .

نسعى من خلال الحديث عن براديغم العمل الاجتماعي الإجابة عن جملة من التساؤلات من قبيل:

أي براديغم لدراسة العمل الاجتماعي؟ هل يمكن أن نقلد مناهج العلوم الاجتماعية باعتبار العمل الاجتماعي امتداد لها؟ هل يمكن للباحث في مجال العمل الاجتماعي الاعتماد على التصور الذي تعتبر العمل الاجتماعي امتداد نظري وعملي للدراسات الاجتماعية والنفسية والثقافية؟

إن السعي لبناء تصور براديغمي للعمل الاجتماعي سيحل محل عدد متنوع من الأفكار المتداولة والعادية، لأن منطلق اقحام البراديغم في المجال العلمي، يفرض علينا تفسير الأسباب والمرجعيات التي تفرض علينا التفكير في هذا الاشكال، ومن تم لابد من طرح السؤال التالي، لماذا يتقدم الانجاز العلمي المادي باعتباره محلا للالتزام المهني على الأفكار المختلفة والقوانين والنظريات ووجهات النظر التي يمكن تجريدها منه؟ بأي معنى من المعاني يؤلف البراديغم المشترك وحدة جوهرية في نظر الطالب الذي يدرس العمل الاجتماعي وتطوره؟

إن الاشتغال في مجال العمل الاجتماعي يفرض علينا أن نعمل بنظرة الماكرو عوض الميكرو، إذ لا يمكن تحليل القضايا الاجتماعية، سواء تعلق الأمر بقضية الإعاقة، الأشخاص في وضعية الشارع، أو الأطفال في مختلف المستويات الا من منطلق اعتبارها قضايا مترابطة ونسقية وليست عناصر صغيرة، مما سيدفعنا لمحاولة فهم كل جوانب العمل الاجتماعي والبراديغمات المرافقة له.
تعد كل التحولات في براديغمات العلم/ العلوم بمثابة ثورات علمية، وعملية الانتقال من براديغم إلى آخر عن طريق الثورة وكذا بمثابة نمط التطور العادي الخاص بالعلم المكتمل.

لماذا الحديث عن البراديغم في العمل الاجتماعي؟

لقد ساهمت مجموعة من التحولات والاحداث العالمية في ظهور العمل الاجتماعي في شكله وصورته الأولية بالولايات المتحدة الامريكية وانجلترا وفرنسا، ومحاولة نقل هذه التجربة العلمية وتعميمها في باقي المجتمعات يتطلب وجود التأسيس لبراديغم علمي يتلاءم مع الخصوصية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية للبيئة الحاضنة. فالعمل الاجتماعي كتخصص أكاديمي وممارسة مهنية ليس وحدة كلية بل تتفرع عنه مجموعة من التخصصات المختلفة من حيث مرجعياتها النظرية الفكرية، وما يؤطرها على مستوى القوانين والتشريعات، الأطفال أو الأشخاص في وضعية الشارع، وذوي الإعاقة، الأمهات العازبات، النساء ضحايا العنف، المهاجرون، كلها قضايا اجتماعية، لا يمكن للمختص الاجتماعي أن ينظر اليها بنفس الطريقة، وبنفس الخلفية النظرية والقانونية، نظرا لما تتسم بها كل قضية من تعقيد.
لا يخفى علينا أن مهنة الأخصائي الاجتماعي، المساعد الاجتماعي – العامل الاجتماعي -لم يمض عليها وقت طويل -قرن من الزمان-، رغم وجودها اليوم على نطاق دولي، ووطني، الدولة الاجتماعية، الحماية الاجتماعية، كما هو الحال في فرنسا، إذ تنقسم إلى مهن مختلفة تتداخل هوياتها الموروثة نتيجة الظروف والسياقات التاريخية للقرن العشرين، وبشكل تدريجي، وهو ما يشير بلا شك إلى ضرورة إعادة تنظيم كل مجالات المهنة تكوينا وممارسة. لقد طورت فرنسا مهنة الأخصائي الاجتماعي، تنظيرا وممارسة، مما يجسد في الواقع مفهوم الفن في العمل الاجتماعي. وبالمثل، تطورت كل البحوث المرتبطة بهذه المهنة. وغالبًا ما يستلهم هذا البحث من المعالم المميزة لمجال العلوم الإنسانيةوالفلسفة عموما.

في ماهية العمل الاجتماعي:
تعددت التعاريف والتحديدات التي عرف بها العمل الاجتماعي، ويرتبط ذلك باختلاف الثقافات والمرجعيات القانونية والسياسية لكل بلد، فالعمل الاجتماعي انطلق كعمل تطوعي يقوم به الفرد أو الجماعة قصد مساعدة الاخرين في وضعية صعبة، الا أن هذا التعريف سيعرف تطورا كبيرا خاصة مع الرابطة الدولية لمدارس الخدمة الاجتماعية” العمل الاجتماعي هو ممارسة مهنية وتخصص أكاديمي معرفي، يعزز التغيير والتنمية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي وتنمية القدرة على الفعل وتحرير الأشخاص، وتقع مبادئ العدالة الاجتماعية وحقوق الفرد والمسؤولية الاجتماعية الجماعية واحترام مظاهر التنوع في صلب العمل الاجتماعي” .

إن الحديث عن كل محاولة لنقل العمل الاجتماعي من خلال التجارب الدولية إلى البيئة المغربية يتطلب منا استحضار سؤال البراديغم الاجتماعي المناسب للخصوصية، واستحضار المنطلق الثقافي والبنية الاقتصادية والاجتماعية والدينية للمجتمع المغربي.

ان فهم العمل الاجتماعي وتقنيات التدخل الاجتماعي ومجال التدخل، سواء تعلق الامر بالتدخل على المستوى الفردي أو الجماعي، يتطلب من الباحث أو العامل الاجتماعي أن يكون ملما بمختلف المرجعيات وقادر على فهم دلالات ومعاني الظاهرة، من تفسير تاريخي، ثقافي لكل المعتقدات النظرية والمنهجية المترابطة والمتضمنة في مجال تدخله، وهذا ما يجعله قادر على تقييم التجارب في مجال العمل الاجتماعي وتحليلها، ونقد ما يمكن نقده، من أجل بناء براديغم خاص بالبيئة الاجتماعية والثقافية، وفي حالة وجد الباحث صعوبة في فهم تلك الوقائع والظواهر، فلابد من ربطها بمختلف فروعها وامتداداتها. هنا يتداخل البراديغم-المنهجي بالثقافي-السياسي، وكل هذا لا يخرج عن التاريخ.
ان الوعي بإمكانية ظهور أنواع جديدة من الظواهر في مجال العمل الاجتماعي هو بالضرورة وعي بضرورة وضع توقعات لمجموعة من المتغيرات على مستوى التدخل الاجتماعي، وهذا ما يفرض على الباحث في هذا المجال استحضار التجارب السابقة في الواقع الدولي والوطني، وهنا لابد من وضع براديغم جديد يسمح لنا بفهم القضية الاجتماعية قيد الدراسة والتحليل، فالعمل الاجتماعي الممارس هو الذي يتوقع، ويفكر في التدخلات الوقائية، وهندسة مشاريع اقتصادية واجتماعية وتنموية قصد العلاج.

الاستجابة المنهجية اللازمة وأهمية البراديغم الاجتماعي
تعد الازمات الشرط المسبق والضروري لظهور النظريات وولادتها ، وبالتالي لابد من طرح السؤال عن كيفية الاستجابة من طرف المختصين العلماء، فهم لا يتخلون عن البراديغم الذي أدى بهم الى الازمة، نقصد هنا عملية التشخيص في العمل الاجتماعي كمطلب ضروري وأساسي في كل تدخل اجتماعي، فدور البراديغم هنا يختلف عن الحديث المرتبط بمناهج التدخل الاجتماعي بمعناها الجزئي والمتفرع. لان خصوصية العمل الاجتماعي تتجلى في أن مهنة العامل الاجتماعي تمكن في مساعدة الافراد والجماعات في وضعية صعبة وهشاشة، نحو الاندماج والتحرر من كل القيود التي حالت دون ممارسة وظائفهم بشكل طبيعي، ولا يتوقف دوره في رصد المشاكل فقط، بالتالي فأهمية البراديغم يتجلى في إيجاد الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين واستحضار مختلف البرامج والسياسات العمومية التي لها علاقة بمجال التدخل.
البراديغم ما بين تفسيرات النسق الاجتماعي والصراع الاجتماعي.

يتكون البراديغم الاجتماعي من جملة من المفاهيم التي تعبر عن العلاقات المختلفة في المجتمع، التي تستند إليها النظرية الاجتماعية في تفسيراتها وهو في هذا الصدد يعتبر نموذج إرشادي لها.

ومن أهم الخصائص التي تميزه أنه يخضع لخاصية التحول من فترة لأخرى، ووفق هذا القانون عرفت النماذج الاجتماعية انتقالا من التصور الكلي للمجتمع إلى التصور الفردي. وفي هذا السياق سنحاول التركيز على النموذج البنائي الوظيفي، ونموذج الصراع في تحليلها الاجتماعي لمختلف الظواهر وقضايا تدخل العامل الاجتماعي.
البراديغم البنائي الوظيفي:

ينطلق هذا النموذج من خلال مجموعة من التصورات والمفاهيم التي تفسر القضايا الاجتماعية انطلاقا من مفهوم البنية والوظيفة، فهي ترى في عموميات تصورها أن المجتمع عبارة عن بناء ثابت، تتكامل فيه الوظائف والعناصر فيما بينها داخل النسق وتغيرها، هذا نابع من مفهوم البنية في حد ذاته على أنها جملة من الأجزاء المنسجمة داخل نسق معين، لقد بدأ هذا التصور مع دوسوسير في مجال اللغة، انتقالا الى البيولوجيا وعلوم الإنسان: كعلم الاجتماع وعلم النفس….

علاقة ما سبق بموضوعنا يتجلى في أن تاريخ البراديغم الاجتماعي عرف انتقالا ابستمولوجيا من البنية الاجتماعية التي أسس لها ستراوس وصولا إلى الوظيفة مع دوركهايم، ومن خلال العملية التركيبية التي قامت بها، والتي رأت من خلالها أنها ” يمكن دراسة المجتمع بنفس الطريقة التي يمكن بها دراسة جسم الإنسان من خلال تحليل الأنظمة المحدثة التي تعمل أو لا تعمل، وتشخيص المشاكل واستنباط الحلول لاستعادة التوازن ” فهي بهذا المنطلق يستطيع العامل الاجتماعي/ الباحث فهم مختلف الأنساق التي أنتجت قضية التدخل على جميع الأصعدة – الممارسة الثقافية والدينية – والنظم الاجتماعية – ومختلف التعاملات اليومية – والعلاقات الأسرية – وغيرها من البنى الاجتماعية. كل هذا لمعرفة محور الاستقرار الاجتماعي والبنى الاجتماعية ” فالمجتمع في حالة توازن ويحتفظ بهذا الطريقة من خلال وظيفة الأجزاء المكونة للمجتمع “.

كل هذه التغيرات البنائية الوظيفية للمجتمع، رغم اختلاف رواده، ك. كريب براون – مالينوفسكي- تالكوت بارسونز … فهم يتفقون حول أن المجتمع لا يمكن فهمه إلا بنظرة بنائية تتحدد من خلال مجموعة من العلاقات التي تربط الأفراد بمختلف البنى الاجتماعية الثقافية والشخصية والنظام الاجتماعي ، فأهمية البحث عن البراديغم الخاص بالعمل الاجتماعي تفرض ملحاحيته في هذه النقطة، فالفرد في العمل الاجتماعي المستفيد/الزبون ليس فرد فحسب بل هو عنصر من نظام كما يؤكد تالكوت بارسونز .

على هذا الأساس يفسر هذا النموذج الإرشادي ” البراديغم ” قوانين وميكانيزمات التدخل الاجتماعي، التي تحدث على مستوى الأنساق والبنى الاجتماعية، فكل تدخل اجتماعي يساعد في أعادة ترتيب النظام. “المجتمع” يشتغل بسلاسة ويحافظ على استمراريته من أجل تحقيق الأهداف المسطرة من عملية التدخل وهذا ما يسمى براديغم توازن الأنساق.
براديغم النموذج الماركسي:

إن الحديث عن فكرة الصراع المجتمعي في البحوث الاجتماعية المعاصرة من الموضوعات التي يرجع أصولها الى الحضارات القديمة من الصين الى اليونان الى الحضارة الإسلامية ومرد هذا الاهتمام الواسع بمثل هذه الفكرة هو النظر الى الصراع الاجتماعي كحتمية تسود كل المجتمعات وجزء من طبيعة ومظاهر تطوره وتقدمه، ويحدث هذا الصراع في كل مختلف بنيات المجتمع سواء على السلطة، أو الثروة والمال بهدف تحقيق القوة والغلبة في الوسط الاجتماعي.

تتعدد النماذج الصراعية في مجال العمل الاجتماعي، صراع القرية، صراع المدينة، أو ما يسمى عند ابن خلدون بصراع البدو والحضر كما رآها ابن خلدون، وصراع الطبقات الاقتصادية والاجتماعية مع ماركس وغيرهم من الصراعيين ك باريتو وكارل منهايم، ورايت ميلز….

وفي هذا الصدد وعلاقة بإشكالية البراديغم في العمل الاجتماعي سنركز على النموذج الماركسي لتبيان المدخل الصراعي للبراديغم الارشادي للعمل الاجتماعي، فالنظرية الماركسية تؤسس البراديغم على أساس فكرة أن الشروط المادية هي التي تتحكم فيه وتقود مساره الاجتماعي من خلال الصراع القائم على ملكية وسائل الإنتاج، لأن تاريخ المجتمعات حسب تصوره “لم يكن الا تاريخ صراع طبقي، والشيء الوحيد البارز في كل الصراعات السياسية المعقدة والمتنوعة كان النظام الاجتماعي والسياسي للطبقات الاجتماعية، ويعود منشأ هذه الطبقات الى الشروط المادية الملموسة داخل المجتمع ، إن أهمية هذا النموذج في التأصيل للبراديغم الخاص بالعمل الاجتماعي تتجلى في أن العامل الاجتماعي مطالب بفهم مختلف البنيات والموارد الاقتصادية وما يؤطرها، الموارد الطبيعية كمصدر للموارد الاقتصادية وعلاقة ذلك بالموارد البشرية كعنصر مهم في البنية الاجتماعية وأساسها. إن فهم هذه القوى تجعل من عملية التدخل الاجتماعي أكثر نجاعة وترشيد الموارد المالية والاجتماعية والطبيعية مما ينعكس على مستوى الاندماج الفردي والجماعي. يلعب البراديغم العلمي هنا كذلك دورا هاما في جعل العامل الاجتماعي ليس فقط مناضلا سياسيا ومحللا لأساس الصراع وإنما قصد بلورة مشاريع تدخلية بناء على تشخيص ومسح دقيق للوضع الاجتماعي والثقافي والسياسي وترتيب المسؤوليات من أجل اعتماد مقاربة تشاركية يجعل فيها الحالات المستفيدة شركاء في عملية التدخل (التنمية المحلية نموذجا).

ختاما، يتضح أن مفهوم البراديغم يلعب دورًا محوريًا في فهم التطورات العلمية والاجتماعية، خاصة في مجال العلوم الإنسانية والعمل الاجتماعي. فالنماذج المعرفية (البراديغمات) ليست مجرد إطارات نظرية جامدة، بل هي أدوات ديناميكية تسمح بقراءة وفهم التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تشكل واقعنا المعاصر. وقد أظهرت الدراسة أن البراديغم الاجتماعي، بخصائصه وآلياته، يُعد أداة أساسية لفهم الظواهر الاجتماعية المعقدة وتوجيه التدخلات الاجتماعية بشكل فعال، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي.

في سياق العمل الاجتماعي، يبرز دور البراديغم في تحليل القضايا الاجتماعية المتنوعة، مثل الإعاقة، الهشاشة، العنف، والهجرة، والتي تتطلب مقاربات متعددة الأبعاد تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الثقافية والاقتصادية والسياسية للمجتمعات. كما أن الانتقال من البراديغمات الغربية إلى الخصوصية المغربية يطرح تحديات كبيرة، خاصة في ظل التحولات الاجتماعية والسياسية التي يعيشها المغرب، مثل مشروع الدولة الاجتماعية الذي أطلقه الملك محمد السادس.

من خلال استحضار التجارب الدولية والمحلية، يمكن بناء براديغم اجتماعي يتلاءم مع الخصوصية المغربية، ويعزز القدرة على فهم الظواهر الاجتماعية وتوجيه التدخلات بشكل فعال. هذا البراديغم يجب أن يكون قادرًا على استيعاب التعقيدات الاجتماعية والثقافية، مع التركيز على القيم الأساسية مثل العدالة الاجتماعية، حقوق الإنسان، والتماسك الاجتماعي.

في النهاية، يبقى السؤال المركزي هو: كيف يمكن للبراديغم الاجتماعي أن يساهم في تحسين فهمنا للظواهر الاجتماعية وتوجيه التدخلات بشكل أكثر فعالية؟ الإجابة تكمن في تطوير نماذج معرفية مرنة وقادرة على التكيف مع التحولات السريعة التي يشهدها عالمنا اليوم. البراديغم الاجتماعي ليس مجرد إطار نظري، بل هو أداة عملية تمكن العاملين الاجتماعيين من مواجهة التحديات المعقدة وتحقيق التغيير الاجتماعي المنشود.

لائحة المراجع:
– توماس كون: بنية الثورات العلمية، ترجمة علي نعمان، لبنان، دار الحداثة، الطبعة الأولى، 1986.
-محمد ع الكريم الحوراني، النظرية المعاصرة في علم الاجتماع ط 1 دار مجدلاوي للنشر والتوزيع عمان 2008.
– سعاد سراي، البراديغم في علوم الاتصال بين الضرورة المنهجية والصعوبات البحثية الإجرائية، مجلة علوم الإنسان والمجتمع،2018.
– مجلة الاكاديمية للبحوث في العلوم الاجتماعية، البراديغم السوسيولوجي واسهاماته في تفسير التغير الاجتماعي، العدد 02، المجلد 02، 2020.
– بن عيسى زغيوش، التجريب بين علم النفس وعلوم الأعصاب: اشتراك البراديغم واختلاف في التقنيات وتشابه في النتائج، مجلة عمران المغرب، العدد 29، 2019 .
– يمنى طريف الخولي، فلسفة العلم في القرن العشرين، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويت 2000.
– التعريف الدولي الذي تمت المصادقة عليه من قبل الجمعية العامة للرابطة الدولية لمدارس الخدمة الاجتماعية ( AIETS )، المنعقدة في ميلبورن، استراليا في 10 يوليوز 2014.
– Hammand .H, Introduction to sociology smashwords, 2010.
– Javad .B, Masoud. JW, Structuralism. social Crimonol. An open access journal 2016.
– Doda .Z, Introduction to sociology. Ethiopia Public Health Training Initiative .2005
– Richmond Mary E,socail Diagnosis , New York,Russell sage Foundation, 1917.

* طالب باحث في ماستر التميز العمل الاجتماعي




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...