-عمر أربيب*
السيد وزير العدل،
اليمين الدستورية أو القسم يُؤدَّى في حالة التعيين لتقلّد المسؤولية، وقد يُعمل باليمين أمام القضاء في حالة عدم توفر أدلة على فعل ما، حيث يكون من أنكر مطالبًا بتأدية اليمين، بناءً على القاعدة المتواترة: “البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر”.
أما أن يصبح القسم حجة لتمرير مشروع نص قانوني، فهذا إفراط في التغوّل وتطاول على صلاحيات مؤسسة البرلمان باعتبارها صاحبة الاختصاص في التشريع.
السيد الوزير، لم يكن القسم أو اليمين يومًا حجةً، ولا أداةً أو آليةً للتداول والنقاش الحر والديمقراطي لوضع السياسات العمومية والتشريعات. عليكم أن تعلموا أن نقاش مشاريع القوانين والبتّ فيها هو جزء من التدافع والفعل السياسي الواضح، المبني على المحاججة والإقناع والاقتناع، وليس التمترس خلف قناع ديني أو الهروب بأساليب تقليدية لم يعد لها حضور في المجال التشريعي والسياسي والقضائي، حتى في الدول التي تفتقد لأبسط آليات تدبير الصراع السياسي.
السيد وزير العدل، لقد أرهقتمونا بالحديث عن جمعيات مهتمة بحماية المال العام تقوم بابتزاز المنتخبين، وأكثر من ذلك، تصرّحون – بل وبعض أعضاء الحكومة أيضًا – بأن هناك “شناقة”، ومضاربين، وسماسرة، وتجار مخدرات، ومبيضي أموال يتحركون لإفساد الشأن السياسي والحياة السياسية والاقتصادية، ورغم ذلك، لا تحركون ساكنًا! أي إنكم لا تقومون بمهامكم لحماية المجتمع والشأن العام من هذه التجاوزات والممارسات الضارة، ولا تبادرون إلى تحريك المساطر القانونية، وأولها إبلاغ الجهات القضائية المختصة لتقوم بمهامها.
إننا أمام مفارقة غريبة لا تستقيم مع دولة القانون والمؤسسات؛ فالزعم بوجود ابتزاز مفترض – حسب فهمكم – لا يمكن أن يشكّل حجة أو سببًا لتقييد سلطة النيابة العامة وقضاء التحقيق في البحث والتقصي في شبهات الفساد التي تطال المال العام والملك العمومي. فالنيابة العامة مطالبة بالتحرك للبحث في المزاعم والشبهات، حتى لو كانت مجرد إشاعة، فما بالك إذا تواترت هذه الأفعال وكانت هناك جمعيات تتوفر على معطيات ووثائق تعضد وتسند تلك المزاعم؟
السيد الوزير، إن قسمك بعدم تعديل المادة 3 من قانون المسطرة الجنائية هو إكراه وتعسف بفرض مقتضى قانوني مخصص حصريًا للمؤسسة التشريعية. إضافة إلى ذلك، فإنه يعطي مفهومًا تحكميًا وتقليديًا لمجال التشريع، ويفرغ مفهوم الديمقراطية من أبسط مقدماتها.
أما على مستوى المضمون، فإن الدفاع عن نص المادة 3 بصيغتها الحالية يمثل إنكارًا وتقييدًا غير مسبوق من طرف السلطة التنفيذية والإدارية، التي تستغل أغلبيتها البرلمانية لتقويض صلاحيات النيابة العامة وقضاء التحقيق، وإنكارًا أيضًا لدور الجمعيات والمواطنين في التقاضي والوصول إلى العدالة، وحقهم في التبليغ عن الفساد واختلاس وهدر المال العام وسوء التسيير والتدبير.
هذا الفساد لم يعد يُمارَس في الخفاء فقط، بل أصبح يُمارَس علنًا “على عينك يا بن عدي”، وتجلياته كثيرة لا يمكن إحصاؤها، ويعرفها المواطن قبل الفاعل السياسي والجمعيات الحقوقية وجمعيات المال العام.
لن أسرد عليك بعضًا مما هو حاصل في مراكش، فببحث بسيط ستقف على العجب العجاب!
مدافع عن حقوق الإنسان