أجرى الحوار: خالد أبورقية
- مرت سنة ونصف السنة، تقريبا، على زلزال الحوز، ولا زلنا نشاهد أهلنا في المناطق المنكوبة يعيشون تحت الخيام وفي ظروف صعبة، ما هو تقييكم للتدخلات التي تمت منذ الزلزال إلى اليوم؟
ج/ أكيد أن الظروف التي تعيشها ساكنة المناطق الجبلية، وخاصة المتضررة من زلزال الأطلس الكبير، تجعل المواطن يشعر بأن هناك تقصيرا كبيرا. الوضع الذي تعيشه ساكنة الخيام منذ أكثر من سنة لا يشرف المغرب ولا المغاربة، خصوصا في ظروف البرد القارس الذي لا نقوى على تحمله داخل منازلنا، فما بالكم بالناس الذين يعيشون في ظروف تهين كرامة الإنسان داخل الخيام.
نعتبر أن التدخلات التي تمت ليست في المستوى المطلوب، ولا ترقى إلى الإجابة عن الوضعية التي تعيشها هذه الساكنة، لذلك كان مطلبنا منذ الزلزال، وبعد أن وقفنا على تباطؤ كبير في التدخلات، في الشهر السادس، وجهنا رسالة مفتوحة نطالب فيها بأن تكون التدخلات ذات فعالية وبالسرعة الكافية، لأننا لاحظنا أنه خلال 6 أشهر لم يتم إنجاز الشيء الكثير.
لازال الناس يعيشون بين الركام، هناك من استفاد من الخيام، وهناك من لم يستفد، والخيام نفسها لم تعد قادرة على إيوائهم، إن كانت أوتهم في ظروف استثنائية في البداية بعد حدوث الزلزال، فإننا لا يمكن أن نقبل بها بصيغة “المؤقت الذي يدوم”، وهذا هو الإشكال الذي وقع فيه المتضررون من زلزال الأطلس الكبير.
- يكشف وضع المنكوبين واقع التهميش، وهو ما دفعهم للانتظام في تنسيقية للدفاع عن مطالبهم، وقد تعرض نشطاء منهم لمحاكمات بسبب نشاطهم، بينما يتأخر الإعمار بسبب إشكالات مرتبطة بالتعويضات المخصصة لإعادة الإعمار، ما هي قراءتكم لهذا الأمر؟
ج/ تسوية الوضعية التي يعيشها المتضررون تأخرت بشكل كبير، وهذا ما دفع عددا منهم إلى الاحتجاج فرادى أو جماعات، وتم تأسيس تنسيقية الحوز، بعد الشهر السابع من الزلزال، وأجهضت بتدخلات مباشرة وغير مباشرة من السلطة وأعوانها، وبعد استمرار الوضع على ما كان عليه، بل وتفاقم، بدأ الحديث عن تنظيم هؤلاء المتضررين في إطار يتحدث باسمهم، وبذلك تشكلت تنسيقية متضرري وضحايا زلزال الحوز، وبعدها تشكلت تنسيقية المتضررين من زلزال أدرارن بتارودانت.
هؤلاء النشطاء، وخاصة منهم القياديون في التنسيقيات، من مسؤولياتهم تأطير أشغال التنسيقيات، والحديث باسم المتضررين، ورفع تظلماتهم وشكاياتهم إلى المسؤولين، وعادة ما تقابل هذه التظلمات والطلبات بالتهميش وصم الآذان، ولذلك لم يبق للناس من سبيل سوى الخروج للاحتجاج في الشارع، ولهذا تم تحريك شكايات كيدية ضدهم، بما فيها الشكاية ضد الناشط، المعتقل حاليا، سعيد آيت مهدي، الذي توصلنا بملف متابعته على أساس شكاية كيدية، وبعد التحري تنازل المشتكي واعترف بأن بعض المقربين من السلطة، ضمنهم مقاول هم دفعوه لتقديم شكاية ضده بتهمة ترويج المخدرات، علما أن آيت مهدي لا يستعمل ولا يتاجر في الممنوعات، ولكن بعد ذلك وضعت شكاية من السلطات الإقليمية ومن القائد والخليفة وأعوان سلطة بتهمة التشهير.
وقد اعتبرنا في الائتلاف أن هذه الشكايات ليست سوى محاولة لتكميم الأفواه وفض جميع أشكال الاحتجاج، وطالبنا عوض متابعة النشطاء أن تتم متابعة المتلاعبين بالإحصاء أولا، حيث أن هناك من أحصوا منازل “زائدة” (لم يكن لها وجود) لصالح أهلهم وذويهم، وقد وقفت بنفسي أثناء زيارة المنطقة على حالة منزل مهجور منذ 15 سنة تم إحصاؤه على أساس أنه منزل تهدم كليا بسبب الزلزال، وهذا بتواطؤ من عون سلطة (مقدم) مع أحد أقاربه. أضف إلى ذلك أنه لم يتم إحصاء المتضررين بشكل كاف وهم يطالبون بمراجعة الإحصاء، وهم مستقرون هناك وفقدوا منازلهم ومنهم من فقدوا عائلاتهم ولم يتم إحصاؤهم ولم يستفيدوا لحد الآن.
أما بالنسبة للتأخر فليس مرتبطا بالعقارات كما تدعي السلطات، كانت هناك مشاكل بسيطة مرتبطة بسكان بعض الدواوير الذين تشبثوا بإعادة الإعمار في مناطق معينة، غير التي حددت لهم بسبب بعدها عن دواويرهم، ولكن أغلبها تم حله بالحوار، وهذا هو الطبيعي، لأنه يجب الانصات للساكنة وأخذ رأيها، خاصة أن الناس مرتبطون بمزارعهم وماشيتهم والمدرجات التي كانوا يمارسون فيها الفلاحة، وليس ممكنا عزلهم بشكل كلي ونقلهم إلى مكان آخر. ولذلك كانت مطالب الساكنة هو إيجاد حلول تحترم ارتباطهم بالأرض، وإعادة الإعمار بشكل آمن في مناطق بعيدة عن الفيضانات والانهيارات وأقرب ما أمكن من سكناهم الأصلية.
- ترافعتم منذ تأسيس ائتلافكم من أجل المناطق الجبلية والمناطق المعزولة، وقد تكشف جزء مما كنتم تحاولون التنبيه إليه مع زلزال الحوز، إلى أي مدى تعتقدون أن المسؤولين في المغرب، المعنيين بالقرارات نقصد، استوعبوا حجم ما كنتم تشيرون إليه؟
ج/ ترافعنا بالفعل من أجل المناطق الجبلية وساكنتها منذ زمن طويل، وأتت هذه الكارثة لتظهر أن ما كنا نطالب به من إنصاف هذه الساكنة، وحماية الجبل وسكانه، لم يكن ترفا فكريا ولا ترفا جمعويا، بقدر ما كان مشكلا حقيقيا يغطي المسؤولون أعينهم عنه، وتبين للمسؤولين الذين زاروا المنطقة بعيد الزلزال أن هناك مغربا آخر، وهو مغرب الجبال، مغرب الفقر والتهميش، وقلة الخدمات، وقلة المسالك الطرقية، والبطالة والأمية، وغيرها.
إننا حاولنا أن نواكب دائما، ونلفت انتباه المسؤولين إلى المشاكل التي يعاني منها سكان الجبل، وحال هذه المناطق، وقد أخذت بعض هيآت الحكامة مقترحاتنا وملاحظاتنا بعين الاعتبار، ومنها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، من خلال التقارير التي أصدرتها.
وبدوره، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في بعض تقاريره، أخذ الأمور بجدية. وداخل البرلمان، ترافعنا أمام فرق برلمانية واتفقوا مع مواقفنا ومقترحاتنا، وحملوا نفس النظرة التي أتينا بها، بشأن الإطار التشريعي والسياسات العمومية الملائمة، إلا أن الجهاز التنفيذي كان غائبا، خاصة في الوقت الحالي، فإن كنا وجدنا لدى الحكومات السابقة بعض الآذان، حيث كانت تصغي إلينا بعض القطاعات وتبادلت معنا الحديث، فإن الحكومة الحالية صمّت آذانها عن كل شيء، والأمر الوحيد الذي بدا أن فيه الصدى، هو أنه بعد اعتقال المناضل الحقوقي والجمعوي سعيد آيت مهدي، ومتابعة نشطاء آخرين، عقب رسائلنا عبر وسائل الإعلام، سمعنا أنه تم إيفاد لجنة من وزارة الداخلية، مشكلة من مدراء مركزيين وولاة في وزارة الداخلية، للقيام بزيارة استطلاعية، مع أننا نعتبر أن الأمر لا يحتاج زيارة استطلاعية، حيث أن وزارة الداخلية تتوفر على المعطيات التي يعرفها الجميع، ومن المفترض أن وزارة الداخلية على اطلاع على كل هذه الملفات، وتعرف مكامن الخلل.
الخلل ليس في المواطنين، وهذا ما أشرنا إليه في الندوة الصحافية التي عقدناها استحضارا للذكرى الأولى للزلزال، ورددنا على رئيس الحكومة الذي طالب المواطنين بالتسريع بالإعمار، وقلنا “إن هذا عبث”، هل المتضررون سعداء بالبقاء تحت الخيام في برد الشتاء وحرارة الصيف؟ فإن كان هناك من يجب مناشدته فهو الحكومة نفسها من أجل بالإسراع بإعادة الإعمار وإعادة إيواء الساكنة بشكل مستعجل، وأن تضع هذا الأمر ضمن أولوياتها، وخاصة أن المشكل ليس مشكل تمويل، حيث أنه تصديقا لمعطيات الحكومة، تم تخصيص 25 مليار في السنة، على مدى خمس سنوات، أي أنها معبأة، إذن المشكل هو مشكل المدبرين الذين يجب أن يأخذوا هذا الملف بالجدية المطلوبة.
- فك العزلة والتنمية، شعار سمعناه يتردد منذ عقود، سواء في البرامج الانتخابية أو التصريحات الحكومية، كيف تميزون في ترافعكم بين العالم القروي والمناطق الجبلية، وما هي المؤهلات التي أغفلتها السياسات في هذه الأخيرة؟
ج/ هذا من بين النقاط المفاهيمية التي اشتغلنا من خلالها على تحسيس عدد من القطاعات، منها ممثلو السكان بما في ذلك داخل البرلمان، إضافة إلى القطاعات الحكومية، حيث أنه من المفروض التمييز بين ثنائية الحاضرة/ العالم القروي، حيث أن نعتبر أن القروي لا يشمل المناطق الجبلية، فالجبل فيه حواضر، هناك مثلا طنجة والحسيمة والشاون وميدلت وإفران وأزيلال (…) هذه حواضر جبلية، وفي المقابل هناك قرى جبلية، هناك دواوير وتجمعات سكنية جبلية، لا يمكن مقارنتها مع قرى تقع قرب الدار البيضاء أو الرباط أو القنيطرة مثلا، حيث أنه لا مجال للمقارنة، فهذه الأخيرة يمكن أن نسميها قرى، لكن دوارا في الجبل يفتقد للكثير من الخدمات، وللكثير من الحقوق، فالمواطنون في القرى، على الأقل، يتواجدون بشكل أقرب من المدارس والمستشفيات والمحاكم وغيرها، في حين أن المناطق الجبلية محرومة من عدد كبير من هذه الخدمات، وفي أحسن الأحوال، من جودتها.
وعلى سبيل المثال، يمكن الحديث عن التمدرس، فرغم المجهودات لتوفيره تبقى جودته رديئة جدا، ومدة تمدرس تلاميذ الجبال هي أقل بكثير، بضعفين على الأقل عما يتم تسجيله في العالم القروي. هذا واقع أحال أيضا بالنسبة للأمية، ولأعطيك مثالا، حين كان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يقوم بصياغة تقرير حول تنمية المناطق الجبلية، شاركنا في لقاءات بحضور ممثلين عن الوزارات، وعندما كان يوجه إليهم مقرر اللجنة السؤال عن المعطيات حول المناطق الجبلية، سواء بشأن التمدرس أو البطالة أو غيرهما، كانوا يقدمون الإحصائيات المتعلقة بالعالم القروي. نحن نتحدث هنا عن ممثلي وزارة الداخلية ووزارة الاقتصاد ووزارة البيئة.
بالمقابل، الدراسات تبين أنه فيما يخص البطالة مثلا، حينها كانت 11 بالمائة، في العالم القروي، فإن ضعفها على الأقل يسجل في المناطق الجبلية؛ وعلى مستوى الدخل، نجده في المناطق الجبلية أقل بمرتين من الدخل في المناطق القروية؛ ونفس الأمر بشأن الخدمات وغيرها. إذن نحن اشتغلنا على تصحيح هذه الثنائية، ويمكننا أن نسمع في الخطاب الحكومي “العالم القروي والمناطق الجبلية”، رغم أنه لا يزال مجرد شعار لا يحوز أية مصداقية، لأنهم لم يستطيعوا أو لم يرغبوا في وضع سياسات ملائمة للخصوصيات المجالية، والذي نطالب فيها بالعدالة المجالية، ليس فقط للمناطق الجبلية، بل أيضا للمناطق الواحية، والمناطق الحدودية، التي تفتقر للسياسات العمومية الملائمة لخصوصياتها من جميع الجوانب، سواء من حيث التعمير أو التمدرس أو الصحة أو معايير إنشاء البنية التحتية والطرقات (…)، وكل هذا يتطلب سياسات عمومية ملائمة خاصة تحترم خصوصية المجال.
- تنمية العالم القروي وفك العزلة شكلت محورا برامج سياسية وإنمائية منذ عقود، لكن كشف زلزال الحوز، كما تكشف الوقائع التي يتم تسجيلها كل سنة خلال فصل الشتاء وفترة تساقط الثلوج، فجوة كبيرة بين الواقع والسياسات العمومية رغم الأموال التي خصصت لهذا الأمر، برأيكم، أين أخفقنا؟
ج/ أخفقنا وسنخفق إذا لم نسن سياسات واختيارات اقتصادية خاصة بالمناطق الجبلية، سنواصل الإخفاق لأن المشكل سيظل قائما، وهو لا يرتبط بالضرورة بالمشاريع والبرامج، لأن هناك أموالا صرفت في برامج معينة، وهذا مبرر يوضع دائما أمام ترافعنا من طرف قطاعات مختلفة، ولكن من جانبنا لا نهتم كم صرف من الأموال، بقدر ما نهتم لكم عالجت من المشاكل، وما هو الأثر الذي تركته هذه المشاريع على حياة الساكنة.
مثلا، تم إنشاء دور الولادة، نتساءل كم عدد الدور التي تشتغل، بالنسبة للمدارس التي تم تأسيسها، كم منها يشتغل بشكل يستجيب لحاجيات السكان، قد تكون صرفت ميزانيات على الطرق، لكنها لم تتم بالشكل المناسب، والأهم هو وضع برنامج قطاعي دون أن يتوفر مقابل له في القطاعات الأخرى؛ وهنا نسجل أن هناك برامج قطاعية متفرقة لا يمكن ان تعطي نتيجة، بسبب انعدام الالتقائية بينها، في غياب تنسيق بين القطاعات، وبالتالي لا تستجيب لخصوصيات المناطق، ولنعطي مثالا، حين تبنى مدرسة في الجبل بمواصفات مدرسة تعرف متوسط درجة حرارة سنوية بين 18 و 20 درجة، بينما المدرسة التي في الجبل توجد في منطقة تنخفض فيها درجة الحرارة إلى 12 درجة تحت الصفر، ومعدل الحرارة السنوي فيها لا يتجاوز 8 درجات.
إذن، الواقع يكشف أنه مهما صرفنا، لن نعطي هذه المناطق الجبلية حقها، أولا لأنه حقها، وحق سكانها لأنهم مواطنون، وليس صدقة، وحق المجال الجبلي كمجال ضمن هذا الوطن وله كثير من الفضل عليه؛ ثانيا لأن هذه المناطق تتوفر على موارد تشكل ثروة مهمة لا تعود على هذه المناطق، لنتحدث مثلا عن أحواض المياه، فأغلب الأنهار في المغرب تنبع من الجبال، والسدود كلها تتغذى من مياه الجبال، في حين أن هذه المياه لا تستفيد من عائداتها المناطق الجبلية؛ هناك أيضا المناجم، فإقليم الحوز لوحده غني بالمناجم، لكنه لا يستفيد من عائداتها؛ يمكن أن نتحدث أيضا عن الغابات التي تنتج الأرز في مناطق الأطلس المتوسط، ويتم بيعه بأثمان خيالية، لا يتم استعادتها بإعادة التشجير من أجل حماية هذا الإرث والغنى الوطني، فضلا عن تعود عائداتها بشكل مباشر على الساكنة.
ساكنة الجبل تعاني طول السنة وليس فقط في وقت البرد، نحن نرى أن الأضواء تسلط عليهم أثناء موجات البرد، ومع ذلك فإن ما يقدم إليها لا يساوي شيئا أمام قساوة الطبيعة وقساوة السياسات التي تسن.