’’مجاهدون‘‘ من ريف بني ملال في ريف اللاذقية:
واقع جهادهم ..وسراب عودتهم
تحقيق من إنجاز: عبد الحكيم سمراني
تزايد في الآونة الأخيرة اهتمام الصحف الوطنية والدولية والرأي العام بموضوع الجهاد والجهاديين المغاربة، الذين توافدوا إلى سوريا لرفع راية الجهاد وإسقاط نظام الأسد، استجابة لتزايد الغضب إزاء المشاهد الدامية التي تصور العنف في سوريا، والمذابح التي يتعرض لها المدنيون على أيدي القوات الأسدية، وتلبية لسيل الفتاوى والدعوات إلى الجهاد الصادرة عن بعض رجال الدين .
قصة الشيخ “أبو مروى”:
تشير مصادر للجريدة على أن المدعو “أبو مروى” شاب في عقده الرابع، ينحدر من قبيلة اولاد سعيد الواد وكان يمتلك تقريبا كل الوسائل المادية ليعيش حياته كريما، فقد كان تاجرا، لكنه قرر أن يدير ظهره لكل الخطط الدنيوية، والاستجابة لدعوات بعض شيوخ السلفية بالجهاد على أرض سوريا، ونصرة المقاتلين فيها، واضعا نفسه في فوهة النار.
وأضافت مصادرنا بأن المدعو “أبو مروى” أول من سافر إلى سوريا للقتال بجانب التنظيمات الجهادية من منطقة بني ملال، بعد أن أقنع زوجته بمرافقته صحبة أبنائهما (نوفل وعبد الرحمان اللذان يظهران في بعض الصور يحملان أسلحة روسية عبارة عن كلاشينكوف، وابنته المسماة مروى)، ” مستفيدا من اتصالاته وارتباطاته بأشخاص على مستوى الخارج، ليتجه جوا من مطار محمد الخامس إلى تركيا قبل أن يتوجه إلى الشمال السوري، ثم بعد ذلك الالتحاق بجبهة القتال ” يضيف ذات المصدر.
وبرجوعنا إلى فضاء النت وبالضبط موقع “يوتيوب” نجد لهذا الشخص بعضا من أشرطة الفيديو إحداها يظهر فيها في ريف اللاذقية يلقي درسا بمركز سلمى الإعلامي، صوت بلدة سلمى في ريف اللاذقية، التي كانت تعد من أبرز المصايف السورية، قبل أن تتحول إلى قبلة الجهاديين الوافدين إلى بلاد الشام كنقطة لانطلاق عملياتهم للانقضاض على باقي القرى المحيطة، لذلك تعد منطقة الخط الأول مع قوات نظام الأسد، الذي عجز عن دخولها حتى الآن بسبب طبيعتها الجغرافية الصعبة وتمركز كبير للجهاديين بها.
تضيف مصادرنا أن المدعو “أبو مروى” استغل وضعه الجديد في سوريا المتمثل في وجوده الميداني في ساحة المعركة، وقربه من التنظيمات الجهادية وعلاقاته بها، ليقدم نفسه كشيخ سلفي مغربي مهاجر لا يتورع من تقديم الحلقات الدينية والدروس، ففي أحد الأشرطة على النت يظهر بصفته إماما يؤم الناس في صلاة العيد، وفي شريط آخر يؤم الناس لصلاة الجمعة.
ونجد شريطا آخر على موقع “اليوتيوب” ينعى “أبو مروى” إلى مثواه الأخير بعد “أن لقي حتفه في معركة الساحل في ريف اللاذقية يوم 27 رمضان لسنة 1434 بطلقة قناص استقرت في قلبه” بحسب نفس الشريط.
من ريف بني ملال إلى ريف اللاذقية:
من كان يعتقد يوما أن بلدة اولاد سعيد الواد القريبة من مدينة بني ملال ستصبح في يوم من الأيام مركزا لتصدير ‘‘المجاهدين’’ إلى سوريا لقتال بشار الأسد، أن تتحول تلك البلدة الحالمة بغد أفضل بين ضفاف نهر أم الربيع إلى مركز لمآسي عديدة كانت في غنى عنها، بعدما انصرم عقد شبابها مابين مفضل النضال في البلدة من أجل أن تحظى بحقوقها، وتحسن ظروف عيشها وبنياتها التحتية، وخدماتها الصحية والنهوض بحقوقها الاجتماعية.. وما بين مفضل الاستجابة لفتاوى شيوخ النت والهجرة لقتال بشار و”شبيحته”..
بلدة “اولاد سعيد الواد” تعاني اليوم من مآسي جديدة خلقتها هذه الهجرات الجديدة، من كان يوما يعتقد أن يترك عصام (اسم مستعار) 40 سنة، ابنته ذات الست سنوات وزوجته الواضعة لحملها بعد ثمانية أيام، بدون مال ولا معيل ، وبحكم أن هذه الأخيرة تضع الخمار سيتعسر عليها أن تجد ما تأكل، لم تجد أمامها غير أمها العجوز تقوم بأشغالها.
محمد (اسم مستعار) 27 سنة، واحد من هؤلاء الشباب الذين قرروا الذهاب إلى سوريا دون سابق إنذار، رحل صحبة زوجته وابنهما الوحيد وترك والديه في حالة مزرية، وبدون عون فهو عائل الأسرة ومورد رزقها الوحيد.
كريم (اسم مستعار) 34، العامل الذي غادر إلى سوريا تاركا ابنيه وزوجته، وأيضا شبابا كانوا يعملون معه يحترفون حرفته.
“عبد الرحمان ونوفل” طفلان مجندان (انظر الصور) زج بهما في جحيم حرب لا ترحم، بعدما استبدلت المدرسة بساحة المعركة وانقطعت أخبار العائلة بعد وفاة الأب.
هذه النماذج وغيرها قصدت ريف اللاذقية الذي يعرف معارك حامية بين كل من الجيش الحر والمجموعات ‘‘الجهادية’’ من جهة، وقوات الأسد و ‘‘شبيحته’’ من جهة ثانية.
الطريق إلى سوريا:
اختلفت الروايات التي تشير إلى المسار الذي يتخذه الراغبون في الذهاب إلى الجهاد بسوريا، فقد أكدت مصادر ل”جريدة ملفات تادلة” على أن هذه العملية تتم في سرية تامة عملا بما يسمونه الكتمان العام عن (الزوجة، الأبوين، الأصدقاء)، حتى أن البعض منهم يغادر أهله دون أن يترك أية إشارة، أو خبر يفصح عن وجهته، أو عن مكان تواجده إلى حين وصوله إلى سوريا والانتهاء من فترة التداريب، بعد ذلك يعمل على طمأنتهم وإخبارهم.
تتم الرحلة كما تؤكد مصادر الجريدة عبر مسارين اثنين: الأول يمر عبر الجزائر وصولا إلى ميناء بنغازي، أو إلى ليبيا مباشرة- تمويها لعناصر الأمن، ومحاولة لعدم لفت الانتباه بتجنب السفر المباشر والذهاب عن طريق عدة دول- حيث تقلهم سفن إلى تركيا. والثاني يكون عبر الجو من مطار محمد الخامس الدولي نحو تركيا، مستفيدين من غياب شرط التأشيرة لدخول الأراضي التركية ويسهلها أيضا تغاضي سلطات أنقرة، وتحسبا لأي مأزق بهذا البلد يكون المجند جاهزا للرد على أي سؤال أو استجواب، ولعل السؤال البديهي الذي يقوم بتوفير رد عليه هو سبب زيارة تركيا، ومن أجل ذلك يقوم المجند مسبقا بحجز فندقي، أو التسجيل برحلة سياحية مرتبة من مكتب للسفريات إذا كانت زيارته للسياحة كما يدعي،كما يقوم الراغب في الجهاد بحلق لحيته، وتغيير لباسه والإحجام عن الكلام الكثير، وقد يقوم بحمل علبة للسجائر حتى لا يلفت الانتباه إليه، النقطة الأهم في هذه الرحلة هي التزكية فكل الجبهات تحتاج إلى تزكية –كما تؤكد ذلك مواقع الكترونية ‘‘جهادية’’ – وهي أن يكون للمقبل على القتال شخص أو شيخ معروف لديهم ليزكيه، تحسبا منهم لأي اختراق أمني من قبل الجواسيس، ويفضل ‘‘المجاهدون’’ في هذا السياق أن يجهز المجند عددا من التزكيات، وإلا فعليه الصبر على الاختبارات الأمنية الصعبة التي يخضعونه لها في حين ترفض بعض الجبهات قبول المهاجرين دون تزكية.
وعبر حدود تركيا الجنوبية يلتحق المتطوعون للجهاد بساحة القتال بعد تهريبهم إلى الشمال السوري ويلتحقون بالمناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر، أو غيره من التنظيمات الجهادية، وفي هذه المرحلة يخضعون لتداريب توصف بالقاسية على حرب العصابات وحمل السلاح، دون أن نغفل الشحن الديني عبر الخطب الدينية المسجلة، وأشرطة الفيديو التي تصور المعارك والعمليات الانتحارية، والكتب التي تدعو إلى الجهاد والنصرة، وإشاعة البشرى والأمل، والتأكيد على عظم المهام التي يقدمون عليها، وبعد النجاح في الاختبارات التي يخضعون لها يتم بعثهم لجبهات القتال.
واقع الجهاد في سوريا:
لعل من يرجع إلى لقطات فيديو بثت على موقع “يوتيوب” تحت عنوان ” كلمة تحريضية ومؤثرة للشيخ الشهيد أبو مروى المغربي” تعود إلى المدعو “أبو مروى” يكتشف الصورة التي يصنعها المغاربة للجهاد بسوريا، والمجاهدين وأوضاعهم، والواقع المر الذي يكتشفونه لحظة وضعهم لأقدامهم على الأرض السورية، ففي هذا الشريط يلقي المدعو “أبو مروى” موعظة قوية بلغة عربية فصحى لا تخلو من أخطاء نحوية، لكنتها المغربية بادية، يظهر بلباسه العسكري، ولحيته الكثة السوداء المتطاولة، يلتحف بندقية “كلاشينكوف”، يقف في حضرة جمع من المجاهدين أسدلوا لحيهم، يرتدي بعضهم سترات واقية من الرصاص وبنادق، يجلسون إلى طاولة مستطيلة موضوعة في قاعة أعدت للاجتماعات، كانت المناسبة زفاف أحدهم، لكن المقام جعله يظهر بلسان الشيخ الواعظ، تتخلل كلمته موجات من البكاء على ما آلت إليه أوضاع ‘‘الجهاديين’’ في سوريا. لكن ما يهمنا من هذا اللقاء الخبايا التي كشفها في موعظته الجريئة بعد أن صرخ في وجه قادة ‘‘الجهاديين’’: “أنا شخصيا انخدعت فيكم .. لو رآني من يعرفني في المغرب لقال ما شاء الله الجهاد قائم، الإسلام قائم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائم والدعوة إلى الله قائمة” ولكأنه يقول ليس من رأى كمن سمع ثم يسلط الضوء على الواقع المر”والله ليس شيء قائم، المنكرات هنا، كتائب تبيع وتشتري في المخدرات وأنتم تزعمون أنكم تجاهدون – متوجها بكلامه لمن حوله من المجاهدين- كتائب تسبي ليلا ونهارا، منكرات، أسعار سلاح ترتفع أصبح جهادنا مظهرا سيارات وأسماء ومسميات وألبسة ومسدسات وبنادق..” ، قبل أن يشير في كلمته إلى الخلاف بين الجماعات المقاتلة المعارضة للأسد ، سواء بين الجماعات ‘‘الجهادية’’ التي تسعى إلى تأسيس نظام إسلامي والمعارضة العلمانية، أو بين الجماعات الجهادية فيما بينها.
سراب العودة:
هذا الواقع دفع الكثيرين إلى التفكير في العودة خصوصا بعد التقدم المضطرد الذي يحرزه الجيش السوري على الأرض عبر استرجاعه لمدن وقرى عديدة كان استولى عليها المسلحون المعارضون له، لكن الخبراء يؤكدون أن “من يتم إدخاله إلى أرض المعركة يصبح من الصعب عليه أن يخرج حياً” فالمجندون وقعوا بين سندان الجماعات التي تأبى أن تفتح باب العودة في وجه المتطوعين للجهاد قبل إتمام المهمة، ومطرقة النظام السوري الذي يقدم مكافآت مالية مهمة لكل من يلقي القبض على من يسميهم بالإرهاببن من جنسيات أخرى.
في حين تنظر الدولة المغربية للعائدين من قتال الأسد إلى المغرب باعتبارهم مشاريع إرهابية يدقون نواقيس الخطر حسب تقارير استخباراتية غربية إذ جندت الدولة أجهزتها لمواجهة خطر عودة الجهاديين بفتح التحقيق معهم وربما اعتقالهم.
في حين تحجم عائلات المتطوعين للجهاد حسب مصادر الجريدة الخوض في تفاصيل قصص أبنائها، مبدية تخوفها من اعتقال أبنائها من طرف السلطات المغربية بعد عودتهم.