محمد العوني: “تنظيم الإعلام كسلطة لا يمكن أن يكون بعقلية القرن الماضي”

-محمد لغريب-

قال محمد العوني رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير (حاتم) “إن العديد من المستجدات في الحقل الإعلامي والتواصلي بالمغرب تستحق التوقف عندها، وأن النقاش حول الإعلام ينبغي ربط عناصره بالقضايا الكبرى للإعلام في المغرب، مشيرا إلى أن العنوان الكبير الذي يسم هذه القضايا هو “وضع الإعلام الذي يتم إضعافه بالمغرب”.

وأضاف العوني في حديثه لملفات تادلة، أن إضعاف الإعلام في المغرب هو العنوان الكبير لما يعيشه من اختلالات وما يعيشه من بعض الإشراقات أيضا، مؤكدا في نفس الوقت على أن هذه الإشراقات تظهر كمحاولات لمقاومة هذا الوضع المهترئ الذي يعاني من إمكانية تسميته باسمه كإعلام، ومن أجل أن تكون له مكانة، وأن يحمل اسمه، ومن أجل أن يكون قائما كمؤسسات وكسلطة وكمهن وكموارد بشرية، وكصحافيين وصحافيات، وكذلك لمن هم في حكم الصحافيين.

واعتبر الأستاذ الباحث في الإعلام والتواصل في تشخيصه لوضع الإعلام في المغرب، أن هذا العنوان الكبير يحيل على عدد من القضايا الكبرى، مشيرا إلى أن هناك مسألة ذات أهمية بالغة تتعلق بجواب على سؤال، لماذا لا يتم تمكين الإعلام في المغرب من لعب أدواره كاملة؟ ولماذا ليس هناك اعتراف حقيقي وفي الميدان بالإعلام كسلطة وكمهن ذات استقلالية تشتغل وفق القواعد الخاصة بالإعلام، والتي تستند على الحرية والاستقلالية والمهنية والتعددية، وتقديم الخدمة العمومية من حيث هي أساس وجود الإعلام؟

وقال رئيس منظمة حاتم، إن الجواب على هذا السؤال لا يمكن إلا أن يوجهنا نحو صلب المشكل، وهو كيف تنظر السلطة السياسية والسلطة الأمنية والقضائية للإعلام؟ ما هو اعتبارها له؟ هل تتعامل معه كمكون من مكونات الحياة العامة بالبلاد (الحياة العامة وليس السياسية يقصد العوني)؟ وهل تعتبره أحد مكونات وركائز التنمية؟ هل تعي هذه السلطات بأن الكثير من الاختلالات التي تعيشها البلاد في المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وغيرها أن أحد أسباب مظاهر تلك الاختلالات هو غياب الإعلام كمكون مستقل وكسلطة لها طابع معنوي، سلطة معترف بها من طرف الجميع، وعلى الخصوص من قبل السلط الثلاث السلطة التشريعية والقضائية ثم التنفيذية؟

وأكد العوني أن غياب الإعلام كسلطة معنوية، يجعل هناك ارتباكا في علاقات هذه السلط الثلاث فيما بينها، وهو ما يعطينا العديد من الاختلالات أو الأوضاع الخطيرة التي تهدد في بعض الأحيان مستقبل البلاد ككل. يوضح المتحدث.

وأكد أن “هذا المدخل للعنوان الكبير، يطرح ضمنه منذ الاستقلال إلى اليوم سؤالا كيف تعاملت وتتعامل السلطة مع الإعلام؟ بحيث كانت هناك لحظات استطاع فيها الإعلام أن يشرع في فتح الطريق الطويل والصعب كي يقرر مصيره بنفسه” مشيرا إلى أن هذا يحتاج إلى قراءة العقود الماضية، وأن الجواب فيه واضح من خلال ما سبق.

وفي هذا السياق يقول العوني “تطرح علاقة الإعلام العمومي بالإعلام الخاص، وعلاقة الإعلام العمومي والإعلام الخاص بالإطار السياسي والقانوني والثقافي والاجتماعي الذي يحيط بالإعلام”، مبرزا أن هناك الكثير من التفاصيل ينبغي الوقوف عندها من خلال أسئلة كبرى مثل الإعلام العمومي اليوم واشتغاله في أطار “قطب إعلامي متجمد”.

وأوضح أنه رغم التحرير والاستثمار الكبير للدولة في الإعلام العمومي من أجل أن يكون قاطرة للإعلام عامة، لكن مع ذلك، يقول العوني، “نجد هذا الإعلام متخلفا ولا يرقى ولا يقوم بأدنى واجباته، والأخطر هو أن الإقبال عليه أصبح في مستوى لا يمكن مقارنته مع الميزانيات التي تخصص له”.

وتابع العوني بالقول “يمكن الحديث عن عدة نقط في هذا الجانب، وأبرزها لماذا بقي الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية على رأس الشركة لمدة تزيد عن 22 سنة؟، وهذه المسألة لا تتعلق بشخص، وإنما نربطها بطريقة إدارة هذه الشركة التي تشكل أكبر مؤسسة إعلامية في المغرب”.

وتساءل المتحدث، لماذا ومنذ سنوات طويلة تم رفض ومعاندة كل القراءات التي يقدمها المواطن والمواطنة والإعلام، والتي انتهت بقطع العلاقة مع قنوات هذه الشركة، وبالتالي لجوء المواطن إلى استقصاء أخباره وما يريده من إعلام إلى الإعلام الأجنبي العربي أو أوروبي خاصة، وأحيانا حتى الأمريكي، ويلجأ إلى التواصل الرقمي، مشيرا في نفس الوقت إلى أن هناك ميزانيات مفروض أن تصرف من أجل أن تبقى علاقة المواطنة والمواطن المغربي قائمة مع القنوات العمومية التي فيها سيجد الإجابة على حاجياته الإعلامية.

وتساءل في هذا الإطار بالقول “لماذا لم تتغير دفاتر التحملات في هذا القطاع إلا مرة واحدة منذ أزيد من 12 سنة؟ كما لو أن المغرب لا يتغير، وأن أجيالا جديدة لا تأتي… ولماذا الإطار القانوني للإعلام السمعي البصري العمومي، وكذا الإعلام المكتوب إذا تم إدراج وكالة المغرب العربي للأنباء، لم يتغير؟ علما أن قانون الإطار للإعلام السمعي البصري يقول العوني، تم باسم التحرير منذ أزيد 22 سنة في العلاقة بالقطاع الخاص.

واعتبر محمد العوني الذي اشتغل كصحافي مدة طويلة في الإذاعة والتلفزة المغربية، أن تحرير القطاع كان موجها، لأن التحرير، بحسبه، هو أن تكون المبادرة مفتوحة للخواص ورؤوس الأموال وذوي القدرات على إنجاز مؤسسات إعلامية والقيام بها.

وتشخيصا لهذا الوضع قال العوني “نجد هناك ضبط وتقليص للمبادرات الوطنية والمهنية لتطوير الإعلام، وأن تجربة الإذاعات الخاصة تؤكد هذا كما لو أن هناك توزيعا للخريطة والسماح بلاعبين معينين وعدم السماح بوجود إذاعة تهتم بالقضايا السياسية تستطيع أن تتحدث، وأن تحترم التعددية، وأن تكون مجالا للاستماع وثيق من قبل المواطنات والمواطنين”.

وتساءل العوني في ذات السياق “لماذا ليست هناك إذاعات ذات تخصصات يحتاجها المغرب، إذاعات تهتم بالشباب وبقضاياه؟ وغيرها من الأسئلة التي تفيد أن خريطة الإذاعات متحكم فيها من فوق”، مشيرا إلى أن القضية الكبرى هنا هي غياب قنوات تلفزية خاصة بالمعنى الحقيقي، مما يجعل الإعلام التلفزي فقيرا في بلادنا. يؤكد العوني.

وأضاف “فهذا الإطار القانوني الأساسي مع ربطه بالاختيار الأول، وأن التأسيس لإعلام يستطيع أن يكون سلطة مستقلة، وبدون هذا لن نفهم لماذا لا زال الصحافيون يعتقلون في المغرب؟

وتساءل العوني بالقول “لماذا لدينا في المغرب خلط بين الإعلام الإلكتروني والتواصل الرقمي؟  مسجلا غياب إرادة سياسية لتنظيم قطاع الإعلام حتى يكون سلطة منظمة، وأن هذا التنظيم لا يمكن أن يكون بعقلية القرن الماضي أو بعقلية ما قبل الماضي، أي القرن 19 ميلادي، بل لا بد من تنظيم يراعي وضع البلاد والمخاطر التي تحيط بها، وغيرها من القضايا.

 

 




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...