-عبد الحميد النماوي*
إن المتتبع للسياسة التشريعية في بلادنا سوف يلاحظ الكم الهائل من الترسانة القانونية التي يتم انتاجها في الأونة الأخيرة. وإن كان هذا الأمر محمودا لأنه يعطي الانطباع للعموم على أنه مواكبة وتحيين للنصوص القانونية، فإن بعض هذه القوانين إن لم نقل جلها تفتقد إلى الصياغة الدقيقة سواء في مبناها أو معناها، ومرد ذلك أن المشرع يسعى جاهدا من أجل إخراج هذه النصوص التي تغلب عليها المصلحة السياسية على حساب مصلحة المواطنين، وغياب المقاربة التشاركية التي نص عليها الفصل 12 من الدستور، فيظهر العوار على هذه النصوص ليصل إلى حد التماس مع الدستور، فتشكل أزمة تشريعية حقيقية تؤثر سلبا على المجتمع، وتؤدي إلى عدم استقرار المعاملات بين أفراده ومراكزهم القانونية، فيغيب الأمن القانوني الذي يعد أحد الركائز المهمة التي تقوم عليها دولة الحق والقانون.
وخير مثال على ذلك، مشروع قانون المسطرة المدنية الذي أثار نقاشا قانونيا مهما من طرف الفاعلين السياسيين والحقوقيين والمهنيين. وخاصة هيئة المحامين، والذين ناضلوا ضد هذا المشروع وأعلنوا التوقف النهائي عن مهام الدفاع إلى أجل غير مسمى، بعد أن وجدوا أذانا صماء من طرف المعنيين بالأمر.
لكن السؤال الذي يطرحه الكثير، هل إضراب المحامين وتوقفهم عن العمل من أجل مصلحتهم كهيئة الدفاع أم لمصلحة المواطنين؟
قد يخطأ من يعتقد أن إضراب وتوقف المحامين كان من أجل مصالح ضيقة فئوية، بل إنه كان من أجل مصلحة الوطن والمواطنين على اعتبار أن مشروع المسطرة المدنية لم يكن في المستوى المطلوب وجاءت بعض نصوصه غير دستورية.
والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها على سبيل المثال ما يلي:
أن مشروع المسطرة المدنية تضمن مجموعة من القيود المالية فرضت على المتقاضين، والتي تهدد مبدأ حق التقاضي وتضرب مصداقية الدولة الاجتماعية. وأعطت السلطة للمحكمة أن تفرض غرامة تصل إلى 10000 درهم في حالة ما إذا رأت أن أحد المتقاضين يتقاضى بسوء نية (المادة (10) وفي حالة عدم قبول الدعوى (المادة (62) وفي حالة الإخلال بالاحترام الواجب للقضاء (المادة (93). وقد تصل هذه الغرامة إلى 50000 درهم في حالة رفض دعوى مخاصمة القاضي (المادة (423).
والغريب في الأمر أن هذه الغرامات وغيرها يحكم بها لفائدة الخزينة العامة رغم أنها ليست طرفا في الدعوى.
كما أن بعض فصول المشروع جاءت غير منسجمة مع دستور المملكة والمبادئ التي أقرها كمبدأ المساواة امام القانون ووجوب والزامية أن تكون القواعد القانونية دستورية (المادة 6 من الدستور.
فالفصل 383 من الدستور جعل المقررات الصادرة لفائدة المواطنين ضد الدولة والمؤسسات العمومية غير قابلة للتنفيذ، إذا تم الطعن فيها بالنقض، أما إذا صدرت نفس القرارات لفائدة الدولة ومؤسساتها فإنها تصبح متسمة بقوة التنفيذ ضد المواطنين رغم الطعن فيها بالنقض، وهذا فيه حيف وتمييز للدولة على حساب المواطنين، وتناقض مع أحكام المادة 126 من الدستور التي تنص على أن الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع.
ومن بين المواد التي أثارت جدلا واسعا في صفوف الحقوقيين تلك التي ربطت حق التقاضي بقيمة هذا الحق على خلاف المبادئ والأسس التي تعتمد عليها المنازعات القضائية فهي تنطلق من حيث المبدأ وليس القيمة. ومن أهمها المادة 30 و375 من المشروع، والتي حددت القضايا التي لا تفوق قيمتها 30000 غير قابلة للاستئناف، والقضايا التي لا تتعدى قيمتها 80000 درهم غير قابلة للطعن بالنقض. وهذه المواد وغيرها فيها تمييز بين الأشخاص حسب مراكزهم الاجتماعية.
كما أنه لا يفوتني التذكير بالمقتضيات غير الدستورية التي جاءت بها المادة 17 من المشروع، التي أعطت الصلاحية النيابة العامة الطعن في المقررات التي من شأنها الإخلال بالنظام العام دون التقيد بأي آجال للطعن، ولو لم تكن طرفا في هذا المقرر أي أنه يمكن لها أن تطلب الطعن في أي مقرر ولو صدر لمدة تفوق 50 سنة. وهذا فيه خرق لمبدأ حجية الشيء المقضي به ولمبدأ المساواة أمام القانون.
وفي الختام نؤكد على ضرورة إعادة صياغة مواد هذا المشروع صياغة دقيقة ومطابقتها مع أحكام الدستور، مع مراعاة تراتبية القواعد القانونية واستحضار مصلحة المواطنين.
*محام بهيئة بني ملال