مغامرة العبور المستحيل.. رحلة شاب من الفقيه بن صالح إلى الفنيدق

 – عبد المولى جداوي* –

يتابع أسامة، شاب في العشرين من عمره، آخر الأخبار المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي بشأن دعوات لتكرار محاولة 15 شتنبر، حين حاول عشرات الشباب العبور من الفنيدق نحو مدينة سبتة المحتلة، بشكل غير نظامي. يتذكر الشاب رحلته من الفقيه بن صالح إلى تطوان للمشاركة في تلك المحاولة، يؤكد أنه مستعد للمحاولة مجددا، إن تكرر نفس سيناريو يوم 30 شتنبر الجاري.

تعود الواقعة 15 شتنبر إلى انتشار مقطع فيديو على فيسبوك، يظهر فيه شاب يدعو إلى تنظيم محاولة جماعية للعبور إلى مدينة سبتة الخاضعة للاحتلال الإسباني عبر الفنيدق، والخطة التي جرى الإعلان عنها هي التوجه بشكل جماعي وبأعداد كبيرة لا تستطيع القوات العمومية اعتراضها أو السيطرة عليها.

يقول أسامة في حديثه لملفات تادلة: “لقد كنت مصمما على الهجرة منذ سنوات، وكانت الفكرة تراودني كلما سمعت عن نجاح أحد الأصدقاء في الهجرة نحو أوروبا، هذا البلد (المغرب) أهله ‘حگارة’ لم يعد لي مكان هنا، أصبح البقاء هنا مثل المرض المزمن، نحن نتعايش فقط، كل رفاقي يسعون بكل الطرق مغادرة هذا البلد”.

لهذا تجاوب أسامة مع محمد، ابن عمته، الذي شاركه مقطع فديو متداول على منصات التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتيكتوك بشكل خاص)، الدعوة إلى “اقتحام” سياج ومعبر سبتة غذت طموح الشابين في مغادرة البلاد، وتبين لاحقا أنها جذبت آلاف الشباب والأطفال على غرار أسامة وابن عمته.

” كنتا جالس كعادتي أتصفح أخر الأخبار على الهاتف، كانت الساعة الثانية زوالا، حين توصلت بإشعار مقطع فيديو، ظهر شاب يدعو إلى تنظيم محاولة تنطلق من مدينة الفنيدق للوصول إلى مدينة سبتة المحتلة، حينها ظهر لي أنها الفرصة التي كنت بانتظارها، وقررت المشاركة”.

تواصل أسامة مع ابن عمته، واتفق الشابان على المغامرة، رغم أن السلطات بدأت حينها في تشديد المراقبة على ضواحي الفنيدق، لكن ذلك لم يثنهما عن تنفيذ ما عزما عليه، “كنا نعلم بأمر تشديد المراقبة عند نقط تفتيش، لذلك انطلقنا على الساعة العاشرة من مساء يوم الأربعاء ووصلنا هناك حوالي السادسة من صباح يوم الخميس”.

يذكر أسامة في حديثه إلينا أنه تم توقيفهم عند نقطة تفتيش، “أوقفونا لفترة، وكانوا ينزلون القاصرين من الحافلات، وكانوا يفتشون الحقائب ويدققون في البطاقة الوطنية، لكن من حسن حظنا أنهم تجاوزونا، واعتبرتها إشارة خير” يقول أسامة.

لم يكن أسامة وابن عمته فقط في تلك الرحلة، فالشابان العشرينيان كانا مصحوبين بطفل قاصر قدم معهما من إقليم الفقيه بن صالح، ورافقهما في هذه المغامرة “كانت لحظة التفتيش لحظة رعب، فلو ضبطوا القاصر معنا لكنا سنواجه مشاكل” يضيف الشاب.

وصل الثلاثة إلى محطة تطوان، بعدها يقول “لجأنا إلى غابة هناك اختبأنا فيها، وتناولنا طعاما وجلسنا لمراقبة الوضع، كنا نريد الذهاب إلى الفنيدق مشيا على الأقدام، لكن المسافة لم تكن قريبة، فضلا عن أننا كنا تائهين، وقابلنا بعض الشباب الذين يقصدون نفس الوجهة، هؤلاء اقترحوا علينا امتطاء سيارة الأجرة”.

مع اقتراب الشباب من مدينة الفنيدق، لاحظوا انتشارًا كثيفًا للقوات العمومية، “بدأت مطاردات عناصر القوات العمومية، مما أثار الرعب في نفس محمد والطفل القاصر، وقررا الانسحاب والعودة، كان الشباب خائفين من التعنيف ومن تجريدهم من هواتفهم والمبالغ التي معها”، يقول أسامة.

الشاب الذي كان مصمما على الاستمرار بعد كل ما أنفقه من مال وجهد، استسلم لضغط المجموعة ما جعله يتراجع في النهاية ويعود معهم إلى بلدته بخطوات يائسة، يقول “كنت أرغب في الاستمرار، لكني عدت مخافة أن يتم توقيفنا وترحيلنا إلى ورزازات أو الداخلة، لذلك قررنا العودة”.

يتذكر أسامة ما واجهه في هذه التجربة، ويتذكر أكثر ما شاهده، “أنتم تعرفون ما أصاب الشباب هناك، عند عودتنا قابلنا شبابا تعرضوا للعنف والتجريد من هواتفهم وأحذيتهم، قابلنا شابا من العرائش قامت السلطات بترحيله إلى الفقيه بن صالح، لم يكن معه شيء، ساعدناه بمبلغ تذكرة الحافلة إلى الدار البيضاء وهناك عليه أن يتدبر أمره، أذكر عينيه مغرورقتان بالدموع، أثر في كثيرا”.

بعد عودته من تجربة الفنيدق، لم يتخل أسامة عن فكرة الهجرة، “من الأفضل الحصول على عقد عمل، تلك المغامرة كانت صعبة وغير مضمونة، لكن الحصول على عقد عمل أو فيزا طريقة مضمونة”، وأكد في حديثه معنا “الحريك ما مسلكش”.

يعتبر أسامة أن “هاذ البلاد ماليها حگارة، وأنا لم يعد لي مكان هنا، الجلوس هنا لا يجلب سوى المرض، نحن نتعايش فقط، كل رفاقي يسعون بكل الطرق مغادرة هذا البلد”، يؤكد الشاب ويضيف “العمل في الفلاحة، رغم كونه شاقًا لساعات طويلة، لا يوفر إلا أجرًا زهيدًا لا يتجاوز 60 درهمًا، هذا ما يدفعنا للبحث عن مستقبل أفضل خارج المغرب”.

لم يتوقف أسامة وهو يتحدث إلينا عن التذكير بضيق ذات اليد وانسداد الأفق، فهو لم يتمكن من الحصول على شهادة الباكالوريا، وتم فصله من الدراسة، “تقدمت باستعطاف كي أعود للدراسة وأنتظر البت فيه”، لكنه مع ذلك غير مقتنع بأن المسار الدراسي سيغير أحوال أسرته، “أشفق على والدي، مهما فعلت فلن أرد لهما الجميل، لذلك أغامر كي أوفر لهما وضعا أفضل” يختم الشاب حديثه إلينا منهيا كلامه بالدعاء.

 

 * صحافي متدرب




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...