عتيقة العوفير: مستجدات قانون المسطرة المدنية وحقوق المتقاضين

-ملفات تادلة 24-

أحدث مشروع قانون المسطرة المدنية جدلا واسعا لدى مختلف الهيئات المهنية والمهتمين بالشأن القانوني، نظرا لما يحمله من مستجدات، يرى المختصون أنها تمس الحقوق الدستورية المخولة قانونا للمتقاضين.

وقد جاء المشروع تبعا لمخرجات ورش إصلاح منظومة العدالة، والذي يهدف إلى تحديث القوانين وجعلها دافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتشجيع الاستثمار.

ونظرا لأهمية قانون المسطرة المدنية كقانون إجرائي، ينظم التشريع العام الإجرائي للتقاضي، وكيفية الولوج للعدالة، فإن مقتضياته بلا شك تؤثر في الأمن القضائي وتحقيق العدالة وبث الثقة في نفوس جميع المواطنين بلا استثناء.

ومن أبرز المستجدات التي جاء بها مشروع قانون المسطرة المدنية، وهي المادة 17 التي تمكن النيابة العامة من الطعن في الأحكام القضائية المخالفة للنظام العام، وذلك دون التقيد بآجال الطعن سواء كانت طرفا أصليا في الدعوى أم منضما. وهذا في نظري له جانب إيجابي يتمثل في إحقاق الحقوق وتتبع الأحكام القضائية حتى بعد مرور فترة من الزمن. أما الجانب السلبي، فإن تخويل النيابة العامة لهذه الآلية سيؤثر في الأمن القضائي وفي زعزعة الثقة بالأحكام النهائية خاصة بعد القيام بإجراءات التنفيذ التي تطول أو تقصر حسب الحالة.

ومن بين المستجدات المهمة أيضا تحديد الاختصاص القيمي للدعاوى، بمعنى أن الحق في التقاضي على درجتين لم يعد متاحا للجميع، ونستخلص ذلك من المادة 30 وكذا المادة 375 من المشروع، وتنص المادة الأولى أن المحاكم الابتدائية مختصة بالنظر ابتدائيا وانتهائيا إلى غاية 40000 درهم مع حفظ حق الاستئناف في الطلبات التي تتجاوز هذا المبلغ، وهذا يعني أن الدعاوى التي تقل قيمتها عن 40000 درهم لا يمكن لأطرافها الطعن بالاستئناف، وهذا بلا شك يمس مبدأ التقاضي على درجتين المنصوص عليه دستوريا.

كما أن المادة 375 تنص على أن الطعن بالنقض يكون في حدود 100000 درهم، وهذا من شأنه أيضا أن يحرم فئة عريضة من المتقاضين من حقهم في الولوج المستنير إلى العدالة، خاصة أن محكمة النقض كهيئة عليا تراقب تطبيق القانون. ومن باب الانصاف فإن الاحكام القضائية قد يشوبها الخطأ. ومع كثرة القضايا المعروضة على القضاء قد يغفل القاضي جانبا قانونيا فيلجأ المتضرر لمحكمة النقض باعتبارها محكمة قانون لتتولى مراجعة الحكم والتعليل الذي تبناه القاضي ومدى التطبيق السليم للقانون فتصدر قرارها تبعا لذلك، إما بنقض القرار الاستئنافي أو تأييده. وبهذا فإن الرفع من المبلغ القيمي للدعاوى سيؤثر في الحقوق الدستورية المخولة قانونا للمتقاضين.

من بين المستجدات أيضا تكريس مبدأ التقاضي بحسن نية، حسب ما ورد في المادة 10، غير أنه إذا ثبت في حق أحد الأطراف التقاضي بسوء نية، فإنه معرض للحكم بغرامة مالية لا تقل عن 10000 درهم. وهذا في رأيي سيساهم بلا شك في تخفيف العبء على المحاكم والتقليص من دعاوى لا طائلة منها إذ أن المتقاضي سيفكر كثيرا قبل أن يرفع دعواه، خاصة أن المحكمة قد تحكم تلقائيا بالغرامة المذكورة. ومن جهة أخرى فإن سؤالا يطرح نفسه في هذا الباب. ما هو معيار تقييم سوء النية؟ وماهي الآليات التي سينبني عليها اثبات سوء النية؟ وأيضا كيف سيدافع المتقاضي حسن النية إذا تم التشكيك في حسن نيته؟ أظن أن طرح هذه التساؤلات والجواب عنها يبقى مشروعا.

من المستجدات أيضا تخويل مهمة التبليغ للمفوضين القضائيين كقاعدة أي أن التبليغ اختصاص أصيل للمفوض القضائي مع الاحتفاظ بآليات التبليغ الأخرى عند الحاجة. كما ألزم مشروع قانون المسطرة المدنية المحامين بالسهر على تبليغ الأطراف تحت طائلة عدم القبول، وإن كان هذا المقتضى من شأنه أن يساهم في الاسراع في البث في الملفات والتقليص من هدر الزمن القضائي، فإنه قد يثقل كاهلهم بمهمة التبليغ خاصة مع ما يترتب عن عدم القيام بذلك، وهي الحكم بعدم قبول الدعوى. ونذكر في هذا الإطار رفض مجموعة من الفعاليات والهيآت الحقوقية أغلب المستجدات التي جاء مشروع قانون المسطرة المدنية خاصة منها التي تمس بحقوق المتقاضين وتقزم دور بعض الهيئات المهنية.

ويبقى مشروع قانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية محط اهتمام كل متتبع للشأن القانوني. خاصة أن مضامينه وخطورتها على عملية التقاضي بدء من رفع الدعوى إلى تنفيذ الحكم، قد لا يدركها المواطن العادي لكنه سيلامسها دون شك عند أول نزاع وعند أول خطوة يخطوها للمحاكم.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...