محمد الغلوسي يفكك خلفيات مشروع قانون المسطرة الجنائية (حوار)

أجرى الحوار : محمد لغريب

ـ أثارت مصادقة مجلس الحكومة على مشروع قانون 03.23 بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية رقم 03.23 الذي أعدته وزارة العدل، موجة غضب واسعة في أوساط الجمعيات الحقوقية، ومنها الجمعية المغربية لحماية المال العام. هل كنتم تتوقعون كجمعية أن يخرج المشروع بهذه الصيغة بالنظر إلى السياق العام الذي يعيشه المغرب، والمتسم بتراجع دور وفعالية جمعيات المجتمع المدني والأحزاب السياسية؟

في الحقيقة، فإن موضوع المادة الثالثة من مشروع قانون المسطرة الجنائية لم يكن مفاجأ لنا، لكون وزير العدل عبد اللطيف وهبي  تحدث عن الموضوع أكثر من مرة، وتحدث بصيغة اليقين والجزم تارة وبصيغة التهديد والوعيد تارة أخرى، وتبين أن هذه التصريحات المتواترة تمت من داخل قبة البرلمان ومن داخل المؤسسة التشريعية، واختار الرجل البرلمان ليطلق منه هذه التصريحات والوعيد اتجاه الجمعيات التي تقوم بالتبليغ عن الفساد، واتضح أيضا أن الوزير ما كان ليتحدث بتلك الطريقة وبذلك الوضوح لو لم يكن قد حصل على الضوء الأخضر من أجل تمرير هذه المادة.

فهذا التهديد والوعيد أصبح واقعا وصادق عليه مجلس الحكومة أي الأغلبية وننتظر الوقت ليمر عبر مؤسستي مجلس النواب ومجلس المستشارين، هذه المادة للأسف الشديد شكلت وتشكل تراجعا كبيرا عن المكتسبات الدستورية، وخاصة المادة 12 من الدستور التي تخول لجمعيات المجتمع المدني أدوارا رئيسية، وأيضا تراجعا عن التزامات المغرب الدولية، بحيث أن المغرب صادق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تعطي دورا رئيسيا ومهما للجمعيات والمجتمع المدني في مجال مكافحة الفساد.

واعتقد أن التوجه الحكومي استفاد من واقع قائم، وهو اختلال موازين القوى بسبب تراجع الأحزاب السياسية وهشاشة فعلها وضعف هذه الأحزاب، بما فيها الأحزاب اليسارية والديمقراطية التي من المفروض أن تشكل حصانة للمجتمع اتجاه مثل هذه الانقلابات على الدستور وعلى القانون.

وهذا الضعف استغله هذا التحالف لتمرير هذا القانون الذي يهدف في عمقه إلى شيئين أساسيين، الأول هو تجريد المجتمع من إمكانياته وآلياته القانونية والمؤسساتية للقيام بدوره في مكافحة جرائم المال العام، ومن جهة ثانية إيقاف وعي بدأ يتنامى في المجتمع حتى لا يتحول إلى وعي مؤثر ورأي عام وزان وضاغط قادر على القيام بدوره في مكافحة الفساد، وبالتالي إزعاج القوى والمراكز المستفيدة من واقع الريع والإثراء غير المشروع.

-حصرت المادة الثالثة من مشروع قانون المسطرة الجنائية حق تحريك الأبحاث والمتابعات القضائية في رئيس النيابة العامة بناء على إحالة تقارير عليه من طرف الجهات الواردة في المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، وقلتم إن ذلك يشكل تدخلا سافرا في السلطة القضائية من طرف السلطة التنفيذية. هل يمكن الحديث عما وصفه البعض بتكريس المزيد من التغول لهذه السلطات؟

هذه المادة أولاد قيدت دور المجتمع المدني في القيام بدوره والتبليغ عن الفساد، وثانيا قيدت دور النيابة العامة، لأن هي من تعرف بأن الجمعيات هي التي تضع الشكايات، وأن النيابة العامة هي صاحبة السلطة، فالمجتمع المدني لا يملك سلطة، فالجمعيات تقدم شكايات وتبلغ عن الفساد، والنيابة العامة لها سلطة الملاءمة ولها العديد من الإمكانيات في البحث عن الوقائع الواردة في التبليغات والشكايات والوشايات التي تتوصل بها، لذلك فإن مهندسي هذه المادة أدركوا جيدا بأنه إذا كانت الجمعيات المدنية والجمعيات الحقوقية تلعب دورا في إثارة هذه القضايا وإخراجها إلى الوجود، والتبليغ عن تلك الشبهات فحسب، فهي أدركت أن من يتمم هذا العمل ويعطيه روحا وحياة هي النيابة العامة التي تحيل على الأبحاث، وهي التي تحرك المتابعات بمعنى أنها هي المبتدأ والخبر في نهاية المطاف وصاحبة القرار، لذلك فإنها اهتدت إلى تقييد المجتمع المدني بعدم التبليغ، وضمنت وهذه أخطر ما في الموضوع، أنها قامت بغل يد النيابة العامة في مجال جرائم المال العام، لذلك حصرت الموضوع في رئيس النيابة العامة الذي له هذه الصلاحية، وهي مشروطة ومقيدة بالإحالات التي يتوصل بها من طرف المؤسسات الواردة في المادة الثالثة، كالمجلس الأعلى للحسابات وغيرها من المؤسسات الأخرى.

فواضعو هذا المشروع تدخلوا في عمل الجمعيات المدنية لتقزيم وتحجيم أدوارها، وتدخلوا أيضا في السلطات القضائية وقاموا بغل يد النيابة العامة وتقييدها فيما يتعلق بجرائم المال العام، ونتحدث بالدرجة الأولى عن اختلاس ونهب الأموال العمومية، وهذه النيابة العامة أصبحت لا تتحرك من تلقاء نفسها على خلاف ما ورد في مشروع قانون المسطرة الجنائية، فما هو متعارف عليه في التشريعات الدولية، هو أن النيابة العامة يجب عليها أن تتحرك ولو تعلق الأمر بوشاية مجهولة المصدر.

هل أنتم المقصودون كجمعية مغربية لحماية المال العام بالمادة الثالثة من مشروع قانون المسطرة الجنائية، خاصة وأنكم كنتم ممن فجر ملفات فساد ونهب للمال العام بعضها حسم فيه القضاء، والبعض لا زالت التحقيقات جارية فيه، فضلا عن شكايات لا زلتم تنتظرون إزالة الغبار عنها؟

يمكن أن تكون الجمعية المغربية لحماية المال العام هي المقصودة، ولكن في نهاية المطاف المقصود بالدرجة الأولى هو المجتمع ككل، بمعنى أن هذه المادة تستهدف الجمعية المغربية لحماية المال العام وتستهدف من جهة أخرى المجتمع ككل بتنظيماته المدنية والحقوقية، وذلك بلجم هذا المد المجتمعي الذي تعبر العديد من المؤشرات التي لا تخطئها العين، وبالتالي لجم الوعي المتنامي اتجاه جرائم المال العام، للأسف الشديد موازين القوى لصالح التوجه المستفيد من واقع الفساد وواقع الريع والإثراء غير المشروع.

بالمناسبة، فهذا التوجه هو نفسه الذي أجهض تجريم الإثراء غير المشروع، وهو نفسه الذي جمد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، هو نفسه الذي يرفض حتى حدود اليوم تعديل قانون التصريح بالممتلكات، هو نفسه اليوم الذي يجهض أقسام جرائم الأموال، ونحن نعرف أن هناك أربع محاكم للاستئناف في المغرب المختص في جرائم المال العام مراكش، الدار البيضاء، فاس، الرباط. بمقتضى هذه المادة تصبح هذه الأقسام بلا معنى، لأن الوكلاء العامين بهذه المحاكم وفقا لقانون المسطرة الجنائية الحالية، ووفقا للمرسوم الذي أحدث أقسام جرائم المال العام تصبح هذه النيابات العامة لها صلاحيات في تحريك الأبحاث والمتابعات القضائية في الشق المتعلق بجرائم المال العام.

اليوم نكون أمام نص المادة الثالثة الذي يفرغ هذه الأقسام من أي محتوى، ويجعل سلطة تحريك الأبحاث والمتابعات القضائية في يد جهات أجنبية خارج جسم السلطة القضائية، وبالتالي يهدم هذا المكتسب الذي تحقق، والمتعلق بأقسام جرائم الأموال ويهدم مقتضيات قانون 10-37 الذي يفرض على الناس التبليغ عن جرائم الفساد.

إذا يبدو أن هناك صراعا في الدولة والمجتمع أيضا بين أطراف وأقطاب وتوجهات، على الأقل بين توجهين كبيرين توجه، يطمح إلى توسيع دائرة الإصلاحات السياسية والدستورية والمؤسساتية ومكافحة الفساد في الحياة العامة والقضاء على اقتصاد الريع وعدم الإفلات من العقاب، وبناء نموذج تنموي يقوم على المساواة في التوزيع العادل للثروة والعدالة المجالية، وتوجه آخر يرى بأن مثل هذه الإصلاحات تشكل خطرا عليها وعلى مصالحها، ولذلك فهي توظف كل الإمكانيات والآليات من أجل لجم أي تحول ديمقراطي يمكن أن يحصل على هذا المستوى، مستغلا كافة الإمكانيات بما في ذلك مؤسسة البرلمان الذي من المفترض أن يكون دستوريا وسياسيا في خدمة تطلعات وطموحات المجتمع في التنمية والعدالة، إلا أنه استغل لخدمة مصالح هذا التوجه المستفيد من زواج السلطة بالمال.

لمحتم في خرجات إعلامية متعددة كجمعية مغربية لحماية المال العام، أن وزير العدل عبد اللطيف وهبي هو من سعى ويسعى إلى حرمان الجمعيات الحقوقية من حق تقديم الشكايات إلى النيابة العامة في شأن الجرائم الماسة بالمال العام، وأن وزير العدل عبد اللطيف وهبي يدافع عن مركب مصالح معين. هل هو تخوف من تحول قضية الفساد ونهب المال العام إلى قضية رأي عام، خاصة بعد الملفات التي تفجرت في الأشهر الماضية؟

في الحقيقة هناك شعور عام حتى لدى بعض المؤسسات في الدولة بشيوع الفساد والرشوة والريع في الحياة العامة، وفي المجتمع والدولة، هذا الشعور العام هو نتاج بالدرجة الأولى عن تقارير وواقع يتحدث عن شيوع هذا الفساد وخطورته على كافة المجالات، بحيث أنه لم يعد خافيا على أن المغرب يحتل المرتبة 123 في مؤشرات التنمية البشرية، أيضا لم يعد خافيا على أن الفساد في المغرب يلتهم 5 في المائة من الناتج الخام أي ما يشكل 5 مليار درهم سنويا، لم يعد خافيا على أن الدولة أطلقت برامج ومولت برامج بأموال عمومية كبيرة إلا أن هذه البرامج لم يلاحظ أثرها على المجتمع وعلى الفئات المستهدفة من هذه البرامج، والزلزال الذي ضرب الحوز والأقاليم الأخرى مثلا  كشف عن الهوة الشاسعة في العدالة المجالية واتضح أن ثمار البرامج التنموية التي يتم الحديث عنها لم تصل إلى هذه المناطق المعزولة، كما بينت الفيضانات التي وقعت في طاطا وورزازات وزاكورة… أن هناك تفاوتا وهوة شاسعة في العدالة المجالية، واتضح أن هناك شبكات ومافيات تغولت ووصلت إلى مواقع القرار، وتفكيك شبكة إسكوبار الصحراء مثلا التي فيها قياديون حزبيون ويحتلون مواقع متقدمة في المسؤولية  العمومية الإقليمية والجهوية، أيضا تفكيك شبكات تتاجر في الرضع وفي تجهيزات المستشفيات العمومية، وتفكيك شبكات تستغل مجال الصفقات العمومية للإضرار بالمصالح العليا للبلاد، وبالتالي مراكمة الثروة بطرق مشبوهة.

هذه الشبكات والمافيات التي تم تفكيك جزء بسيط منها، بين على أن الفساد تمكن من دواليب الدولة والمجتمع، وبالتالي لم يعد الأمر يقبل التسامح معه أو التساهل مع مرتكبيه، وفي هذا الإطار تعالت الأصوات المستفيدة من واقع الريع والفساد، والتي تم المساس بمصالحها، وبالثروة التي راكمتها، فبدأت تضغط على الدولة على أن هذا المنحى يمكن أن يشوش على التنمية ويمكن أن يمس بصورة المغرب، ويمكن أن يقدم المغرب على أنه مجرد مجال فساد والرشوة واللصوص وما إلى ذلك، وهذا يهدد الاستثمار، وبالتالي ضغطت النخبة الحزبية والسياسية بأنها تترشح للانتخابات وتقدم أشخاصا بهدف تحصين البلد من كل الانزلاقات والتوترات الاجتماعية.

وهذا التوجه والمنحى على عكس ما يوحى إليه فهو يصب الزيت على النار ويؤجج الأزمات ويساهم في تعميق المخاطر، وبالتالي على الدولة ألا ترضخ لهذا التوجه لأنه اتضح أن هناك من يريد أن يؤسس دولة داخل الدولة من خلال الدفاع وتحصين الامتيازات والمكتسبات، وكان الهدف من ذلك هو إيجاد تبرير من أجل إخراج المادة الثالثة في مشروع قانون المسطرة الجنائية وإثارة الخوف لدى مؤسسة الدولة بأن السير في هذا المنحى سيجلب أضرارا كبيرة وسيمس بصورة ومصداقية المغرب وهو المقبل على استحقاقات كبيرة.

وهكذا تمكنت هذه النخب والمواقع بالنظر إلى قوتها وأنها تشكل لوبيات ضاغطة، تمكنت من إخراج هذه المادة وأنها تعمد إلى إيقاف كل المنحى الذي يهدف إلى مكافحة الفساد والمطالبة بربط المسؤولية بالمحاسبة فهذه المادة الثالثة تقنين ما هو مقنن، فالمجلس الأعلى للحسابات لا أحد يمنعه من إحالة التقارير على القضاء بل هناك المادة 111 من مدونة المحاكم المالية قانون 69-160 التي تفرض على الوكيل العام للمجلس الأعلى للحسابات إما تلقائيا أو بطلب من رئيس المجلس الأعلى للحسابات، أن يحيل التقارير ذات الصبغة الجنائية على القضاء، بمعنى أن لا أحد يمنع المجلس الأعلى للحسابات من إحالة هذه التقارير، لا أحد يمنع تلك المؤسسات كالمفتشيات العامة من إحالة هذه التقارير على القضاء، لذلك ما الداعي إلى تنظيم هذه العملية المنظمة أصلا بمقتضى قوانين خاصة، وبالتالي يصبح واضحا الهدف في عمقه أن هذه المؤسسات يمكن أن نجد معها توافقات ومخارج، ويمكن أن تخضع لتقديرات سياسية يمكن أيضا لضعف إمكانياتها ومواردها أن لا تقوم بالدور الكامل في هذا المجال.

فالمجلس الجهوي الأعلى للحسابات بمراكش أنجز تقريرا على مستوى جهة مراكش أسفي، ولم ير الرأي العام إلا تقريرا واحدا يتعلق بفترة عبد العالي دومو الذي كان يتولى رئاسة الجهة لما كانت تسمى جهة تانسيفت الحوز، لم نر التقرير في عهد أحمد التويزي، لم نر التقرير في عهد حميد مغري، لم نرى التقرير في عهد سمير كودار، هولاء القياديين في حزب الأصالة والمعاصرة لم نر تقريرا صادرا عن المجلس الأعلى للحسابات يهم هذه الجهة خلال تولي هؤلاء مسؤوليات تدبير هذه الجهة، إذا الأمر بات واضحا أن هناك ضغطا كبيرا على مؤسسات الدولة وعلى مؤسسات الحكامة من أجل أن تخضع للتوجه المستفيد من واقع الفساد والريع، وبالتالي على المجتمع أن يكون يقظا وحيا لكي يرد على مبررات هذا التوجه الذي يهدف إلى تحصين قلاع الفساد بالمغرب.

-أعلنتم في بيانكم الأخير عن فتح مشاورات مع هيئات ديمقراطية وحقوقية وفعاليات مدنية للتفكير في تشكيل وتأسيس إطار يجمع طاقات مختلفة لمناهضة الفساد. ألا ترون أن الفساد اليوم اكتسب مناعة قوية وبدأ يوظف المؤسسات والقوانين للدفاع عن مصالحه، مما يستدعي معركة في حجم هذه المناعة؟

نحن في الجمعية المغربية لحماية المال العام سننظم وقفة احتجاجية يوم 21 شتنبر أمام البرلمان، ونحن الآن نجري مشاورات ونقاشات مع أطراف نقابية وسياسية وحقوقية، وفعاليات مدنية وطاقات أكاديمية وغيرها من المجتمع، المؤمنة بأن المغرب يتوفر على مؤهلات ومقومات التقدم إلى الأمام، وراكم مكتسبات على مستويات مختلفة لا بد من تعميقها، ولا بد من تعزيز الإصلاحات المؤسساتية والدستورية في بلادنا لرفع التحديات المطروحة علينا داخليا وخارجيا، وأيضا حتى لا نتفاجأ بعد مرور عشر سنوات بأن النموذج التنموي الجديد قد فشل بسبب سياسة الريع والفساد.

-الجمعيات النسائية اشتكت بدورها من مشروع قانون المسطرة الجنائية واعتبرت أنه لا يتضمن ما يكفي من الحماية القانونية للمرأة المغربية، خصوصا فيما يتعلق بجرائم العنف ضد النساء، من موقعكم كمحام بهيئة مراكش، هل كان استهداف المجتمع المدني بشكل مقصود من خلال بعض المقتضيات في المشروع؟

مشكلة المسطرة الجنائية ومشكلة القانون في المغرب، هو التنزيل لهذه المقتضيات بحيث أن الممارسة هي الكفيلة أن تعطي دفعة لأي قانون وأن تبث الحياة في النصوص، ويمكن أن تكون النصوص القانونية متقدمة والممارسة متخلفة، وبالتالي فإن تلك النصوص ستصبح ضررا على المجتمع بينما وضعت من أجل أن تحقق تقدما وهو الشيء الذي نلاحظه على مستوى مدونة الأسرة بحيث أن النصوص متقدمة وأن بنيات التخلف لا زالت متغلغلة ولا زال لها دور في المجتمع، ولتأخرنا في مجال التعليم والثقافة والبحث العلمي والمعرفة.

فالنصوص القانونية مهما تقدمت إذا لم تجد بيئة ومناخا يساعد على أن تكون لها روح ومعنى، فإنها ترتد وتعطي عكس المأمول منها، بحيث تصبح تلك القوانين هي السبب في التأخر وفي التعثر كما وقع في مدونة الأسرة، فمثلا أصبح الجميع يتحدث عن أن ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع راجع لمدونة الأسرة، والحال أن الأمر لا يرجع إلى القانون، بل يرجع في جزء كبير منه إلى تخلف العلاقات الاجتماعية وغياب الوعي الاجتماعي بأهمية ودور العلاقات الإنسانية، وبالتالي فمشروع قانون المسطرة الجنائية هو البوابة أو المنفذ إلى العدالة، فإذا كان القانون الموضوعي مهم فإن القانون المسطري هو الأهم، لأن هذا الأخير هو الذي يضع القنطرة والجسور للوصول إلى تحقيق تلك الحقوق.

-انتقدتم مشروع قانون المسطرة الجنائية المصادق عليه من طرف المجلس الحكومي، وركزتم على المادة الثالثة بالتحديد، ألا يمكن القول إن المشروع جاء بالعديد من المقتضيات التي تهدف إلى تكريس العدالة الجنائية بالمغرب وحماية الحقوق والحريات، مثلا وضع آليات للوقاية من التعذيب وتعزيز المراقبة القضائية على عمل الشرطة القضائية وغيرها؟

هناك مكتسبات بالفعل جاء بها مشروع قانون المسطرة الجنائية، وهذا لا ننكره ولا يمكن إلا تثمينها واعتبارها مهمة وإيجابية لا بد من الدفع بها كي تصبح قانونا، إلا أنه كما قلت سابقا تبقى الممارسة والبيئة الحاضنة لهذه المسطرة هي الكفيلة بتقدير مدى جودة هذه النصوص، فالممارسة هي المعول عليها لإعطاء زخم لهذه النصوص الواردة في مشروع قانون المسطرة الجنائية.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...