رشيد العلوي يكتب: دخول مدرسي في ظل تحولات مقلقة

يتميز الدخول المدرسي لموسم 2024/2025 بعدة أمور تخص سير العملية التعليمية التعلمية ببلادنا، وهو الدخول الذي ينظمه المقرر الوزاري رقم 016.24 بتاريخ 03 يوليوز 2024، والذي حدد تاريخ 09 شتنبر 2024 لانطلاق الموسم تحت شعار: من أجل مدرسة عمومية ذات جودة للجميع.

حدد المقرر مجموعة من الغايات العامة والمتمثلة في مضاعفة نسبة المتحكمين في التعلمات الأساس، والمستفيدين من الأنشطة الموازية، وتقليص نسبة الهدر المدرسي إلى الثلث. كما يهدف الى مواصلة خارطة الطريق التي تصر على ضرورة تعميم التعليم الأولي، والتعميم التدريجي لمؤسسسات الريادة، وتعميم تدريس الأمازيغية بنسبة 50% في التعليم الابتدائي، وزيادة نسبة 50% من تدريس الإنجليزية في الثانوي الإعدادي.

قد لا تهم كل تفاصيل المقرر الوزاري لأنها تنظيمية أكثر، في حين أن لهذا الموسم طعم خاص يتمثل في الوضعية العامة للمغرب ككل.

لا يخفى على من تتبع الشأن المغربي منذ العقد الثامن من القرن الماضي حجم التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي حدثت في المغرب، جراء الوفاء التام لتوجيهات وإملاءات المؤسسات المالية الدولية، فمنذ برنامج التقويم الهيكلي في شطريه، ستتواصل سلسلة الهجومات المتتالية على الخدمات الاجتماعية العمومية: الصحة، التعليم، التقاعد، صندوق المقاصة… وقد سنّت الدولة عبر الحكومات المتعاقبة جملة إصلاحات مست في الجوهر مجانية التعليم العمومي منذ حكومة التناوب إلى اليوم، لذا يعتبر الهجوم الذي تتعرض المدرسة المغربية، بعد استهداف المجانية، مجرد حصيلة لقرارات سياسية سابقة تخدم مصالح طبقية لكمشة من المستغلين.

يسير المغرب بسرعتين مختلفتين، ففي الوقت الذي نتابع ما يجري من تحديث للبنيات التحتية ومن أداء كروي، فان العديد من القضايا تستحق الاهتمام، لاسيما الصحة والتعليم، لكي نتحدث حقا عن أداء تربوي وأداءات أخرى، لأن غلاء المعيشة واستفحال ظاهرة الجفاف وأثره على المجتمع يظل مقلقا للغاية.

سيواجه الدخول المدرسي الحالي بجملة من الإكراهات أهمها تزامنه مع الوضعية الهشة للأسر المغربية ولا سيما مع توالي سنوات الجفاف وغلاء المعيشة، والتخلي عن مشروع مليون محفظة الذي يستفيد منه المتعلمون والمتعلمات وخاصة في مدن الهامش. ناهيك عن عدم تكافؤ الفرص بين المواطنين، وأقصد تنامي المدارس الخاصة ومدارس البعثات، مما يجعل تعليمنا غير موحد يكرس للتمييز الطبقي.

يذكي التعليم الخصوصي (رغم عمره القصير) جملة أوهام لدى الأسر المغربية، منها أساسا: أن مستوى المتعلم سيتحسن بكثير في إتقان اللغات، ضمان النجاح بتميز لجميع المتعلمين، جودة الخدمات بفضل طاقم فعال في خدمة المتعلم، الترفيه المؤدى عنه.

  • تحسين اتقان اللغات:

صحيح أن الأسر المغربية التي تمكنت من تسجيل أبنائها في المدارس الخصوصية تستحسن مستوى أبنائها في اتقان اللغة الفرنسية، غير أن هذا الأمر يستوجب الانتباه كثيرا لأن مستوى التعليم الأولي الخصوصي، يمنح اللغة الفرنسية مكانة أساسية في التربية على حساب المستوى الحسي والحركي، وفي المرحلة الابتدائية على المستوى الوجداني والعاطفي، ومع كامل الأسف فالطفل الذي لم يبلغ بعد ربيعه السادس ينبغي أن ينال حظه من هذه المستويات الثلاثة: الحركي والحسي والوجداني، قبل تعلم اللغة، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن أغلب الأسر التي تلجأ إلى هذا النوع من التعليم لا تمنح أطفالها ما يكفي من الوقت لتدارك ما فاتهم في الروض، بسبب اشتغالها في ظروف لا تقل عن ظروف الاستعباد الجديد. هذا ناهيك عن مشكلة الاختيار اللغوي في المغرب.

  • ضمان النجاح بتميز:

هلا تساءلت يوما في قرارة نفسك: كيف يصنع النجاح في المدارس؟ أقول بصريح العبارة أن النجاح يصنع وصار صناعة لها قواعدها ولها متقنوها، وهو ما سأسميه فيما سيأتي بالنزعة التقنوية التي غزت المنظومة التعليمية المغربية وصارت خيارا واستراتيجية وإيديولوجية لا تقبل النقد أو النقاش.

  • جودة الخدمات:

الخدمات تتوجه الى نفسية وذهنية الأسر والمتعلمين معا، لأن المدارس العمومية لا تهتم بجودة الخدمات ولا توفرها أصلا.

  • الترفيه المؤدى عنه:

في السابق كانت المدرسة العمومية حضن الرياضات المدرسية ومجال اكتشاف العوالم الاخرى: المخيمات الرحلات الجبلية، المسرح، التنشيط، الألعاب الجماعية، تربة خصبة لصقل المواهب والطاقات الإبداعية… كانت المدرسة العمومية مختبرا وفضاء حرا يسع الجميع ويساهم في بناء الشخصية والاحتكاك، فضاء جغرافي تتوفر فيه كل مقومات معايير التربية الحديثة بامتياز، ولكن ماذا عن المدارس الخصوصية؟ صناديق أسمنتية لا تتوفر حتى على الساحات ناهيك عن الملاعب أو مجالات تحرك الأطفال: يحتاج الطفل بحكم سنه وخصائصه الفيزيولوجية إلى الحركة الزائدة والنشاط والحيوية…

ما بعد البكالوريا: ما الذي تقدمه الدولة لطلاب ما بعد البكالوريا؟

مدرجات مكدسة في الكليات مقابل عدد محدود من المقاعد في المؤسسات العليا. لذلك تتحمل معظم الأسر نفقات تمدرس أبنائها داخل الوطن وخارجه، مما يساهم في فقدان طاقات كبيرة وعقول مغربية مهاجرة صنعت نفسها بنفسها وباجتهاداتها الخاصة، دون أن ننسى مجموع الظواهر المتفشية من قبيل ساعات الدعم التربوي الخاصة، التي تبتز الأسر ناهيك عن فناء واجب المهنة، والتفكك الأسري مما ينذر بتحول في القيم وتغير في نظام التربية والتكوين وهي الظواهر التي تحتاج إلى تفكير عميق من أجل مواجهتها.

الأمل وحده هو ما نتطلع إليه رغم كل الإحباطات والتعثرات والعراقيل التي تقود نخبة التسيير والتدبير والمراقبة، كما المغاربة يتطلعون الى مدرسة عمومية جيدة ومجانية وفاعلة من أجل مغرب آخر ممكن.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...