روبورتاج: حد بوموسى.. ورش التطهير السائل يهدد سلامة الساكنة

*عبد المولى جداوي

أطفال يلعبون على حافة الخطر

يجري أحمد (10 سنوات) خلف أقرانه، بجوار مسجد الحدادشة ومجزرة بلدة حد بوموسى (حد بو عقبة) إقليم الفقيه بن صالح، يلعب الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم بين 10 سنوات و13 سنة، بشغف حول حفر يتراوح عمقها بين مترين وثلاثة أمتار، والتي تبرز منها قضبان حديد البناء، وتتراكم حولها أكوام من التراب والأسمنت.

الفضول والرغبة في الاكتشاف باديان على تصرفات الأطفال الذين يشجع بعضهم بعضا على اللعب حول الحفر وتعلو وجوههم الابتسامات وهم يركضون حولها، ويتزلجون على أكوام التراب المتراكمة، أو يتوجهون إلى القنوات الأسمنتية المخصصة للصرف الصحي، والتي تبدو مهملة في المكان.

هذا المشهد يحدث على “آثار” مشروع الصرف الصحي الذي توقفت أشغاله، نهاية سنة 2022، بعد سنة واحدة من انطلاقها، وهو المشروع الذي أطلقته الوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء لتادلة، ولم يبق منه سوى حفر غير محمية، وأكوام من التراب، وقضبان البناء الحديدية والقنوات الإسمنتية الملقاة على قارعة الطريق.

 

يشتكي سكان حد بوموسى من هذا الوضع الذي يشكل تهديدًا لسلامتهم وسلامة أطفالهم، فضلا عن عرقلة سير الراجلين ومستخدمي السيارات والدراجات النارية، حيث يصبح التنقل صعبًا وسط الوحل أثناء سقوط الأمطار، بينما لا يجد السكان مكانًا لتصريف المياه العادمة، مما يدفع الكثيرين إلى التخلص منها في مطارح عشوائية وفي الأزقة، وهذا ما عاينته ملفات تادلة مثلا بالقرب من مقهى “العزابي” المجاور لمقر جماعة حد بوموسى، والشارع المجاور للحديقة.

عبد الحق الغابة، أمين مال جمعية شباب المستقبل التنموية والاجتماعية والثقافية والبيئية لحد بوموسى، إقليم الفقيه بن صالح، في حديث لجريدة ملفات تادلة، عبر عن استيائه من “الحالة السيئة التي تعاني منها الساكنة جراء تدهور البنية التحتية، وتوقف مشروع الصرف الصحي الذي نسمع كل حين أنه تم تفويته لشركة جديدة”.

وأشار الغابة إلى أن “مشروع الصرف الصحي متوقف منذ ما يزيد على سنة ونصف، مخلفا حفرا بغرق 4 إلى 5 أمتار حولها ومن داخلها تبرز القضبان الحديدية، فضلا عن تراكم التراب على قرب الطريق بدون وسائل حماية وتسييج لمناطق الحفر، أو وضع علامات تدل على أن المكان خطر”.

ويعتبر الغابة أن وضع هذا “الورش” يهدد ساكنة حد بوموسى خصوصا الأطفال الذين اتخذوها مكانا للعب في غياب المرافق الترفيهية ودور الشباب والثقافة، فضلا عن المسنين أو المارة خصوصا أثناء الليل، في غياب سياج حول الحفر وإشارات تنبيه”.

وعاينت ملفات تادلة أثناء تجولها في البلدة حفرا غير محمية تماما، وأخرى ألقى على طرفها سياج حديدي ووضعت عليه أحجار ضخمة كي لا تحركه الرياح، لكنها غير مغطاة وتبرز منها قضبان البناء الحديدية.

وعبر خليفة، أحد سكان البلدة، عن غضبه مما تعانيه الساكنة، وقال في تصريح لملفات تادلة “نحن نعاني من تدهور البنية التحتية، وتوقف ورش الصرف الصحي، بالإضافة إلى غياب سوق نموذجي، زد على ذلك مشكلة الطرق الغير المعبدة”.

وتساءل المتحدث “كيف يعقل أن جماعة حد بوموسى بكثافة سكانية تتجاوز 44 ألف نسمة (حسب إحصاء 2014) لازالت تعاني من مشكلة الصرف الصحي، ولازال السكان يمشون في الوحل، وتصرف مياه الصرف الصحي في الشوارع والحفر مع مخاطر الثلوت البيئي، بينما يسوء الوضع أكثر عند تساقط الأمطار حيث يصبح التنقل شبه مستحيل؟”.

وأكد خليفة أن “الساكنة راسلت المجلس الجماعي السابق والحالي، وعامل إقليم الفقيه بن صالح والسلطات المعنية، مرات عديدة بدون تلقي أي رد، وعند اللجوء إلى المجلس الجماعي لمسائلته عن الأسباب الحقيقية للتوقف المشروع، وعن أسباب التأخر في استكماله، نتلقى بعض الاجابات والوعود الزائفة، والتجاهل”.

مشروع لم يتم

يشرح لنا عبد الحق الغابة أن “ورش الصرف الصحي بدأ تنفيذه في ولاية المجلس الجماعي السابق، برئاسة الشرقي الشاكوري، حيث بدأ الشطر الأول بشكل بطيء، ومع اقتراب الانتخابات تأجل المشروع وبعد ذلك آل الأمر إلى الرئيس الحالي حميد الرباني بعد فوزه في الانتخابات”.

وأضاف المتحدث ذاته، أن “المجلس الجماعي الحالي لم يعمل على إنهاء مشروع الصرف الصحي، وعند السؤال عن الأسباب التي عرقلت استمرار العمل وتوقفه، نتلقى إجابات غير واضحة مع كثير من الوعود، في كل مرة يؤكدون أن الأشغال ستستأنف بعد شهر، وأن المشروع تم تفويته لمقاولة جديدة، لكننا لم نشاهد أي شيء من هذه الوعود”.

من جانبه، أوضح هشام الجناتي، كاتب المجلس الجماعي أحد بوموسى، أن الشطر الأول لصفقة التطهير السائل، وقنوات صرف مياه الأمطار والمياه العادمة، انطلقت في شهر دجنبر 2021 بغلاف مالي يناهز 72 مليون درهم، ويتضمن محطة ضخ ومحطة تصفية، حيث رست الصفقة على شركة “أڤيرس” لكن المشروع توقف بعد سنة من الأشغال في دجنبر 2022.

وتبلغ التكلفة الإجمالية للمشروع 72.008.646.12 ممولة من طرف مجلس جهة بني ملال خنيفرة بـ 44.508.646.12 درهما، موزعة على ثلاثة أشطر، والجماعة الترابية لحد بوموسى بـ 10.000.000.00درهم، ووزارة الداخلية من خلال البرنامج الوطني للتطهير السائل المندمج بـ 17.500.000.00 درهم، فيما صاحبة المشروع هي الوكالة الجماعية المستقلة لتادلة.

وأشار الجناتي إلى “أن الأشغال توقفت بسبب إفلاس شركة “أڤيرس” التي كانت مكلفة بإنجاز الشطر الأول، وتوقيف واعتقال رئيسها لعدم قدرته على إكمال ما اتفق عليه، وعدم التزامه بدفتر التحملات، ومع تولي حميد الرباني رئاسة المجلس الجماعي حد بوموسى عقب الانتخابات الأخيرة بدأ تفعيل الشطر الثاني والذي فازت به شركة Sigma 4D بكلفة مالية قدرها 10.700.000.00 درهما ممولة من نفس المتعهدين”.

وأكد الجناتي، في تصريحه لملفات تادلة، أنه لا يعلم بالضبط تاريخ الشروع في الشطر الثاني، مؤكدا أن الوكالة الجماعية المستقلة لتادلة هي صاحبة المشروع، وأنه يفترض أن يشرع العمل فيه خلال الشهرين القادمين، مضيفا أن ضمانات عدم تكرر مثل هذه السيناريوهات، هو التزام كل من مجلس جهة بني ملال خنيفرة، ووزارة الداخلية والمجلس الجماعي لحد بوموسى وصاحبة المشروع الوكالة الجماعية المستقلة بتوفير الغلاف المالي المقرر للمشروع.

وأشار المتحدث أن المجلس الجماعي لحد بوموسى فور توقف ورش الصرف الصحي، أقام المجلس البلدي حواجز في مناطق الأشغال ووضع علامات تدل على أن المكان خطر، لكنها تعرضت للإتلاف والسقوط.

من جانبه، قال الغابة “إن الأوضاع تفاقمت حيث لم نعد نجد أية حلول بديلة للتخلص من المياه العادمة، وقضاء حوائجنا، حيث أصبحنا نضطر لتخلص منها بجوار الأزقة، حتى المطارح العشوائية والحفر التي كنا نعتمد عليها في التخلص من مخلفاتنا قامت السلطات بإغلاقها أو طمرها، كما تمنعنا من تصريف المياه في الشارع، لذلك نطالب السلطات المعنية ببديل عملي إلى حين نهاية الأشغال، ونحن مستعدون للصبر حتى انتهاء المشروع.

وفي الانتظار لازالت الساكنة تحاول تدبر أمرها، كما لازالت المخاطر تحدق بالأطفال الذين لا يرون في أكوام التراب والحفر سوى مكانا للعب والمغامرة، فضلا عن خطورة الوضع على المارة ومستعملي الطريق.

*صحافي متدرب




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...