-ملفات تادلة 24-
في المغرب، لا يزال الناجون من الزلزال العنيف الذي ضرب البلاد قبل سنة تحت وقع الصدمة، وبينهم كبيرة آيت بلعيد التي يخيل إليها حتى الآن سماع صراخ حفيدها تحت الأنقاض.
وتقول السيدة البالغة 52 عاما “غيرني هذا الزلزال إلى الأبد”. وهي لا تزال تعيش تحت خيمة مثل عدد كبير من المنكوبين نتيجة الكارثة التي هز ت في لحظات ثبات جبال الأطلس الكبير الشاهقة حيث تقع قريتها تينيسكيت، 70 كيلومترا جنوب غرب مراكش.
وخلف الزلزال الذي ضرب مناطق شاسعة في نواحي مراكش في وسط البلاد ليل الثامن شتنبر الماضي، نحو ثلاثة آلاف قتيل، وألحق أضرارا بحوالى 60 ألف مبنى في جبال الأطلس، وبلغت قوته سبع درجات على سلم ريختر، ما يجعله الأقوى في تاريخ المملكة.
وتسبب في مقتل 45 شخصا من أصل نحو 500 من سكان تينيسكيت ذات المباني الطينية المرتبة في ما يشبه طوابق على ظهر جبل.
وتحاول كبيرة تجاوز المأساة من أجل زوجها وأبنائها “الذين بقوا أحياء”، لكن “صرخات حفيدي ريان (9 أعوام)، وهو يرجوني إخراجه من تحت الأنقاض، ما تزال تطاردني”.
وهي تخضع منذ ذلك الحين لمتابعة من طبيب نفسي.
أما جارتها خديجة إد ياسين فتتمنى “ألا تتذكر مجددا تلك الليلة المأساوية رغم أنها راسخة في ذاكرتي”، كما تقول مغالبة دموعها.
وتتابع “الحياة صعبة في خيمة تحت رحمة برد الشتاء القاسي وحرارة الصيف الخانقة”.
ولم تتمكن هذه الأم لثلاثة أطفال بعد من إعادة بناء بيتها، بسبب عدم ملاءمة موقعه لشروط مقاومة الزلازل.
ورغم أن غالبية الأسر التي تعيش في قرية تينيسكيت تلقت الدفعة الأولى من المساعدات المخصصة لإعادة البناء والبالغة 20 ألف درهم (1800 دولار)، إلا أن الأشغال لم تنطلق سوى في حوالى عشرة منازل مؤخرا.
ويفسر هذا البطء بصعوبات الوصول إلى بعض المناطق المتضررة والقيام بعمليات الهدم وإزالة الأنقاض، بحسب أمين بويه، المسؤول في فرع وكالة العمران بإقليم الحوز، وهي شركة عقارية عمومية تساعد السكان في إعادة الإعمار.
وهذا الإقليم هو الأكثر تضر را من بين ستة أقاليم ضربها الزلزال، إذ ينبغي فيه إعادة بناء نحو 24 ألف مبنى.
حتى اليوم، تم الانتهاء من تشييد 1000 مسكن، فيما أقيمت أساسات تسعة آلاف مسكن وجدران خمسة آلاف مبنى آخر، وفق بويه.
على بعد نحو 14 كيلومترا شمال تينيسكيت، تبدو وتيرة البناء أكثر سرعة في قرية ويركان المحاذية لطريق رئيسية حيث يوجد منزلان مأهولان وأخرى في طور البناء أو اللمسات الأخيرة. وقد شيدت كل ها من الخرسانة، لكن مع إلزامية تغليف الواجهات بالطين للحفاظ على الخصوصية المعمارية المميزة للمناطق الجبلية عموما في المغرب.
من بين الناجين بعض المحظوظين الذين استطاعوا الاعتماد على إمكاناتهم الذاتية لإعادة بناء بيوتهم دون الاستعانة بدعم الدولة، كما بالنسبة لإبراهيم آيت وراح الذي غادر مخيم الناجين في مارس.
ويقول إبراهيم الذي يعمل سائقا لسيارة إسعاف، وقد توفيت زوجته وطفله في الزلزال، “كانت الأشهر الستة التي قضيتها تحت خيمة صعبة جدا، لم أكن أنتظر سوى طي هذه الصفحة المؤلمة بأسرع ما يمكن، رغم أن شيئا لا يمكن أن يعو ضنا عم ن فقدنا”.
في تينيسكت كما في قرى أخرى متضر رة وقع الاختيار على الاسمنت المسلح لإعادة البناء، بناء على توصيات مهندسين معماريين بالاعتماد على طريقة البناء التقليدية بواسطة الطين والأحجار.
ويأسف ياسين آيت محند “لأن الخرسانة فرضت نفسها لكون الناس لديهم أفكار مسبقة حول تقنيات البناء التقليدية، لكن الأمر كان يمكن أن يختلف لو تمت توعيتهم”.
ويؤكد المهندس المعماري خليل مراد الغيلالي أن “إدخال الاسمنت إلى هذه المناطق خطأ كبير سيكلف كثيرا، فهو غير ملائم لهذه البيئة وغير موثوق”.
ويضيف “حصل ضغط كبير من طرف السكان” لاعتماد الاسمنت، “وقيل لنا يجب إرضاؤهم، لكن هذه المقاربة غير جيدة”.
في المقابل، ينبه أمين بويه إلى أن “صعوبات في الإنجاز وفي مدة البناء باعتماد التقنيات التقليدية”، زيادة على كونها “مكلفة أكثر في بعض المناطق بالنظر لضرورة توافر يد عاملة مؤهلة وهي عملة نادرة”.
وقر ر الغيلالي الاحتفاظ بـ70 مشروعا فقط وافق أصحابها على استعمال الطين أو الأحجار فيها، بينما تخلى عن 280 بيتا آخر يفضل أصحابه الاسمنت.
ويأسف لكون “الاستعجال في إعادة الإعمار أدى إلى التسرع في غياب رؤية حول ثقافة الإعمار المحلية والعراقيل الإدارية”.
أ ف ب