الحبيب ناصري: صورة العربي في الأولمبياد

-د.الحبيب ناصري-

موضوع من الممكن مقاربته من زوايا عديدة. يكفي تأمل سبورة الترتيب، وقراءة وتحليل طبيعة هذا الترتيب، لنعرف أن المرتب في التقدم التعليمي والبحثي والاقتصادي، الخ، هو من يفوز بذلك الكم الكبير من الذهب والفضة والنحاس. تحليل سيميائي لهذه الدول ورياضييها، سيقودك حتما إلى العديد من النتائج. خلاصتها أن الرياضة اليوم، علم وجزء من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. بل هي صناعة كباقي الصناعات الغربية. لاعب صيني واحد، قد يفوز بأكثر مما تفوز به كل دول العالم العربي، وربما حتى العالم الإفريقي.

سر هذا النجاح، بكل تأكيد، آت من عدة جهود ونضالات عقلية وتربوية وتعليمية وعلمية، الخ. آمنوا بالتعليم أولا. سهلوا ولوجه، ودفعوا به ودافعوا عنه، وجعلوه “مقدسهم” المجتمعي. آمنوا بالعقل، وما يمكن أن يولده من حرية في الإبداع وغيره. جعلوا للدولة مفاهيمها ومجال تحركها، كما جعلوا لحرية التدين مفاهيمها ومجال تحركها.

حرروا العقل ومن يستخدمه، والنتيجة، ما نراه اليوم من حصاد رياضي وغيره. في حين لازلنا في شمال إفريقيا، والشرق الأوسط، دون نكران لجهود عديدة مبذولة هنا وهناك، ندور في دائرة مفرغة، بل لازلنا، ربما لم نستوعب، العديد من الدروس التي وجب بلورتها في حياتنا المجتمعية. لازال صديقي (م)، ينتقد الغرب ويقول لي إنه”كافر”، ويزكي نفسه ويقول لي “موعدنا” الجنة وهم “النار”، على الرغم من أن صديقي هذا، آت من عالم الأرقام والمال..يكتب لي هذا ويرسله لي بهاتفه المحمول الذي صنعه “الكفار” طبعا!.

رهانات عديدة تنتظرنا في كل مكان من أمكنتنا العربية وحتى الإفريقية، وبكل مكوناتها المغاربية (وما تحمله من تعدد لغوي وثقافي)، والمشرقية (وما تحمله أيضًا من تعدد ثقافي..). رهانات من الصعب ربحها، خارج خلخلة علاقتنا بالماضي والحاضر والمستقبل، بإعمال “قلب العقل” و”عقل القلب”، في كل أنماط عيشنا وتفكيرنا وحياتنا.

رحلة معقدة نحن في مركبها.نعيش حالة التيه، وغير قادرين على عقلنة علاقاتنا بكل ما هو ديني، و”روحنة” علاقاتنا بكل ما هو عقلي، كمعادلة ثقافية “مؤقتة” قد تسعفنا، كما يرى البعض، في تطوير أسئلة التقدم التي ربحها الآخر. ربما، ومنذ أن طرح السؤال التاريخي والثقافي، لماذا تقدم الغرب وتأخر الشرق، ونحن نجرب العديد من الحلول ونقدم العديد من القراءات، ولازلنا في مواقعنا غير متحركين بالقدرة اللازمة، مما جعلنا نعيش في دائرة استهلاك ما ينتجه الغرب، دون نكران لجهود عديدة بذلت وفي مجالات تتعلق بالبنية التحتية وغيرها، لكن، وعلى الرغم مما بذل، نظل مصنفين، ضمن الدول المتخلفة. ويكفي هنا تحليل طبيعة الرياضات العربية الفردية في الألعاب الأولمبية التي تجري أطوارها في باريس، بل وحتى الجماعية، لنكتشف طبيعة ما وصل إليه الغرب، الذي يظل تجربة لابد من استلهام بعض عناصرها والاستفادة منها.

نفس السؤال التاريخي والثقافي لازال مطروحا: لماذا تقدم الغرب وتأخر الشرق؟. بل من الممكن إضافة، لماذا نهضت اليابان وكوريا الجنوبية والصين، الخ، من تخلف كبير، وهي اليوم، حاضرة في جيوبنا وبيوتنا وسياراتنا وشوارعنا، الخ، من خلال منتوجاتها المتعددة، بل وحاضرة في مجالات رياضية عديدة؟.

صورة المغاربي والمشرقي، وربما حتى الإفريقي، الخ، في باريس التي تحتضن دورة جديدة من دورات ألعاب الأولمبياد، تؤكد أننا في حاجة لمشاهدة وجوهنا في المرآة، لنطرح سؤالا عميقا كالتالي: إلى أين نسير ؟. مرآة من الممكن أن تساعدنا السينما، والعديد من الفنون، في جعلنا نرى أنفسنا فيها، ووفق قصص قد تكون واقعية أو تخييلية.

قد تكون هذه الصيحة، مجرد صيحة في واد. لكن جروح عديدة أشعر بها وأنا أحلل صورتنا العربية وحتى الافريقية في باريس. جروح، لا يمكن الشفاء منها، دون التربية على النقد، وتعميم درس الفلسفة على مدارسنا وعلى مؤسساتنا العمومية والخاصة، لعلها نافذة إصلاحية تربوية جذرية صغيرة، من الممكن فتحها، لخلخلة المياه الآسنة الآتية من عصور تاريخية منهكة بالصراعات الدينية/الفقهية، والتي “أعدمت” كل تلك المحاولات الأولى التي أرادت أن تعلمنا طرح السؤال في قضايانا الدينية، في أفق فهمه بشكل أفضل بل بشكلٍ أجمل.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...