بعد توالي التحذيرات.. هل تبعد خطة الطوارئ المائية شبح العطش؟

 – خالد أبو رقية-

شكل الجفاف، منذ ما يناهز أربعة عقود، معطى موضوعيا في الاقتصاد المغربي الذي يعتبر الفلاحة إحدى أهم دعائمه، مما حول موضوع الماء إلى مشكلة بنيوية، تفاقمت في السنوات الأخيرة، مما دفع الحكومة إلى الإقرار بأن المغرب دخل مرحلة صعبة وأننا “على حافة الخطر”.

في نهاية دجنبر 2023، أعلن نزار البركة، وزير التجهيز والماء، في ندوة صحافية عقب مجلس حكومي، أن البلاد وصلت إلى “وضعية صعبة وخطيرة جدّاً”، في ظلّ ندرة المياه في المغرب وتراجع نسبة ملء السدود على الصعيد الوطني.

وقال البركة: “لم نكن نتصور أن نصل إلى هذا الحد في ملء السدود، بحيث دخلنا في مرحلة دقيقة، لم يسبق أن عشنا مستوى حدة الجفاف كما نعيشها اليوم، الذي يمتد لخمس سنوات متتالية”، وفي نهاية يناير 2024، كشف الوزير عن الخطوط العريضة للمخطط الاستعجالي على مستوى الأنظمة المائية.

وفي الواقع، سبق أن حذرت مؤسسات وطنية ودولية من أن المغرب يتجه نحو أزمة حقيقية للماء، حيث حذر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، سنة 2019، من خطر نفاد مخزون المياه في المغرب، وخصوصاً المياه الجوفية العميقة. واعتبر أن الأمن المائي “أصبح أولوية بالنسبة إلى المغرب في السنوات المقبلة، ومن الضروري في مواجهة عدم الاستقرار الاجتماعي والتفاوت في فرص القطاعات، تقديم أجوبة سياسية مبتكرة وملهمة لحماية الموارد والحفاظ على مكتسباتها”.

واعتبر الدكتور زين العابدين الحسيني، في حوار سابق مع ملفات تادلة، أن إرهاصات أزمة الماء بدأت بالضبط مع السنوات الأخيرة من العشرية الأولى من هذا القرن، بحيث أنه مع انطلاق برنامج المغرب الأخضر 2008-2009 تم اتخاذ عدة إجراءات، خصوصا على مستوى حوض سوس ماسة، من أجل الاقتصاد في الماء خصوصا على المستوى الفلاحي، لكن القضية أخذت أبعادا جديدة ابتداء من 2012-2013 حيث دخل المغرب في دورة حادة من عدم انتظام التساقطات.

وأشار الحسيني إلى أن الجهات المختصة لم تتخذ الإجراءات التي كان ينبغي أن تتخذ في وقتها، وأرجع ذلك إلى “إما إهمال نصائح الخبراء، وكذلك مراكز البحث العلمي التي كانت تثير الانتباه من وقت آخر، إلى دقة الوضع، فعلى المستوى الوطني كما على المستوى الدولي، هناك مراكز تتبع وترصد هذه الظاهرة وتنبه إلى مكامن الخطر، لكن للأسف لم يكن يلتفت إليها، ومن جانب آخر هناك نوع من التفاؤل المفرط، فعندما كان يتم تنبيه المعنيين بالأمر كان الجواب دائماً أننا لسنا متشائمين وأن هناك تفاؤلا بسقوط الأمطار”.

وأكد المتحدث أن السياسات المائية لم تأخذ بعين الاعتبار واقع أن الفلاحة تستهلك أكثر من 85% في المئة من المياه الموجودة، وبالتالي منذ سنة 2015 البنك الدولي نبه المغرب إلى أنه يتعين عليه أن يكيف سياسته الفلاحية ونوعية المزروعات مع الواقع الجديد، حتى لا يكون هناك مزيد من الاستنزاف لهذه الموارد المائية.

وعلى نفس الصعيد، سجل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أنه “في السـنوات الأخيـرة، انتشـرت بشـكل ملحـوظ ممارسـات الجلـب غيـر المشـروع للميـاه، خصوصـا فـي ظـل موجـات الجفـاف المتكـررة. وفـي هـذا السـياق، تشـير الاحصائيـات برسـم سـنة 2017 إلـى أن عـدد الذيـن يقومـون بجلـب الميـاه دون ترخيـص يفـوق 102.264 شـخص مقابـل 52.557 شـخص مرخـص لـه بذلـك، وهـو رقـم يعتبـر جـد مرتفـع، حسـب مـا ورد فـي تقريـر المجلـس الأعلـى للحسـابات”.

هذا التشخيص كشف الرأي الذي أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في إطار إحالة ذاتية، تحليلاً للإطار التشريعي والتنظيمي الذي ينظم آليات منح التراخيص ومراقبة استغلال الموارد المائية والمقالع، في إطار إحالة ذاتية، وتمت المصادقة على هذا الرأي بالإجماع من قبل الجمعية العامة للمجلس المنعقدة في 31 غشت 2023.

وأشار المجلس في نفس الرأي إلى “أن عمليـة الجـرد الشـاملة لنقـاط الميـاه المهجـورة، التـي تفتقـر لتدابيـر السلامـة الضروريـة، المنجـزة مـن قبـل وزارة التجهيـز والمـاء بالتنسـيق مـع وزارة الداخليـة، كشـفت عـن وجـود 292 089 نقطـة ميـاه، تتوفـر فقـط 30 646 منهـا علـى تراخيـص رسـمية (أي مـا يعـادل ٪10).

وأكد المجلس أن “هـذا الواقـع يؤثـر سـلبا علـى أمـن المـوارد المائيـة بالـبلاد وعلـى حـق المواطنيـن فـي الاسـتفادة مـن الميـاه. وعلاوة علـى ذلـك، تُشـير التقديـرات المنجـزة سـنة 2023 إلـى زيـادة فـي نسـبة الآبـار والأثقـاب غيـر المرخصـة لتصـل إلـى ٪80”.

وبعد تحليل الآليات التي وضعتها السلطات لاستغلال الموارد المائية، لتفادي الآثار السلبية للاستغلال المفرط، سجل المجلس في نفي الرأي، “تعقيد وبطء إجراءات منح التراخيص أو الامتيازات لا يشجع الأشخاص الذين يجلبون المياه بشكل غير قانوني على الامتثال للمقتضيات القانونية المعمول بها”، في ظل “تعدد المتدخلين المكلفين بمنح التراخيص، إلى جانب الصعوبات على مستوى التنسيق، نظاما مجزأ يؤثر سلبا على الاستغلال الناجع للموارد المائية المتاحة في المناطق المعنية بالتدخل”.

وأشار الرأي إلى “الطابع غير الملزم للمخططات التوجيهية للتهيئة المندمجة للموارد المائية. بالرغم من مصادقة أغلبية مجالس وكالات الأحواض المائية مؤخرا على هذه المخططات، إلا أنها لا تكتسي الطابع الملزم ما لم يتم اعتمادها بموجب مرسوم ونشرها في الجريدة الرسمية”.

ويضاف إلى الإكراهات السالفة الذكر تسجيل “عدد جد محدود لعقود التدبير التشاركي للفرشاة المائية، باعتبارها أداة مهمة لترشيد استغلال الملك العمومي المائي”، مع “التأثير المحدود لتدخلات شرطة المياه في مجال المراقبة، والذي يعزى بشكل كبير إلى نقص الموارد البشرية ونقص في التكوين المخصص لمزاولة هذه المهمة الخاصة”، إضافة إلى “نقص في الاستعانة بالوسائل الحديثة الكفيلة برصد وكشف الممارسات المرتبطة باستغلال المياه على أرض الواقع”.

وكشفت الحكومة يناير الماضي عن خطة الطوارئ لتدبير المياه تهدف إلى “تفعيل سياسة مائية حقيقية مندمجة، وذلك من خلال تخطيط واستشرافات تراعي وضعية التغير المناخي ودورة المياه، وكذا من خلال، على الخصوص، تعبئة جميع الفاعلين المعنيين والشركاء من القطاعين العام والخاص”.

وتحدث نزار بركة، عن خطة لتسريع بناء السدود (18 سدا كبيرا قيد الإنشاء)، بالإضافة إلى تشبيك بين مختلف السدود، خاصة الأحواض، وفي مجال استغلال المياه غير التقليدية، أكد الوزير أن المغرب يهدف إلى مضاعفة بعشر مرات عملية تحلية مياه البحر، لتنتقل من 140 مليون متر مكعب حاليا إلى 1.4 مليار متر مكعب في أفق 2030، ويهدف هذا الورش، حسب الوزير، إلى تأمين 50 في المائة من احتياجات المناطق الساحلية من المياه الصالحة للشرب بفضل محطات التحلية، وذلك بتكلفة أقل عبر الاعتماد على الطاقات المتجددة.

 




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...