ذ. محمد الراضي: جهة بني ملال خنيفرة ستكون مجبرة وملزمة على التخلي عن مجموعة من الزراعات المستهلكة للماء

أجرى الحوار: محمد لغريب

-تعيش جهة بني ملال خنيفرة على غرار باقي جهات المغرب مرحلة غير مسبوقة من الجفاف، من سماتها الأساسية تراجع مخيف لحقينة السدود وانخفاض مستويات المياه الجوفية، وانعكاسات ذلك على الواقع الاقتصادي والاجتماعي، مما استدعى إطلاق المزيد من التحذيرات حول ضرورة وضع استراتيجيات واضحة لمواجهة حالة الإجهاد المائي التي يعرفها هذا الجزء من المغرب. كيف تقيمون الوضع الآن كأساتذة باحثين بهذه الجهة التي كانت تتوفر حتى وقت قريب على نسبة مهمة من المياه السطحية والجوفية؟

حظيت جهة بني ملال خنيفرة منذ عقود باهتمام خاص من قبل الدولة، ويظهر ذلك من خلال رصيدها على مستوى البنية التحتية المائية، وكذا المنشآت المتعلقة بها، وذلك لسد الحاجيات من الماء في مجالات السقي والماء الشروب وفي قطاعي الصناعة والسياحة على مستوى الجهة، وكذا الجهات المجاورة في إطار التضامن الجهوي على مستوى الأحواض، إلى جانب المساهمة في إنتاج الطاقة الكهرومائية وحماية المجالات المهددة من خطر الفيضانات.

فحسب المعطيات الرسمية، فإن جهة بني ملال خنيفرة تتوفر على 10 سدود كبرى ومتوسطة بطاقة تخزين تبلغ 2.58 مليار متر مكعب، و19 من السدود الصغيرة والتلية بطاقة تخزين إجمالية تبلغ 12 مليون متر مكعب، إضافة إلى مشاريع مستقبلية تتمثل في إنجاز سدود كبرى أهمها سدود تاكزيرت ووانتز وأوزود وتيوغزا، وكذا إنجاز سدود خاصة بإنتاج الطاقة الكهرومائية بأقاليم بني ملال وأزيلال وخنيفرة.

لكن وضعية الجهة في ظل التغير المناخي الحاصل، والذي يكاد يجعل المغرب عموما ضمن دائرة البلدان التي تعاني إجهادا مائيا مزمنا، بحيث أن الموارد المائية على مستوى جهة بني ملال-خنيفرة أصبحت تعرف نقصا حدا نتيجة تراجع مخزون السدود وانخفاض مستوى الفرشات المائية، وأن نسبة ملء السدود في تقلص مستمر، حيث سجلت خلال شهر يوليوز الجاري، أدنى قيمة لها منذ أزيد من أربعين سنة (حسب مصادر رسمية)، إذ وصلت نسبة ملء سد المسيرة 4,92%، فيما لم تتجاوز نسبة ملء سد بين الويدان 12,21%، وبلغت نسبة ملء سد احمد الحنصالي 6,87% (معطيات حول حوض أم الربيع).

-لا شك في أن توالي سنوات الجفاف بهذه الجهة التي كانت تساهم بشكل كبير في الاقتصاد الوطني سيترك أثارا عديدة على الاقتصاد والمجال وحركية الساكنة. وأنتم تتابعون هذه التحولات كباحثين ما الذي أثار انتباهكم في عملية رصد ما يجري؟ وهل نحن فعلا مقبلون على تحولات مهمة بالجهة سببها ندرة المياه؟

لا بد من الاعتراف بأن المغرب مقبل على سيناريوهات صعبة ومقلقة تحتاج إلى حزم كبير في اتخاد مجموعة من الإجراءات والتدابير الرامية إلى ضمان الحد الأدنى للمياه الصالحة للشرب في المقام الأول، بحيث تصبح مسألة ترتيب الأولويات في حد ذاتها عملية صعبة.

كما أن الجهة باعتبارها مجالا فلاحيا بامتياز ستكون مجبرة وملزمة على التخلي عن مجموعة كبيرة من الزراعات المستهلكة للماء، وهي خيارات صعبة أمام مستقبل الفلاح على وجه الخصوص، ناهيك عن استرسال ظاهرة الهجرة بشكل كبير جدا يصعب التحكم فيها.

-حينما نتناول إشكالية الماء بالجهة خاصة، وبالمغرب عامة، في الغالب نجد اتجاهين في تفسير الوضع الحالي المتسم بحالة الطوارئ المائية: اتجاه يلقي باللائمة على الاختيارات التي نهجتها الدولة في تدبير سياسة الماء بالمغرب، وخاصة الاختيارات الاقتصادية في السنوات الأخيرة، واتجاه آخر يربط الوضع بتوالي سنوات الجفاف ودخول المغرب فيما يسمى دورة الجفاف شبه الثابتة. في رأيكم ما هي الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع؟

أجد أن تحديد المسؤوليات وتقييم الحصيلة فيما يخص قطاع الماء عموما في الوقت الراهن ليس مناسبا، ولن يخلق الجو المناسب لتكاثف الجهود لمواجهة الوضع الحالي والمتمثل أساسا في تلبية الحاجيات الضرورية للتزود بالماء بمختلف القطاعات، كما أن في مثل هذه الظروف يصبح التخطيط تحت وطأة الأزمة أمرا انفعاليا قد يسقط في جملة من الأخطاء نحن في غنى عنها.

لقد تداخلت مجموعة من الأسباب في وصولنا لهذه الوضعية، وبالتالي يمكن القول أن السياسة المائية التي اعتمدتها الدولة طيلة العقود الأخيرة شابتها بعض الأخطاء، وهذا مرده إلى بعض الاعتبارات الاجتماعية و الاقتصادية الموروثة عن الحقب السابقة.

-كان سهل تادلة يعتمد منذ عقود على الفلاحة كنشاط اقتصادي رئيسي، مما أدى إلى تحولات سوسيو اقتصادية مهمة بهذا المجال الشاسع، بفعل وفرة المياه، أبرز هذه التحولات هي الهجرة من المناطق المجاورة إلى المراكز الحضرية. ألا يفرض هذا الوضع اليوم على القائمين على الشأن المحلي تغيير استراتيجيتهم وتوجيه الجهة نحو أنشطة اقتصادية أخرى بديلة عوض الاعتماد على الفلاحة كنشاط اقتصادي رئيسي؟

إن ضروريات التنمية الاقتصادية والاجتماعية تفرض اللجوء إلى تهيئة الماء لتلبية حاجيات السكان التي تعرف تزايدا مستمرا. وغالبا ما تكون هذه الحاجيات ملحة، بل وحتى متناقضة، الأمر الذي يجعل عملية تدبير الماء جد معقدة وتنفيذها أمرا صعبا، ولمواجهة هذه الوضعية كان من الضروري التوفر على أدوات قانونية ناجعة قصد تنظيم توزيع الموارد المائية ومراقبة استعمالها، وكذا ضمان حمايتها والحفاظ عليها.

لقد أصبح لزاما على القيمين على تدبير القطاع رفقة كافة الشركاء والفاعلين البحث عن نماذج تنموية بديلة تراعي الوضع الحالي المتسم بندرة الماء والخصاص التام لهذا العنصر الحيوي أكثر من أي وقت مضى. بحيث أصبح القطاع الفلاحي لا سيما المعاشي والتقليدي أصبح مكلفا فيما يخص استهلاكه للمياه الموجهة للسقي، إذا ما استحضرنا مساهمته في الناتج الداخلي الإجمالي الضعيفة. هذه النماذج الاقتصادية ملزمة بأن تكون مستدامة خضراء ومنسجمة مع الضوابط والاعتبارات البيئية.

-أشرنا إلى أن جهة بني ملال خنيفرة كانت تتوفر على مياه سطحية وجوفية مهمة حتى وقت قريب، ألا يمكن القول إن الوضع الحالي هو نتاج الهفوات والأخطاء والإخفاقات التي اكتنفت السياسة الفلاحية، وخاصة أنظمة الري التي تعود إلى الفترة الاستعمارية، والتي أدت إلى إهدار الثروة المائية في الجهة؟

أكيد أن أي سياسة تتبناها الدولة يكون لها مبررات وضمن سياق معين، بحيث تصبح الحصيلة محط تساؤلات كثيرة وملحة لا بد لها من أجوبة مقنعة تمكن من فهم مكامن الخلل. فمن وجهة نظري أرى أن عدم الانخراط المبكر والبطء في إنشاء محطات معالجة المياه المستعملة، وتجهيز محطات تحلية مياه البحر وعدم الاهتمام بالقطاع الفلاحي من حيث تبديل التقنيات المقتصدة للماء والذي يترتب عنه بالضرورة استبدال نظام المزروعات برمته والتي تعود على نظام ري تقليدي مستهلك للماء.

كما أن سلوك الإنسان على وجه العموم (الفلاح على وجه الخصوص)، يعتبر متغيرة أساسية في فهم عقليته وبالتالي مستوى الوعي الذي يعبر عنه هذا الفلاح. فمن خلال نتائج الابحاث الميدانية الموجهة أساسا للفلاحين بسهل تادلة، تبين أن أكثر من 80% لها وعي كامل بأهمية الماء وضرورة تدبيره بصورة استعجالية وناجعة، لكن مشكل هذه الفئة هو أن التصور الذي تحمله في ذهنها يظل تصورا نظريا، يحتاج إلى جهة مسؤولة تترجم هذا الطموح، محملة المسؤولية للآخر (المؤسسات الوصية على القطاع). بينما النسبة المتبقية هي فئة من الفلاحين لا تحمل فكرا محددا ووجيها عن الماء وضرورة تدبيره، في ظل ما يعرفه من استغلال كثيف وطلب متزايد.

يتضح إذن أن أولى خطوات إنجاح مشروع التدبير (المستدام) للموارد الطبيعية فوق رقعة مجالية كيفما كانت خصائصها الجغرافية، هو إنجاح مشروع ثقافة التدبير وعقلنة السلوك فيما يخص استعمال الماء لاسيما ضمن القطاع الذي يشكل الركيزة الأساسية لاقتصاد المنطقة.

-أية حلول ترونها كأساتذة باحثين مناسبة لمعالجة إشكالية الماء بالجهة.

إن تنمية الموارد المائية ينبغي أن تمكن من ضمان احتياط مائي كاف من حيث الكم والكيف لفائدة المستعملين، وذلك طبقا لتطلعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتناسقة، ولتوجيهات تصاميم إعداد التراب الوطني، وللإمكانيات التي وفرتها الطاقات المائية المتاحة، بهدف تهيئتها وذلك بأقل كلفة.

إجراءات ذات طابع استعجالي:

  • منع الزراعات المستهلكة لكميات كبيرة من المياه.
  • منع الجلب غير القانوني للمياه من الأثقاب والآبار والعيون، ومياه قنوات الري.
  • منع سقي المساحات الخضراء انطلاقاً من المياه التقليدية.
  • منع غسل الشوارع والفضاءات العمومية بالمياه المعالجة.
  • الحرص على مراقبة ملء المسابح العمومية والخصوصية مرة واحدة في السنة.
  • تزويد ساكنتها المناطق المتضررة من ندرة الماء بالماء الشروب بواسطة الصهاريج المائية.
  • تجهيز نقط الماء لضمان توريد الماشية المناطق المتضررة من ندرة الماء.
  • الإسراع بإنجاز المشاريع التي جاء بها البرنامج الوطني للتزويد بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020-2027، التي تهدف إلى دعم وتنويع مصادر التزويد بالماء، والاقتصاد في الماء، وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة.
  • إطلاق حملات تحسيسية للحفاظ على الموارد المائية وترشيد استهلاك الماء.

إجراءات ذات طابع تنظيمي موازي:

إن قانون الماء اليوم من خلال بنوده المتمثلة في تقنين استعمال هذه المادة الأساسية، يجب أن يكون صارما وحازما، بل ومتشددا في تنزيل مقتضياته، وسيمكن من وضع قواعد جديدة لاستعمال الماء تتلاءم والظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة للمغرب الحالي. وسيرسي الأسس لتدبير ناجح في المستقبل وذلك لرفع التحديات المرتقبة لضمان تزويد البلاد، كما أن هذا القانون سيسمح باستثمار الجهود الكبيرة المبذولة من أجل تعبئة واستعمال الماء وجعلها ملائمة لتطلعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب.

 

 




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...