العطلة ليست للجميع.. وهم السياحة الداخلية

 – محمد لغريب –

في الوقت الذي تستعد فيه بعض الأسر المغربية للسفر والاستمتاع بعطلة فصل الصيف وقضاء أوقات بالمنتجعات والشواطئ بالمدن الساحلية، تجد الغالبية العظمى من الأسر نفسها مجبرة على البقاء بمنازلها بسبب الظروف المالية والاقتصادية التي تعيشها، حرصا منها على تدبير مداخيلها وادخار ما يلزم لمواجهة المصاريف اليومية للعيش، وكذا مصاريف الدخول المدرسي وغيرها.

وإذا كانت الفئة الميسورة من الأسرة المغربية، تختار الإقامة في الفنادق المصنفة والمنتجعات السياحية الرفيعة، وفئة تختار السفر إلى الخارج لقضاء العطلة، فإن فئات أخرى تفضل السفر إلى المدن الشاطئية، وخاصة بشمال المغرب وكراء شقق تناسب مدخولها، بل هناك من تختار زيارة العائلات بهذه المدن هربا من موجات الحر التي تلقي بضلالها على المناطق الوسطى كبني ملال ومراكش وفاس وغيرها.

واصف، موظف، بقطاع التربية الوطنية، يفضل قضاء العطلة الصيفية بمنطقته المفضلة بإملشيل، حيث يسود الجو النقي والهدوء، فضلا عن تواجد أماكن ومناظر طبيعية جميلة وعلى رأسها واد أسيف ملول الشريان النابض الذي يبث الحياة في المنطقة.

واصف لم يخف إعجابه بالعديد من الأماكن الجميلة والمناظر الطبيعية الخلابة المتواجدة بجهة بني ملال خنيفرة كمنطقة أنركي وزاوية أحنصال وبوتفردة وأيت بوكماز وقمم إمسرافن، مناطق يقول واصف تحتاج إلى التشجيع والتعريف والاهتمام بها حتى تغدو وجهة مفضلة للزوار المغاربة.

يقول واصف في حديثه لملفات تادلة “أفضل قضاء أسبوع في منطقة إملشيل، المنطقة تغري بالزيارة، وأسعار الإقامة في الفنادق والمآوي جد مناسبة، وغير مكلفة بالنسبة للأسر التي ترغب في السفر خلال العطلة الصيفية”.

ثم يضيف، منذ أزيد من 11 سنة لم أقض عطلتي الصيفية بالمدن الشاطئية بهدف التخييم وأختار المناطق الجبلية لهدوئها وجمالية مناظرها الطبيعية.

وبخلاف واصف يفضل عبد الرحمان (موظف) قضاء بضعة أيام رفقة أسرته الصغيرة بإحدى المدن الشاطئية، باعتبارها الوجهة والقبلة الأولى المفضلة لغالية الأسر المغربية لقضاء العطل الصيفية.

ويرى عبد الرحمان، أن الأسر التي لا دخل لها أو ذات الدخل المحدود ليس بمقدورها تأمين يوم أو يومين، بإحدى المدن الشاطئية بسبب ارتفاع مصاريف التنقل والتغذية والإقامة، وبسبب الوضعية الاقتصادية الصعبة التي يجتازها المواطن المغربي بسبب ارتفاع تكاليف العيش اليومية.

وإذا كان الوضع الاقتصادي لبعض الأسر المغربية يسمح لها بالسفر والاستمتاع بأوقات العطلة، فالأمر بالنسبة للغالبية العظمى غير وارد على الإطلاق بسبب الهشاشة والفقر الذي يطوق رقابها.

وفي هذا الصدد، يرى واصف أن على الدولة أن تنظر إلى هذه الأسر ذات الدخل المحدود من خلال خلق مبادرات مؤسساتية، ودعمها وتوفير منتجعات عمومية بأثمان رمزية وخاصة للأطفال، كما هو الشأن بالنسبة لمبادرة دعم السكن الاقتصادي.

محمد بائع متجول، أب لطفل يستبعد كليا السفر خلال عطلة الصيف هو وزوجته وابنه، بالنسبة له السفر مستحيل ويتطلب إمكانيات مالية مهمة، خاصة وأن مصاريف عيد الأضحى أضافت إليه أعباء مالية أخرى وأجهزت على ما كان يوفره من أموال.

“أفضل البقاء في مدينتي رغم ارتفاع درجة الحرارة، وأفضل ارتياد المسابح الخاصة بين الفينة والأخرى رفقة ابني، والتي يبقى الولوج إليها صعبا وخاصة للأسر الفقيرة، قضاء أسبوع في إحدى المدن الساحلية يبقى شبه مستحيل في هذه الظرفية بالنسبة لي”.

مطلب توفير أماكن للترفيه للفئات الهشة كالمسابح العمومية، وفضاءات الخضراء والمنتجعات، والاهتمام بالتنمية السياحية بالجهة، يتقاسمه واصف وعبد الرحمان ومحمد وكل من تحدثت إليهم ملفات تادلة خلال إعدادها لهذا الملف.

في دراسة أنجزتها المندوبية السامية للتخطيط، صدرت في يوليوز 2020، كشفت أن 71.5 بالمائة من الأسر المغربية، لا تعتزم السفر بعد الرفع الكامل لحالة الطوارئ الصحية، وأن 86.2 بالمائة من الأسر الأكثر فقرا لا تنوي السفر بعد الحجر، مقابل 13 بالمائة فقط تنوي السفر داخل المغرب، فيما أظهر الاستبيان أن 42.8 بالمائة من الأسر الأكثر ثراء، تنوي السفر داخل المغرب، و2.2 بالمائة ينوون السفر إلى الخارج، مقابل 51.4 لا ينوون السفر.

نفس الدراسة، التي خصصت لفهم سلوك المغاربة لمواجهة كوفيد-19، أشارت إلى أن نسبة الأسر التي صرحت بأنها لا تفكر في السفر تصل إلى 80.6 في المائة بالوسط القروي، مقابل 67.3 في المائة في المدن والحواضر، مشيرة الى أن أسباب امتناع أغلب المغاربة عن السفر، تعزى إلى عدم توفر الإمكانيات المادية لدى 39.4 بالمائة منهم.

عمر أربيب، ناشط حقوقي، أشار في تصريح لملفات تادلة أن الحديث عن السفر خلال العطلة الصيفية أساسا مرتبط بالطبقة الوسطى التي تعد أكبر منعش للسياحة الداخلية، علما أن عددا منها أصبح يخطط لقضاء العطلة ضمن ما يسمى الرحلات المنظمة خارج المغرب، نظرا لكلفتها المالية المنخفضة مقارنة مع أسعار القطاع الخدماتي السياحي الوطني التي تبقى جد مرتفعة.

وأضاف أربيب أنه خلال هذه السنة يمكن أن نلمس تقلصا في السفر لدى الفئات الوسطى أما بالنسبة للطبقات الفقيرة والهشة، أو ذات الدخل المحدود الذي لا يسمح بالادخار، فمن الصعب الحديث عن السفر للاستجمام والراحة، نظرا لغلاء الخدمات المقدمة من طرف المنتجعات السياحية من فنادق وإقامات ومركبات معدة لذلك، وهذا مرتبط بالغلاء وارتفاع الأسعار بشكل عام والتضخم وكلها عوامل تجعل كلفة المعيشة مرتفعة.

ولفت أربيب إلى “أن السياحة الداخلية التي يمكن أن تحافظ على مستوياتها السابقة، ستكون مرتبطة بالقطاع غير المهيكل، بمعنى قضاء العطلة بالنسبة لأغلب الأسرة في أماكن معدة للكراء في شقق ومنازل خاصة في المدن السياحية، كما أن عملية تبادل السكن بين الأسر سيستمر”.

أربيب اعتبر أن الخدمات السياحية أثناء العطلة الصيفية تعرف الكثير من المضاربات، مما يجعل أسعارها ترتفع بشكل غير مسبوق، وهذا الغلاء لا يمس فقط الإقامة أو الكراء بل يتبعه ارتفاع كلفة جميع الخدمات الأخرى من المطعمة والولوج للمسابح وكل ما يتعلق بالترفيه، وتبقى جميع الخدمات خارج إطار المراقبة وتحديد الأسعار بشكل معقول ومقبول، مما يقلص من مدة السفر ويجعله قصيرا ولا يسمح بتغيير الأجواء والاستعداد لموسم جديد وأن تقلص العطلة المدرسية، وضعف استقطاب الأطفال واليافعين للمخيمات الصيفية، يقويان من حجم ارتفاع الطلب خلال شهر غشت مما يجعل التكلفة ترتفع بشكل صاروخي.

عدم التفكير في السفر والمكوث بالبيت لا يقتصر فقط على الفئات الهشة، بل إن جزء كبيرا من الطبقة المتوسطة التي أثقلت كاهلها قروض السكن، يفضل ادخار قسط من المال لمواجهة موجة الغلاء عوض السفر الذي يتطلب إمكانيات مهمة للاستمتاع بأوقات العطلة.

لكن مقابل ذلك تلجأ بعض الأسر ذات الدخل المحدود إلى القروض الصغرى، كحل للحصول على المال للسفر، وتتحمل تبعات هذه القروض طيلة السنة، في حين تعمد أسر أخرى إلى زيارة العائلات خاصة بالمدن الشاطئية، وغالبا ما تقتصر هذه الزيارات على أيام محدودة لا تتعدى أحيانا أسبوعا.

وفي أحدث مذكرة لها حول الظرفية لدى الأسر خلال الفصل الأول من سنة 2024، قالت المندوبية إنه خلال الفصل الأول من سنة 2024 بلغ معدل الأسر التي صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا السابقة 82,5 بالمائة، فيما تحدثت 13,1 بالمائة منها عن استقراره، و4,4 بالمائة عن تحسنه.

وبخصوص تطور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا المقبلة تتوقع 56,9 بالمائة من الأسر تدهوره، و33.5 بالمائة استقراره، في حين ترجح 9,6 بالمائة تحسنه.

وأشارت المندوبية إلى أن 55,9 بالمائة من الأسر، صرحت خلال الفصل الأول من سنة 2024، بأن مداخيلها تغطي مصاريفها، فيما استنزفت 42.3 بالمائة من مدخراتها أو لجأت إلى الاقتراض، ولا يتجاوز معدل الأسر التي تمكنت من ادخار جزء من مداخيلها 1,8 بالمائة.

وإذا كان الكثير ممن تحدثت إليهم ملفات تادلة يرجعون أسباب عدم السفر خلال العطلة الصيفية أو تأجيله، إلى العامل المادي، فإن الباحث في علم الاجتماع أسامة بحري يشير إلى أن هناك عوامل كثيرة تتدخل في توجيه السلوك الاجتماعي، هي عوامل متعددة وأهمها العامل الثقافي الذي هو التيار الذي يقود السلوك، لكن هذا التيار يتشابك مع عوامل أخرى، ومن بينها الجانب الاقتصادي للفرد وحالته الاجتماعية.

وأضاف، “أن الأسر التي تنتمي إلى الطبقة الفقيرة قد لا يخطر على بالها موضوع السفر لأنها منشغلة بالتفكير فيما يتوافق مع مستواها الاقتصادي والاجتماعي، بحيث سنجد هذه الأسر تفكر أولا في الدخول المدرسي وتوفير المال له، وقد نجدها أيضا تفكر في تزويد أبنائها بالمال الذي ادخرته، ولن تفكر في السفر لأنه بالنسبة لها مضيعة للنقود ولا شيء سيجنى من ورائه”.

وقال بحري، أنه إذا نظرنا إلى المعجم القيمي للطبقة الغنية فسنجد أن “الاستمتاع من أجل الاستمتاع” و”السفر من أجل الاستجمام”، وهي قيمة تختلف كليا عن قيمة “استرح لتعمل”، وهكذا نخلص إلى أن التمثل الاجتماعي للأسر المغربية مرتبط بالطبقة التي تنتمي إليها.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...