محمد الحنصالي/ محمد شنان **
يرى محمد البصيري، أستاذ مبرز في التربية البدنية والرياضية (متقاعد حاليا)، أنه بالرغم من ارتباط مفهوم الصحة بعدة عوامل سياسية وسوسيوثقافية وديمغرافية وجغرافية، إلا أن مساهمة النشاط البدني في الحفاظ على الصحة بات أمرا محسوما فيه، حسب كل الأبحاث والدراسات في هذا المجال، وهي تدخل في إطار ما يسمى بأسلوب ونمط الحياة. ففي الولايات المتحدة الامريكية أكدت دراسات حديثة على أن العوامل المساهمة في تخفيض الوفيات هي العوامل البيولوجية بنسبة 27 في المائة، والوسط بنسبة 19 في المائة، وأسلوب الحياة 43 في المائة (هنا يندرج النشاط البدني)، وطرق العلاج 11 في المائة.
وأوضح البصيري المهتم بقضايا الرياضة والتنمية، أن كل الابحاث العلمية تشير إلى أهمية الأنشطة البدنية والرياضية، وأنشطة الهواء الطلق، وحصص التربية البدنية، في الحفاظ على صحة الأفراد وتنميتها، وذلك في إطار ممارسة ميدانية معقلنة، تنبني على برامج تأخذ بعين الاعتبار سن وجنس الشخص وحالاته الصحية.
فالممارسة المنتظمة، يضيف المتحدث، عامل من عوامل الصحة والإحساس بالمتعة، ولها انعكاسات ايجابية على المستوى البدني والسيكولوجي والفيزيولوجي والسوسيوثقافي. حيث أن الأشخاص النشيطين، يؤكد البصيري، ليست لهم نفس العادات كغير الممارسين، إذ أنهم يهتمون بجودة الحياة، أما الخمولين فغالبا ما يسقطون فريسة للعادات السيئة وبعض الانحرافات، مشيرا إلى أنه مع تطور المجتمع تنامت ظروف الخمول وقلة الحركة، حيث أن الاطفال مثلا باتوا يقضون أوقاتا طويلة في مشاهدة التلفزيون، وممارسة ألعاب الفيديو، واستعمال الهواتف الذكية، مما ينعكس سلبا على صحتهم ويسبب أمراضا وعاهات مستديمة.
وأبرز ذات المتحدث، أن كل تربية قاعدية يجب أن تعتبر التربية البدنية أساسية لناشئتنا، وذلك بترسيخ عادات النشاط البدني منذ الصغر، وهو ما نفتقده للأسف بمختلف مؤسساتنا التعليمية، خاصة بالسلك الابتدائي، التي تعتقل أطفالنا طيلة اليوم، في الوقت الذي هم فيه أحوج إلى الحركة والرياضة والنشاط والتعبير الجسدي، لضمان نمو منسجم ومتكامل.
إن الصحة وفق البصيري لم تعد مختصرة على الجانب البيولوجي، أي غياب الأمراض، بل صار ينظر إليها بمنظور شمولي تتداخل فيه عوامل عديدة ومعقدة ومتفاعلة (بيولوجية ـ اجتماعية ـ اقتصادية ـ بيئية …)، فمنظمة الصحة العالمية تعرف الصحة بتلك الحالة العامة للإحساس بالمتعة البدنية والأخلاقية، وليس فقط غياب الأمراض، يؤكد المتحدث.
وأكد الأستاذ البصيري أن الجسم في طبيعة تكوينه خلق ليتحرك، وفي حالة الخمول يصاب بعدة أمراض عضوية ونفسية، ضمنها أمراض القلب والشرايين، والبدانة والسمنة، والإصابات الدماغية، والاكتئاب والقلق، وأمراض اخرى مرتبطة بالخمول، هذا إضافة إلى أن الشخص الخمول يفتقر للاستقلالية وللحماس، وغياب الثقة في النفس، والعزلة الاجتماعية.
وفي ختام حديثه لملفات تادلة، أكد الاستاذ البصيري، أن الاستثمار في المجال الرياضي هو استثمار طويل الأمد في العنصر البشري، الذي يعتبر أساس كل تنمية مستدامة. فعلى الدولة والجماعات الترابية والقطاع الخاص إيلاء هذا القطاع العناية اللازمة. وبالإضافة إلى المنشآت الرياضية الكبرى، يجب تجهيز الأحياء بملاعب القرب في رياضات مختلفة، كرة القدم، وكرة السلة، والكرة الطائرة، وبفضاءات الترفيه، ومراقبة القاعات الرياضية، والتحسيس بمخاطر استهلاك بعض المواد والمنتوجات المضرة بالصحة.
ويؤكد البصيري أن جل مدننا تحولت بفعل التوسع العمراني السريع، وتناسل الاحياء العشوائية، إلى كتل إسمنتية مخيفة وقبيحة، ومجالات للربح المادي يستفيد منها في المقام الأول المضاربون العقاريون، الذين لا يهمهم في شيء صحة فلذات أكبادنا ورفاهيتهم، والاستثمار في الانسان، وأشار إلى أن جلّ الجماعات الحضرية والقروية تعاني للأسف من نقص لافت في الوعاءات العقارية، التي يمكن استثمارها في إنشاء الملاعب، والقاعات الرياضية، والمسابح، والمشاريع التنموية.
*أستاذ مبرز في التربية البدنية والرياضية
**صحافيان متدربان