أجرت الحوار: سلوى عمار*
أجرت الصحافية المتدربة سلوى عمار حوارا مع الناقد محمد أبو العلا والأستاذ في كلية الآداب بجامعة السلطان مولاي سليمان في بني ملال، يتميز الكاتب بإسهاماته الأدبية والنقدية في الأدب العربي المعاصر. لديه العديد من الدراسات والبحوث المنشورة في مجالات الأدب والنقد الأدبي، سرديات الحداثة في الأدب العربي المعاصر التفاعل النصي في الرواية العربية حين يزهر اللوز ويشارك بانتظام في مؤتمرات وندوات أدبية
من خلال عمله الأكاديمي، يسعى أبو العلا إلى تسليط الضوء على القضايا الأدبية والثقافية المعاصرة، ويساهم في تطوير مناهج النقد الأدبي في العالم العربي. يتميز أسلوبه النقدي بالعمق والتحليل الدقيق، ويعتمد على مناهج نقدية متنوعة تتراوح بين النقد النصي والنقد الثقافي.
-ما الذي ألهمك لكتابة “هجنة المتخيل السردي المسرحي”؟
السلام عليكم، أتمنى أن تكون أجواء العيد قد مرت بشكل جيد، شاكرا لك الاستضافة، ول”ملفات تادلة” المنبر الإعلامي السيار الذي كنا ومازلنا نتابعه بشغف، كما كنا نسهم من حين لآخر في بعض مواده زمن إدارته من طرف المرحوم الحجام.
قبل الإجابة أعتقد أن السؤال هو ما الذي حفزني على كتابة هذا الكتاب؟ مادام موضوع الإصدار يتعلق بمشروع علمي وليس بإبداع، مشروع ابتدأ مع كتاب ” المسرح والسرد نحو شعريات جديدة ” الصادر عن دار فاليا بني ملال سنة 2018. من هنا أعتبر الإصدار امتدادا للكتاب الأول من باب ما فيه من اشتباك مع المتخيل السردي والمسرحي، ومقاربة ما يسمى بالتداخل والتنافذ المفضي إلى هجنة. وذلك من خلال نصوص وعروض مغربية انشغلت بتسريد المسرح، أي مقاربة مشاريع مسرحية لحظة اشتباكها بالمحكي .
في هذا الإصدار الجديد “هجنة المتخيل المسرحي من النقد المحايث إلى تهجين النقد” وكما يؤشر على ذلك العنوان، هو اشتغال وانشغال بظاهرة نصية وليس بنصوص معدودة على رؤوس الأصابع، وذلك إذا نحن أخذنا بعين الاعتبار حجم تراكم النصوص المسرحية والسردية التي صارت كلها أو جلها في هذا الاتجاه، أي اتجاه تسريد المسرح أو مسرحة السرد، مع ما يتصل بهذا الانعطاف من تداخل آليات التخييل الخاصة بكل جنس على حدة، حيث نجد في المتخيل المسرحي تداول ” المونولوغ”، إلى جوار شذرات محكي طافح، والعكس صحيح بالنسبة للمدونة السردية التي أمست نصوصها راشحة بالحوار، محتلا بذلك المكان المنوط بالحكي، لهذا كان لا بد من الالتفات لهذا التراكم النصي وجعله موضوعا للاشتغال في سياق مشروع علمي.
-كيف تعرف “هجنة المتخيل السردي والمسرحي” وما الذي يميزها عن الأشكال السردية الأخرى؟
مفهوم الهجنة كما عرفته في مقدمة الإصدار، مفهوم منسوب بشكل خاص ل” ميخائيل باختين”، فهو أول من قعَد لهذا المفهوم داخل الرواية ، انطلاقا من المزج بين لغتين أو بين نسقين موصولين بقصدية حاضرة بقوة، قصدية المؤلف سواء كان مؤلفا روائيا أو مسرحيا حال النصوص والعروض المطروقة بحثا في هذا الإصدار، والتي يحضر فيها هذا الملمح بقوة، الأمر إذن يتعلق بقصدية في الكتابة، وبتداخل جنسين متمايزين على مستوى إواليات التخييل. بمعنى آخر الهجنة هنا هي نص ثالث نتاج نص درامي زائد نص سردي، او ما يسمى بنص المابين.
-تنوع الأساليب الفنية تعدد الأصوات والشخصيات، التلاعب بالزمان والمكان عناصر أساسية في المسرح اين تتجلى الهجنة السردية فيه من خلال هذه العناصر؟
يتصل تنوع الأساليب وتعدد الأصوات والشخصيات بشكل خاص بالرواية، وليس بالمسرح، إلا أن هذه العدوى انتقلت الآن من السرد إلى المسرح في إطار ما يسمى بمسرح ما بعد الدراما، انطلاقا من الممثل الذي لم يعد يقتصر فقط على قناع الشخصية ،بل أمسى محلقا على بساط السرد خارج الحيز المنوط بالقناع، في هذا السياق إن كان المتخيل المسرحي الكلاسيكي لم يستدع السرد إلا في بعض اللحظات التي يستحيل فيها التشخيص، نرى أن السرد اليوم قد احتل مساحات شاسعة الأطراف في متخيل ما بعد الدراما، و هذا ما جعل الناقد في مأزق إجرائي، أي هل يقارب هذا المتخيل مقاربة دراماتورجية،أم مقاربة تمتح من السرديات.
أضف إلى ذلك تحول عنصر مهم وهو السارد من مستوى مكتوب تخييلي في الرواية إلى مقول في عرض مفترض، ثم طبيعة الخطاب المسرحي الموصول بالزمن الحاضر أي “هنا” و” الآن”، في حين تدور أحداث السرد في الزمن الماضي كما حدد ذلك تودروف وديكرو، هذه إذن مفارقة من مفارقات هذا التهجين التي وقفت عندها مليا في هذا الإصدار الجديد.
-كيف ترى العلاقة بين المتخيل السردي والمتخيل المسرحي؟ وهل تعتبر أن هناك تقاطعات حقيقية بينهما؟
يمكن النظر إلى التقاطع بين المسرح والسرد، كمظهر من مظاهر تخصيب متبادل، كما يمكن الحذر في نفس الوقت من تبعات ما قد يفضي إليه من تهجين مفرط، حتى لا يتخطى المسرح بذلك نقطة اللاعودة كما لمح إلى ذلك “جان بيير سارزاك” من خلال تحفظه على هذا التجريب المفرط للمسرح بالسرد، حيث يغدو المسرح جراء ذلك شيئا آخر، وهو ما نبه إليه في المقابل المنظر الروائي ” كلونسكي” الذي أكد على أن الرواية قد تتصرف في عدد لا يحصى من الإمكانيات المتنوعة أو المتعارضة أحيانا، وهذا شيء جيد ، إلا أن هذه الإمكانيات وجب أن تحافظ على ثوابت الرواية، وإلا سيؤدي هذا _ في نظره_ إلى اندثار الجنس الروائي وحلول جنس آخر محله.
-تعتبر رواية ألف ليلة وليلة من أكثر الأمثلة شهرة على الهجنة السردية، حيث يجمع بين الحكايات الشعبية، الأساطير، والقصص الواقعية في إطار سردي متداخل.
هل يمكنك ذكر بعض الأمثلة الأخرى من الأدب العالمي أو العربي التي تعتبرها نماذج لهجنة المتخيل السردي؟
بالإضافة إلى محكي “ألف ليلة وليلة” هناك محكيات أخرى حال “بخلاء الجاحظ “و “مقامات الهمذاني” التي شكلت مباحث مركزية في هذا الإصدار، وروايات عربية وغربية يحضر فيها التهجين بقوة، منها “محاكمة إيزيس” للويس عوض” و “بنك القلق” لتوفيق الحكيم حيث لم يقتصر التهجين فيها على الداخل بل طال الخارج ، من خلال وسمها ب”مسراوية” وهي إشارة صريحة إلى المؤسسة النقدية كي تأخذ بعين الاعتبار هذا التجنيس الجديد الخارج من معطف التجنيس الأرسطي، نذكر في هذا الباب أيضا تجربة الكاتب والمسرحي والسيناريست المصري السيد حافظ في رواية “كل من عليها خان “، رواية لم يصرح المؤلف بمسراويتها على الغلاف، بل لمح إلى هذا التجنيس في مقدمة الكتاب. و سيجد قارئ هذا الضرب من التخييل تأثير الدراما التلفزية على الكتابة السردية من خلال اختراق الفضاء النصي للرواية بفواصل سماها “فاصل ونواصل” , “لا تذهب بعيدا” “عدنا للرواية” .
هناك أيضا في المغرب “شجرة الخلاطة ” وهو نص روائي حاول أن يجرب من خلاله “الميلودي شغموم” تعويض الحكي بالحوار، وهو نمط جديد كما سماه الناقد لحمداني حميد” فرض ذاته في الساحة الروائية المغربية، نمط يبني ذاته من خلال الحوار وحده، حيث الرواية كما يقول تمسرح بنيتها من البداية إلى النهاية، ممارسة اقتضابات متعددة منها اقتضاب في السرد بأن يجعله مندمجا في الحوار، واقتضاب في الحدث باعتبارها رواية حوارية تذكر القارئ بالمسرح الذهني.
كما أن هناك روايات أخرى لم تشر إلى وسم ” مسراوية” على غلافها، في حين نجد قصدية ذلك حاضرة في الداخل، منها رواية ” في انتظار مارلين مونرو” لمحمد أمنصور التي جربت مقاربة هجنتها في الفصل التطبيقي بمنهج موسع، هو توليف بين الدراماتورجيا والسرديات” ثم رواية المغاربة “لعبد الكريم جويطي و ” ثورة الأيام الأربعة ” ثم روايتي “حين يزهر اللوز” التي نظر إليها العديد من النقاد على أنها رواية مدخولة بالمسرح.
أما بالنسبة للروايات الغربية فنشير إلى ما أشار إليه “بيرنار فاليت” من صعوبة الإقرار بكون بعض الأعمال السردية روايات صرف، منها رواية ” poil de carotte “لجيل رونار ورواية Jean Barois ” لروجي مارتان دوجارد وما شاكلها من نصوص نحت هذا المنحى.
-تحدثت عن “نقد مغاير”و “المابين” في كتابك، هل يمكنك توضيح هاذين المفهومين وكيف يمكن أن يسهما في تطوير الدراسات النقدية؟
النقد المغاير المقصود هنا مرتبط بطبيعة هذا النص المركب الذي أتينا على ذكره، نقد موصول بنص جديد فيه ما فيه من جزئيات وتفاصيل الانفتاح المتبادل، فعلى خلاف النص السردي الخالص الذي يستدعي إجرائيا النقد المحايث، فالأمر يختلف حين يتعلق الأمر بنص مسرود وملعوب في نفس الآن.
كما أن انتقال السارد الذي هو محور اللعبة التخييلية السردية إلى المسرح سيخلق كما ذكرنا تحديا إجرائيا، فالسارد الذي كنا نتخيله ونحن نقرأ الرواية أمسى حاضرا أمامنا، من خلال اضطلاع الشخصية المسرحية بالسرد بدل الفعل جوهر اللعب المسرحي، مع العلم أن في المسرح : dans le théâtre dire c’est faire أن تقول في المسرح يعني أن تفعل، فهذا التداخل بين آليات التخييل السردية والمسرحية سيخلق كما أسلفنا إرباكا للقارئ و الناقد، أي كيف يقارب هذا الأخير نصا بهذا الملمح , هل يتوسل بأدوات إجرائية ودراماتورجية لقراءة النص في تمسرحه أم في إطار أدبيته، فالناقد الوفي للسرديات وجب أن يعيد النظر في أدواته السردية مثلما على الناقد الدراماتورج إعادة النظر في أدواته الإجرائية المحايثة، فقارئ هذا النص بهذه الطبيعة وبهذا التركيب، مفروض عليه أن يكون ملما بالدراماتورجيا وبالسرديات ،وهذا ما نقصده بالنقد المغاير . خلاصة نحن أمام تبادل أدوار خطير يستدعي آليات جديدة ومغايرة.
أما مفهوم الما بين فلا يقتصر في الحقيقة على نصوص المسرح والسرد، بل يسري على نصوص أخرى خارج هذين الجنسين، وقد تطرقت لها في الكتاب منها قراءة “محمد الداهي ” لجنس السيرة الذاتية، من خلال اقتفائه لمجموعة من النصوص صنفت في إطار السيرة الذاتية، حيث رأى الداهي بأنها ليست كذلك، بل فيها ما فيها من تخييل مفارق، بمعنى ألم يتسرب التخييل الروائي إلى حكي السيرة الذاتية كما لمح إلى ذلك الداهي؟ ألا يضيف الكاتب تفاصيل أخرى إلى حياته الخاصة أثناء السرد؟ أكيد ستدخل جزئيات عديدة موصولة بتخييل مفارق للواقع…
أعتقد أننا نغبن نصا ما إذا رمنا دراسته بناء على الميثاق أو التعاقد الموجود في الخارج دون الاحتكام النقدي للداخل من خلال أسئلة إجرائية مركزية، وهي: هل هذا الداخل وفيَ للوسم الأجناسي في الخارج أم لا ؟ فالنقد في نظري لا يجب أن يدعن للوسم الخارجي رواية أو مسرحية، بل يجب أن يستنطق الداخل في أفق تجنيس جديد. وهذا ما قام به “جان ماري شيفر” مسائلا التقارب الحثيث بين المحكي والمشخص انطلاقا من صيغ التلفظ بدل الوسم الخارجي، إضافة إلى مجموعة من النقاد الذين أتيت على ذكرهم للتو.
-ما هي النصائح التي تقدمها للباحثين الشباب الذين يرغبون في دراسة العلاقة بين السرد والمسرح؟
نصيحتي للشباب يجب أن يدمنوا قراءة الروايات والنصوص المسرحية، فقبل المرور إلى الميتا مسرح أو الميتا سرد، وجب البدء بملء خانة القراءة الشاغرة، بالإقبال على نصوص عالمية وعربية مسرحية وسردية. وذلك في أفق التعرف على إواليات التخييل في تجارب متنوعة .فالمسرح مثلا فيه أنماط مسارح و تجارب إبداعية عديدة، منها المسرح البريختي والمسرح الأرسطي وهما بالمناسبة يختلفان عن مسرح العبث ، حيث يبدو هذا الأخير مسرحا قريبا جداً من السرد ؟ فانتظار الذي يأتي ولا يأتي في مسرحية “في انتظار جودو”، يقوم على ما يشبه محكيات طويلة لاستراجون و فلاديمير اللذين ينتهي بهما الأفق المسدود إلى الجنوح بالحوار نحو ما يشبه المونولوج، كما يتحول الفعل أس المسرح الدرامي إلى بوح. ويسري هذا أيضا على مسرحية “في انتظار العميان” للكاتب البلجيكي ماترلنك، الذين بعد انتظار طال سيكتشفون أن الكاهن مرشدهم وأملهم الوحيد في الجزيرة الحالكة قد أمسى جثة طافية فوق الماء غير بعيد عنهم، حيث على امتداد فترة الانتظار العصيب ظل الحكي يتدفق إلى جوار الحوار ، أيضا مسرحية “هاملت” الذائعة الصيت لشكسبير التي يطفح فيها المونولوغ لحظة انكفاء شخصية هاملت على الداخل تحت وقع الأحداث المتواترة تباعا في القصر بعد قتل والده.
بخصوص التجارب الروائية وجب أن نقرأ أولا الروايات المصنفة تحت هذا الوسم قبل الانتقال إلى تجارب أخرى متمردة على هذا التصنيف البراني، وهي كثيرة منها أعمال دوستويفسكي وتولستوي وجويس…
هكذا فمنطقة التقاطعات منطقة مغرية بالبحث بالنسبة للباحثين الشباب، حيث بدل التوجه بحثا شطر الروايات الوفية لجنسها الروائي والتي قتل أغلبها بحثا، ممكن البحث عن إشكاليات جديدة متصلة بهذا التنافذ الساري في أعمال روائية ومسرحية كثيرة، منطقة إخالها خصبة وواعدة بنتائج بحثية وبإبدالات.
-ماهي خططك المستقبلية في مجال الكتابة؟ وما هو الجديد الذي تعمل عليه حاليا؟
مشاريعي المستقبلية إن شاء الله، بالإضافة إلى الجزء الثاني من روايتي “حين يزهر اللوز “سأواصل البحث في مشروع التقاطع بين المحكي والمسرحي في المدونة السردية والمسرحية وفي التراث أيضا، فلموضوع الهجنة اليوم آنيته، وزخم حضوره في أوروبا في العديد من المنتديات، منها ندوة هامة بجامعة أرسطو بمدينة تيسالونيك اليونانية، و التي تم تفريغ مداخلاتها في كتاب وازن تحت عنوانroman et théâtre une rencontre inter générique dans la littérature française.، ، وفي هذا الصدد فإن جمالية المابين يمكن القول المابين كما قلنا لا تقتصر فقط على المسرح والسرد، ولا على دراسات السيرة والرواية ولكن تتجاوز ذلك إلى كل المناطق التي تشكل توترا بين الخارج والداخل، منها لحظة فتح ستار المسرح، فهذه اللحظة تعتبر مسافة زمنية مابينية ، بين التخييل والواقع، واقع المتفرج وفضاء الفرجة، ثم مطالع الروايات، أو المنطقة الفاصلة الواصلة بين مناص غلاف الخارج ومطلع نص الداخل، وغيرها من الأحياز المتوترة التي تشغل اليوم بال الدارسين الغربيين بالخصوص، منها اعمال ندوة تحت عنوان Nord et sud ; Une Altérite Questionnée من تنسيق فرنسوا دوفاليير” François Devaliereوهو بالمناسبة كتاب مهم جدا شارك فيه نخبة من باحثي الشمال والجنوب في مقدمتهم عبد الفتاح كيليطو، كما أن من الأسماء النقدية المغربية التي رسخت حضورها العلمي مبكرا في هذه الأحياز المابينية الناقد د.رشيد بن حدو في كتابه الوازن “جمالية البين بين”.. إضافة إلى الناقد والباحث الأكاديمي د.محمد بوعزة مقدم هذا الكتاب. مشروع الهجنة إذن مشروع مكلف لكن مغر بأسئلة عديدة مدار إصدار قادم بحول الله وقوته…
في الأخير أحيي “ملفات تادلة” من خلالك الإعلامية سلوى… متمنيا لك التوفيق والتألق في مسارك الإعلامي ول”ملفات تادلة” منبرنا الجهوي الأثير وللقائمين عليه المزيد من الإشعاع.