سوق أولاد يعيش: أسعار الأضاحي بين “تضحية” الكسابة وقلة ذات يد المواطنين

-محمد الحنصالي *

الأضحية.. بحث مضن لإرضاء الأسرة

يجوب أحمد (46 سنة) السوق رفقة ابنه ذي الإثني عشر ربيعا، يجول بعينيه السوق بنظرات تبدو تائهة، بعدما اعتاد كل سنة شراء أضحيته من سوق أولاد يعيش، ها هو اليوم يجوبها طولا وعرضا زهاء الساعة، وهو يمسك بيد طفله أملا في الحصول على أضحية تناسب قدرته الشرائية، ومواصفات مخيلة ابنه.

في كل مرة يقفان لمعاينة خروف أو نعجة، يسأل أحمد عن الثمن، ودون أن ينبس ببنت شفة أو يفاوض على السعر، يسحب ابنه، الذي لا يطاوعه في الانصراف في كل مرة، لاسيما عند معاينة خروف تكتمل فيه المواصفات التي رسمتها مخيلته.

أحمد نموذج للعديد من المتسوقين، من أرباب الأسر المغربية، الذين يعانون من ضيق ذات اليد والفقر، ويعتصر قلوبهم الألم في مناسبات كهذه، فمناسبة عيد الأضحى لهذه السنة تشهد فيها أسعار المواد والأضاحي ارتفاعا مهولا يلهب جيوب عموم المواطنين وهم يبحثون عن أضاحٍ لإرضاء الأطفال.

غير بعيد عن أحمد يمسك مصطفى قرن كبش ويفاوض البائع على السعر. مصطفى متقاعد يأتي من مدينة بني ملال، حيث يقطن، إلى السوق الأسبوعية لأولاد يعيش، والتي تنعقد أسبوعيا كل يوم جمعة. تقع جماعة أولاد يعيش في إقليم بني ملال، وتبعد عن المدينة حوالي 16 كيلومترا، ويستغرق الوصول إليها حوالي 15 دقيقة بواسطة سيارة الأجرة أو السيارات الشخصية، وأكثر قليلا بواسطة الحافلة، توفر وسائل النقل يشجع سكان المدينة على القدوم إلى هذه السوق.

سوق الأضاحي عبارة عن مساحة واسعة، تقع على ربوة من ضفة واد درنة، وتخصص لبيع الأغنام بشكل خاص في هذه المناسبة، وتتميز بعرض سلالة “الصردي” بشكل خاص من قبل مربين للماشية معروفين بمنطقة بني معدان، ويعتقد سكان المدن المجاورة أن الأسعار هنا ستكون أرخص، حيث أن البائعين هم المزارعون ومربو الماشية من المنطقة، لهذا السبب أتي أحمد من بني ملال، وعزيز (خمسيني) من قصبة تادلة.

الغلاء وخيبة أمل البسطاء

تشير الساعة إلى التاسعة والنصف صباحا، الغيوم تحجب الشمس وتلطف الجو ما يجعل التسوق أسهل. فضاء الرحبة يغص بالوافدين، ويبدو أن عدد المتواجدين بها أكبر من عدد رؤوس الأغنام المعروضة للبيع. خلال جولتنا بهذه السوق، كان عدد الذين يحصلون على مبتغاهم قليلين جدا، وأصحاب العربات في حالة ترقب، “القضية ناعسة” يقول صاحب عربة يبحث عن زبون.

اكتفى أحمد من التجول في السوق وتفحص الأضاحي، لقد ذرع السوق كلها جيئة وذهابا دون جدوى، “ما كينش علاش تحط يديك، كلشي غالي”، يقول أحمد في حديثه لملفات تادلة، ويمسك بيد ابنه مبتعدا، يظهر أن الرجل يسحب الولد والأخير يمانع.

عند إحدى بوابات الرحبة قابلنا مصطفى وهو “يسوق” كبشا، برفع رجليه الخلفيتين، ويدفعه نحو دراجة ثلاثية العجلات، ويساعده صاحب الدراجة. “هذا واصل 5200 درهم، كاين الغلا، بحال هذا العام الفايت كان داير 4200، زايدة تقريبا 1000 درهم في السوق”، يقول لنا مصطفى، لكنه يفضل شراء الأضحية نظرا لجودة “المركد”، ويقصد بذلك المحضن الذي تربى فيه الأغنام هنا.

وأما عزيز، الخمسيني الذي يمتهن حرفة البناء وتركيب الزليج، في نواحي قصبة تادلة، فإنه لم يكن ليبحث عن أضحية العيد لولا صغاره، كما يقول لملفات تادلة، بالنسبة له “العيد هو تلك اللحظة التي تنحر فيها الأضحية، أي شيء سوى ذلك لا يدخل السرور في نفوس الأطفال، بقدر ما تدخله لديهم لحظة شراء ونحر الأضحية”.

لم يتمكن عزيز، إلى حدود لقائنا به قبل مغادرتنا، من الحصول على أضحيته “هاذشي غالي بزاف، وليس بوسع البسطاء توفير أضحية تناسب جيوبهم”، يقول لنا عزيز، ويضيف “أنا في جيبي 2000 درهم وعندي 4 أولاد وزوجتي وأمي، كيف نقد نرضي العائلة بهاد البركة؟”.

أسعار الأعلاف تثقل كاهل الكسابة

تعرف سوق أولاد يعيش توافد عدد كبير من المزارعين و”الكسابة”، من أجل بيع ماشيتهم، فالسوق تستفيد من موقعها كنقطة تقاطع بين مناطق بني معدان، التي تمثل سهل تادلة، ومناطق دير الجبل، مما يكسبها تنوعا وثراء يخلق رواجا اقتصاديا.

في هذه السوق، قد لا تصح فرضية “الغلاء سببه الشناقة”، لأن أغلب الباعة من المزارعين و”الكسابة”، وأغلب المواشي التي تعرض هنا، تعتبر منتوجا محليا، لكن رغم ذلك، سجلنا حسب شهادات من تحدثوا إلينا أن الأسعار مرتفعة، ويقدر مصطفى، كما أسلفنا، أنها ارتفعت بألف درهم عن السنة الماضية.

بشأن ارتفاع الأسعار، يوضح سامي، وهو “كسّاب” من أولاد علي القريبة من المنطقة، أن السبب هو ارتفاع أسعار الأعلاف هذه السنة، “الكسابة ممحنين، الجفاف وغلاء الأعلاف والأدوية ومصاريف النقل” يقول محدثنا، ويستطرد بنبرة لا تخلو من غصة “في السنة المقبلة بحول الله لن أمارس هذا النشاط (يقصد تربية وبيه الأضاحي)، فقد كلفتني ماديا ومعنويا بدون فائدة”.

محمد، بدوره كساب من أولاد يوسف القريبة من المنطقة، استغرب من استقدام وزارة الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات، لرؤوس من سلالة “المارينوس ” من إسبانيا ورومانيا، من أجل توفير الأضاحي للأسر المغربية، دون التفكير في دعم الكسابة الذين هم في أمس الحاجة إلى الدعم الموجه للاستيراد، مؤكدا أن الوقت حان لتنهج الدولة سياسة ناجعة للمحافظة على القطيع وبشكل خاص السلالات المشهورة في بلادنا.

صحافي متدرب*




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...