لحسن أيت الفقيه: أنقذوا الدكتور مصطفى معهود من الموت البطيء

-لحسن أيت الفقيه*

يواجه الدكتور مصطفى معهود الموت البطيء إثر إقدامه على خوض إضراب مفتوح عن الطعام، بلغ أمد وقوفه معتصما بأمعاء فارغة عشرة أيام، إلى حدود يومه الخميس 16 من شهر مايو من العام 2024. والدكتور مصطفى معهود الحاصل على شهادة دكتوراة علمية، وعين ليدرس مادة الرياضيات بثانوية مولاي علي الشريف، ببلدة الريش، القريبة من معتقل تازممارت، سابقا، بجنوب شرق المغرب، وهو السيء ذكره في الحال، مادام يذكرنا بماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

والأستاذ مصطفى معهود ذو الكفاءة العلمية، لا يفتأ يدرس تلاميذه عند الحاجة، ولو في الهواء الطلق، لكن الأجواء بمحيط معتقل تازممارت، رغم ورش العدالة الانتقالية المغربية، لازالت لم تتخلص بعد من سمة السبعينيات من القرن الماضي. ذلك أن مضايقة المناضلين باتت فريضة ملزمة لدى بعض المسؤولين. وبعيدا عن المكان والذاكرة وانتهاك حقوق الإنسان ظل الأستاذ مصطفى معهود مناضلا مزعجا كدأب جميع المناضلين في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان.

جرى انخراط الدكتور مصطفى معهود في سلك التربية والتكوين بعد نضال طويل وعسير من الاحتجاج مع المعطلين المغاربة أمام بناية البرلمان بالرباط. ولقد اختير ماهنا تربويا في التدريس في مادة الرياضيات في الثانوي التأهيلي ابتداء من سنة 2010. ولأن أهل الرأي ببلدة الريش يشمئزون من كل مناضل ذي توجه ديموقراطي حداثي فقد جرت محاربته حتى من لدن أولئك الذين ظهروا بالأمس وقد ألبسوا بالباطل لباس الديموقراطية والتقدمية. وما كان الدكتور مصطفى معهود لينجو حتى من بطش بعض النقابات والمناضلين النقابيين الذين يصفهم في جداره باسم «النوقابيون».

دامت مضايقته وبات يمتص الغضب لئلا يزيحه وقع الانفعال عن الوجه والصواب. وفي بداية في الموسم الدراسي لسنة 2018-2019 نزل موظف يحسب نفسه منتميا إلى الصف الديموقراطي إدارة الثانوية التأهيلية التي يدرس بها الدكتور مصطفى معهود الرياضيات، وكان نزوله بمثابة بداية عملية لتبكيته، ولثلة من الانتهاكات تحيق به.
في البداية سلم له جدول حصص في مادة الفيزياء التي لم يدرسها من قبل، أجابهم بكل تلقائية وتواضع: إني أحوج إلى التكوين في تدريس مادة الفيزياء والتوجيه. ولتغليب الحكمة والعقل دخل القسم أستاذا لمادة الفيزياء، وهو دخول موصوف بالباطل. وشهدت الإدارة بخاتمها، وبدعم من الإطار الإداري النقابي الوافد عليها، أنه رفض تدريس مادة الفيزياء، واستفسرته المديرية الإقليمية للتربية والتكوين، فقدم لها تفسيرا. ولأن مضايقة الأستاذ قائم على ثقافة تآمرية رفضت الإدارة استلام التفسير، وبعث الأستاذ الضحية الوثيقة على يد المفوض القضائي، لكن بدون جدوى.

صدر أمر توقيفه مؤقتا عن العمل، وهو توقيف غير مؤسس، رقمه 369 بتاريخ 05 من شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2018. ولقد أريد من تغيير مادة التدريس، بدون سابق إعلام، استفزاز الشخص المرغوب في مضايقته، وليس بداعي الحاجة إلى تدريس الفيزياء، أو إلى أنه مسند إلى الفيزياء، في الوثائق، رغم أنه يدرس الرياضيات. إن الداعي إلى التوقيف معلل بوهم يفيد أن الدكتور مصطفى معهود رفض استلام جدول الحصص. ولا عيب في ذلك، وليس من العيب أن تفتري الإدارة إن كانت الغاية واضحة مضايقة المناضلين الشرفاء.

صحيح أن الدكتور مصطفى معهود حاصل على دبلوم الدراسات المعمقة في الفيزياء النظرية أعالي الطاقات، وعلى الدكتورة في الهندسة ووصف النظم المعلوماتية- إلكترونيك – تخصص علوم المهندس، ولا تعوزه المعرفة العلمية في مجال الفيزياء والرياضيات، لكن الإدارة تبتغي مضايقته، لأنه مناضل تقدمي، فكان أن صنعت بأوهامها ملفا يعيدنا إلى ما قبل عمل هيئة الإنصاف والمصالحة.
شرع الدكتور مصطفى معهود في الاحتجاج على الاستفزاز والعبث، لكن بدون جدوى، وسخرت الإدارة أعوانها للمس بكرامته، وقد قال له حارس ليلي ببلدة الريش يوما كلاما فاحشا مخلا بالحياء: «غادي نحويك»، أي: سأفعل فيك، باللسان الدارج المغربي.

وحاول أحد الموظفين بالمديرية الإقليمية للتربية والتكوين بميدلت أن يصفعه. ذاك نزر من الممارسة التربوية بمحيط معتقل تازممارت رغم مضي عقدين على تقديم تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة التي تمثل وجها للعدالة الانتقالية المغربية. لست هنا لبسط الإفريز الزماني للانتهاكات التي حاقت بهذا المناضل، ولا الوقوف عند التفاصيل الصغيرة لأهميتها رغم إفادتها وجدواها. وحسن العروج إلى ذكر معطى وتسطيره لاستكمال الرؤية مفاده أن إدارة التربية والتكوين لا تستلم من الضحية المراسلات، الشكايات والطلبات. وإن كل ظلامات الدكتور مصطفى معهود موجهة إلى الإدارة عن طريق المفوض القضائي وبدون جواب.

عرض الدكتور مصطفى معهود للتأديب مرتين، أمام مجلسين تأديبيين، بني على وثائق لا صلة لها بالحقيقة الواقعية. وكانت العقوبة التوقيف لمدة أربعة أشهر في المرة الأولى، والتوقيف لمدة شهرين في المرة الثانية، وبعد ذلك استسلمت الإدارة وحافظت عليه أستاذا للرياضيات (فضيحة). ولئن سخرت مفتشا ليصدر تقريرا يخفف من مستواه العلمي، ومن قدراته التربوية، تقريرا يحمل تاريخا لا صلة له بالواقع، فقد ترتب عنه منعه من تدريس الإشهادي (الباكالوريا).

وأفصح أن السيد المدير الإقليمي في الولاية الحالية، بإقليم ميدلت، وهو أكثر الأطر الإدارية بجهة درعة تافيلالت استنارة لتشبعه بالعقلانية، ولاكتسابه ملكة الإنصات الجيد، وهو أستاذ الفلسفة سابقا، متخصص في علم الاجتماع، لم يضمر للأستاذ مصطفى معهود أي سوء، ولم ينخرط مع العصابة التي انقطعت لتضييق الخناق عليه.

ويعنينا أنه مع مضي بعض الوقت بدأ أثر الاعتداء يختفي تدريجيا في الميدان بتنقيل جل من تعفنت يداه في مس الأستاذ مصطفى معهود، وإحالة بعضهم على المعاش. ولايزال مجال الإنصاف ممكنا، لو توافرت الإرادة. وماذا سيفعل الدكتور مصطفى معهود أما وضعية تفاوضية مبارياتها صفرية طيلة ست سنوات؟ شرع الأستاذ مصطفى معهود في خوض إضرابات عن الطعام. ولنقف عن محطتين تيسيرا للفهم:

– المحطة الأولى، خاض الإضراب بتاريخ 04-05- 2023 اعتصاما أمام مقر الأكاديمية الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة درعة تافيلالت بجنوب شرق المغرب، والكائن مقرها بطريق مكناس بمدينة الرشيدية. ودام الإضراب أسبوعين. ورغم تدخل لجنة تفضل أن تكون سمتها حقوقية للتفاوض مع السيد مدير الأكاديمية سابقا، فإن محصول المباراة ضعيف للغاية، إن لم نقل إنها مباراة صفرية. وحسبنا أن تلك اللجنة ضعيف آداؤها في مجال التواصل والتفاوض والوساطة، ولم تنصف حتى موظفيها، إذ فرضت عليهم العمل، حتى في زمان الحجر الصحي، ومكث أحدها معتصما مطالبا بحقه في المعاش. رفع الدكتور مصطفى معهود الإضراب، احتراما للجنة المذكورة، لكن الوضع بقي على حاله.

– المحطة الثانية ابتداء من يوم الخميس 02 من شهر مايو (أيار) الجاري. جرى رفعها بعض الوقت ليستأنف الاحتجاج أمام مقر الأكاديمية مرفوقا بالإضراب عن الطعام، ولا يزال الإضراب مفتوحا بأمعاء فارغة. ولئن تدخلت الأكاديمية مساء يوم الإثنين 13 من شهر مايو (أيار) الجاري، وجاء إلى المعتصم ثلاث موظفين وعدوه خيرا، وظن الرأي العام أن الفرج سيأتي صباح يوم الثلاثاء 14 من شهر مايو (أيار) الجاري، لكن ذلك الانتصار خافت، للأسف الشديد. ولقد نودي، بالفعل، على الدكتور مصطفى معهود ابتغاء الحوار، وأدخلوه إلى المكاتب المكيفة، ليمكث فيها ساعتين ونصف الساعة، كلها كلام فارغ. ذلك أن الخطاب الذي راج بين الطرفين يحتكم لجدل ثنائي القيم، الجدل العقيم.

وحسبنا أن اللجنة المحيطة بالسيد المدير ودت أن تؤسس كلامها برأسين وعلى رأسين: رأس يطالب بالوثيقة حينما تعني الواقعة الإدارة. ورأس آخر ينادي بالثقة إذا تعلق الأمر بالضيم الذي حاق بالأستاذ مصطفى معهود. لنسلم تجاوزا وتغافلا أننا أمام منطق ثنائي القيم. وفي هذا الصدد وجب تنبيه اللجنة المحترمة أن المنطق الثنائي القيم متجاوز منذ عصر الفيلسوف الألماني هيجل. ولا أحد يتحدث بالمنطق الثنائي القيم في عصرنا الحالي. ولا يمكن لأستاذ ذي شهادة الدكتوراة علمية أن يقتنع بذلك. وإذا ظنت اللجنة المحترمة أن الأمر يتعلق برأسين نكون قد رجعنا نحو الخلف سبعة قرون، وقد سلف للفيلسوف الفرنسي بوريدان أن حسم الإشكال، مع الرأسين. ودون العودة إلى قضية حمار الفيلسوف بوريدان يسجل أن الأكاديمية التفتت إلى الإشكال، وحسن أن تسجل لها حسنة الانفتاح على الحوار. وأثنا تحليل الخطاب المنقول كان الرأي مؤطرا بافتراضين: أن تعود الأكاديمية إلى التعامل مع القضية تأسيسا على الوثيقة بعيدا عما يسمى الثقة. أو تعتمد على أرشيفها وتنظر إلى الوضعية من منظور إنساني حقوقي في غياب من يعتني بحقوق الإنسان في المحيط. والصواب أن الإدارة أخطأت في حق الأستاذ #مصطفى_معهود وعليها أن تنصفه.

بقي الأمل يراود المتضامنين مع الدكتور مصطفى معهود، وجرت الاستشارة مع بعض المستنيرين وتبين طرق باب الإدارة في الهامش مع التركيز على الوثيقة وعلى اعتبار الوضعية تفاوضية تستلزم دعمها بإعمال الوساطة وكان بعث ملف مكون من وثائق تبطن ظلامات الأستاذ مصطفى معهود تسلمتها الإدارة عن طريق المفوض القضائي عدا الإشعار بخوض الإضراب عن الطعام الذي رفضت الإدارة استلامه، ولم يحصل اللجوء إلى المفوض القضائي، أقول جرى بعث الوثائق على يد فاعل خير متطوع وعد بأن يسلمها إلى السيد مدير الأكاديمية.

ولأن الوضعية منذرة غاية؛ ولأن الدكتور مصطفى معهود فقد الثقة في الإدارة ومصمم على الاستمرار في خوض الإضراب عن الطعام إلى أجل غير مسمى، أخشى أن يسميه تسليمه الروح؛ أناشد بصفتي أحد أصدقاء الدكتور مصطفى معهود جل المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية التدخل لإنقاذ حياة الدكتور مصطفى معهود.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...